منذ اندلاع الثورة، ظهرت أحزاب وتيّارات الكثير منها تعلن انتماءها إلى الحزب الدستوري، واعتزامها إحياء الإرث البورقيبي. وعقدت هذه الأحزاب «الدستورية» اجتماعات، في مواعيد مختلفة، وبأنحاء من البلاد متعددة، في ظروف أضفت عليها جملة من المعاني ارتفعت بها إلى أن تكون تلبية للضمير الوطني من قبل ثلة من الأوفياء للرسالة الدستورية البورقيبية التي تحمّلها حزب الأمة، طيلة عقود، في سبيل تحرير البلاد من ربقة الاستعمار، ثم لتخليص الشعب من وطأة التخلف فالنهوض بالمجتمع إلى صنع مصيره بارادته وسواعده، وفكر أبنائه. بكلمة جامعة لمغازي هذه الاجتماعات فإن ثلة من الآخذين بالفكر البورقيبي يعبرون عن واجبهم في التذكير إن نفعت الذكرى بما تحتاج أليه اليوم تونس الوفية لمبادئ دينها وقيم حضارتها الإسلامية العربية في تنظيم شؤونها العامة، من تمسك، لا بأوضاع وصيغ ذهب وقتها، بل بمبادئ وقيم، جربت فصحت، ولا يزال نبضها في النفوس حيا متدفقا. أهم هذه المبادئ جعل الأولوية لما يجمع شتات الشباب الذين هم مستقبل البلاد واجتناب ما يفرق كلمتهم، لأن قوة تونس من قوة شبابها، ومن تكاتف جهودهم في تحقيق مطالب الشعب، وذلك بالانهماك في البناء والتشييد، دون مس بما تم إرساؤه بجهود أسلافهم الأولين الذين كانوا هم أيضا من شباب الأمة، عند قيام ثورتها الأولى لتحرير البلاد. ثم إن الأولوية، لما يفتح سبل المستقبل فيساعد الشباب على أحكام التطور، بتبصيرهم بما يقرب بين رغباتهم العاجلة، وبين مصالح الأجيال القادمة. ولوضع هاتين الأولويتين موضع التحقيق، لابد من العمل من أجل أن يكون المحيط الخارجي آمنا: تتوفر فيه مقومات التعاون المتكافئ متضافرة بواجبات التعاون، لصد المخاطر الواردة، ودرء المفاسد النابعة من أوضاع وعقليات بالية. ولكن، بعد ذلك، الواجب إنما هو أخذ الحداثة بالحكمة، فيما قد لا يتفق وقيم حضارتنا الأصيلة التي تلتقي والحضارة الحديثة في أغلب التوجهات الرئيسية، ومنها: * تنظيم الثقة بين الحاكم والمجتمع * وإقامة العدل بما لا تؤخذ فيه لومة لائم * والاجتهاد في تنظيم التضامن (والعدالة الاجتماعية) للسير بالمجتمع نحو ما يحقق أكثر فأكثر، توازن الفئات. * وجعل شؤون المجتمع مرتكزة على نور العلم، وإشاعة تربية الآداب والأخلاق، واتخاذ سلطان العقل المرجع الأساسي في تأليف أبعاد المجتمع: دينا ومصالح، وفكرا. إذا ما تم الأخذ بهذه المبادئ القيمة فلا خوف على تونس: فمازال أمام شبابها فرص سانحة لتفادي ما لم يكن منه بد في مجتمعات أخرى. ولذلك، فعلى الأحزاب التي أنشئت منذ قريب، أن تطوع أعمالها وتوجهاتها لما يحقق الوفاق الوطني والتناصر المجتمعي، حتى يكون المجتمع دوما قوة متنامية نحو الرقي والرفاه دون تمزق اجتماعي ولا فتن مذهبية.