مرة أخرى تكون الديبلوماسية التونسية خارج المرمى وتغيب دروس وعبر أحداث ليست بعيدة عن الذاكرة ولا تزال انعكاساتها قائمة على أكثر من جبهة عندما أقدم أصحاب القرار في البلاد في نشوة الإحساس بالانتصار بعد الانتخابات على قطع العلاقات مع سوريا وتجاهل كل ما يمكن أن يفرزه هكذا موقف من تداعيات قد لا تخلو من التعقيدات والخطورة على المستويات الإنسانية والأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها. وبعيدا عن الجدل، الذي لن يتوقف قبل وقت طويل، حول ما إذا كان عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي انقلابا على شرعية الصندوق أم انتصارا للشرعية الشعبية وتصحيحا لمسار خاطئ كان سيؤدي بالبلاد الى الهاوية، فإن الواقع أن الموقف الرسمي التونسي انجرف مرة أخرى إلى الردود العاطفية واختار بذلك مجانبة الحذر والتريث، وربما يكون قد تعمّد استعداء ذلك الجانب من الرأي العام المصري الذي لا يستهان به والذي طالب بعزل مرسي ولكنه استعدى كذلك الجانب الرسمي واستعدى جامعة الدول العربية عندما تجاوز رفض ما حدث في مصر والمطالبة بعقد قمة إفريقية للنظر في التطورات الحاصلة في المشهد المصري وهوما أثار غضب الكثيرين في مصر. مرة أخرى يكون الموقف التونسي من الاحداث الدائرة في مصر بعد عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي أبعد ما يكون عن بعد النظر واستقراء الاحداث المستقبلية بحكمة وبما يفرضه تغليب منطق الديبلوماسية الواقعية من حذر وتحرر من المشاعر عندما يتعلق الامر بمسألة لا تخلو من الحساسية وقد تكون لها تداعيات راهنة ومستقبلية على العلاقات بين تونس ومصر. طبعا الامر لا يتعلق بالوقفات الاحتجاجية لحركة النهضة الحليف التاريخي للإخوان ومعها بقية مكونات "الترويكا" تنديدا بعزل مرسي باعتباره "انقلابا على الشرعية".. فالتظاهر السلمي حق مكتسب ووسيلة من وسائل حرية الرأي والتعبير ولا مجال لمصادرتها تحت أيّة ذريعة كانت طالما كانت في اطارها السلمي. على أن ما يدعو فعلا للتوقف عند الموقف الرسمي في تونس، ومع تواتر ردود الأفعال من جانب زعيم حركة النهضة ورئيس الجمهورية خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وكل من رئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي، هذا الإصرار على فرض الجانب الحزبي الضيق على الجانب الرسمي بمعنى أن الموقف من عزل مرسي كان نابعا من موقع هذه الأطراف الحزبية الذاتية وليس من موقع وطني شامل، وقد لا يكون من المبالغة الإقرار بأن الدفاع عن شرعية الصندوق لم ينجح في إخفاء حالة من الهستيريا الخفية التي تناست حقيقة أن الشرعية لا يمكن أن تكون أبدية وأن شرعية الصندوق قد تكون قابلة للسقوط والانهيار اذا لم تقترن بشرعية الإنجازات والأفعال والإرادة الحقيقية في تفعيل وتحقيق أهداف الثورة الأصيلة التي يبدو أنها غابت عن أذهان الكثيرين.. "موقفنا سيادي ومبدئي".. هكذا كان موقف الخارجية التونسية في بيان لها إزاء ما يجري في مصر، وأنه بالتالي "يستند إلى أسس ومرتكزات العملية الديمقراطية، في إطار الشرعية والتوافق". وحسب البيان، فإن تونس ترى أن "تسوية إشكاليات وصعوبات المسار الانتقالي، تستوجب الحوار والتواصل والتوافق، في إطار الشرعية، ورفض تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية"، وهو بالتأكيد بيان أثار ولا يزال يثير حفيظة شريحة مهمة من المصريين بما يجعل محاولة الاستدارك من جانب السلطات التونسية المعنية وعرضها القيام بدور الوساطة أشبه بالمهزلة المتكررة. مرة أخرى كنا نعتقد خطأ أن الديبلوماسية التونسية يمكن أن تستعيد عافيتها بعد عزل الوزير السابق رفيق عبد السلام صهر زعيم حركة النهضة وما أثاره في حينه من تناقضات، ولكن يبدو أن مشكلة ديبلوماسيتنا أعمق من الأسماء والأشخاص وأنها لم تنجح بعد في استقراء متطلبات المشهد والاستفادة من كل النكسات والعثرات، على الأقل من أجل ان تكون ديبلوماسية تجمع ولا تفرق، تقرب ولا تنفر، تُوحّد الصفوف ولا تشتت.. فكيف يمكن أن نقبل أن تكون ديبلوماسية تونس وراء تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي أو سببا في الدفع إلى ذلك؟