تونس - الصباح الأسبوعي: مازالت الأزمة المصرية وما رافقها من أحداث خطيرة تباينت حيالها وجهات النظر المحلية وتناقضت بشأنها المواقف الدولية تلقي بظلالها على المشهد التونسي في ظل حرب البيانات ودعوة بعض الأطراف الى التمرد وحل المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. ويبدو ان عزل الرئيس المصري محمد مرسي واسقاط نظام الاخوان في ظرف أيام قليلة في مشهد متشعب ومعطيات معقدة جعل بعض الأطراف المدنية والسياسية تحلم باعادة نفس السيناريو في تونس لتواجه هذه الدعوات بردود أفعال قوية وتصريحات نارية. حل المجلس التأسيسي ورغم ان الوضع مازال مشتعلا في مختلف المحافظات المصرية وينبئ بمأساة أكبر في ظل ما يتخلله من مواجهات يومية أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات في مشهد يتجه نحو المجهول فان بعض القوى المدنية والسياسية التونسية انطلقت في الدعوة الى اسقاط حكومة «الترويكا» دون النظر الى اختلاف الواقع المصري عن نظيره التونسي في عديد المعطيات سواء تعلق الأمر بالحكومة وكيفية تعاطيها مع الشأن السياسي والوطني عموما أو المؤسسة العسكرية. وبالتوازي مع شروع حركة تمرد في تجسيد خطواتها الأولى حيث تجاوز عدد الموقعين لديها المائتي ألف الى حد السبت الماضي على حد تأكيد المشرفين عليها فان بعض الأحزاب السياسية دعت صراحة الى حل الحكومة وهو ما نادى به حزب نداء تونس في البداية لتتوالى التصريحات المنادية باسقاط حكومة النهضة. وفي الوقت الذي شدد الباجي قائد السبسي على ضرورة حل المجلس التاسيسي وتكوين حكومة انقاذ وطني قال لزهر العكرمي «سقط الأصل في مصر وسيسقط الفرع في تونس» وأكد حمة الهمامي على «عقد اجتماع تنسيقي بين عديد الاحزاب غدا بشأن حل المجلس التأسيسي». تصريحات استفزازية واذا كانت الحكمة تقتضي مراقبة مجريات الأوضاع المأساوية في مصر واستيعاب الدروس من مختلف جوانبها من منطلق المصلحة الوطنية سقطت مختلف الأطراف من حكومة ومعارضة في فخ التصريحات الاستفزازية التي أدت الى مزيد التوتر وشحن الأجواء بل أفضت الى مشاحنات ومناوشات في عديد الأماكن كان يمكن تجنبها. وتواصلت الحرب الكلامية على مدى الايام الماضية التي ساهم أغلبها في صب الزيت على النار بل ان المعارضة اعتبرت ان تصريح راشد الغنوشي بان «الدعوات من أجل حل التأسيسي كلام فارغ» بمثابة التحدي واستعراض العضلات. وتتالت التصريحات النارية حيث أكد أمس القيادي في الجبهة الشعبية منجي الرحوي أن «لديه معلومات تؤكد أن الّذي سيقع في تونس بعد شهر رمضان سيكون 1000 مرة أحسن ممّا حدث في مصر». واضاف أن ما سيحدث في تونس سيكون سلميا وسيكون بمثابة الاستفتاء الشعبي ضد الحزب الحاكم على حد تعبيره. ولم تبق رابطة حماية الثورة بعيدة عن دائرة التصريحات الاستفزازية بل انخرطت في التهديد والوعيد الى حدأن قال احد اعضائها متوجها لجماعة تمرد «اللي يهبط للشارع باش نمرمدوه» وهي تصريحات تشحن الأجواء أكثر وتساهم في مزيد التوتر والاحتقان. صمام الأمان بعيدا عن الحرب الكلامية والتشكيك في الشرعية من جهة وتكوين ائتلاف للدفاع عن الشرعية من جهة أخرى فان الواقع التونسي يبدو مختلفا عن نظيره المصري من حيث المؤسسة العسكرية والنخبة السياسية واختلاف حركة النهضة عن الاخوان في عديد الجزئيات وما فرض عليها من تنازلات سابقة تتعلق بالتنصيص على الشريعة في الدستور والابقاء على مجلة الاحوال الشخصية وفك الارتباط مع السلفية الجهادية. ورغم تأكيد عديد القوى على ان الشعب التونسي قد مل من الفترة الانتقالية فان الدعوات الى اسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي قد تفقد معنى صندوق الاقتراع وتضع حدا للتحول الديمقراطي وتفتح أبواب المجهول بما يعيدنا الى نقطة الصفر في سيناريو لن يخلو بالتأكيد من المأساة. واذا كانت حكومة «الترويكا» تريد تجنب سيناريو مصر فعليا فانه يتوجب على حركة النهضة باعتبارها تقود الائتلاف الحكومي- ان تضع آخر النقاط على الحروف وتسارع بالاتفاق مع مختلف الاطراف حول خارطة طريق واضحة في ظرف قياسي تحدد من خلالها موعد الانتخابات والاستحقاقات القادمة مع ضرورة تكوين الهيئات وبلوغ وفاق حقيقي حول الدستور وادارة الشأن الوطني. ولا بدّ ان تفهم الحركة ان الحوار الفعلي في هذا الظرف الدقيق هو صمام الأمان الوحيد لان سياسة التعنت وفرض الأمر الواقع التي انتهجتها أغلب الفترة الماضية قد يمضي بالبلاد نحو مصير مجهول في وقت لا تحتمل فيه أي هزات في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.