الخير طمأنينة كما افادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فان الخير طمأنينة، وان الشرريبة" رواه الترمذي فالمسلم عليه ان يبعد عن الشبهات ويتقيها، ويلتزم بالحلال الواضح، الذي يطمئن اليه القلب، ولا يحدث بسببه ريب في النفس، فاتقاء الشبهات، عندما يتحلل المجتمع ويضعف الناس في ايمانهم، واخلاقهم، يصبح امرا عسيرا، غير يسير على كثير من الناس، رغم استطاعة بعض السابقين ان يحقق هذا الاتقاء بسهولة، ويسر، فليس معنى هذا انه أمر سهل على الناس جميعا، في كل زمان ومكان، قال حسان بن ابي سنان "ما من شيء أهون من الورع اذا رابك شيء فدعه" ونحن نقول "ان هذا الورع قد يكون شيئا لينا على ابن أبي سنان، ولكن امثال ابن ابي سنان اليوم قليل" ليس معنى هذا ان اجتناب الريبة امر مستحيل، او متعذر بل هو ممكن التحقيق لمن اراد، وعزم، وصمم، لا شك الطمأنينة سلوك أخلاقي رفيع، سماته الثبات، والاستقرار، وتسكين الجوارح، اعتمدته الاديان، فكان فرضا من فرائض الصلاة، وركنا مستقلا في جميع اركانها، لقد أوجبت ان تطمئن المفاصل، ويستوي كل عضو في مقره زمنا ما، زيادة على ما يحصل به الواجب من الاعتدال، والانحناء، اثناء حركات الركوع والسجود، مثل الابتعاد عن مواطن الريبة روي عن عائشة بنت ابي بكر عندما سئلت عن اكل المحرم من الصيد، اذا لم يصده، فاجابت "انما هي ايام فما رابك فدعه !" اي ما اشتبه عليك اهو حلال ام حرام فاتركه، لان الفقهاء اختلفوا في جواز اكل المحرم من الصيد، اذا لم يصده المحرم فائدتنا ان الافضل الخروج من اختلاف الفقهاء، وبهذا الخروج يطمئن المسلم الى انه لم يأت شيئا غير لائق قال الباحثون من العلماء: "ان الخروج من اختلاف الفقهاء لا ينبغي في كل حال، هناك أموري ثبتت فيها الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا معارض، فيكون اتيان هذه الرخصة اولى من تجنبها. اما اذا كان للرخصة معارض من حديث اخر او من عمل الامة بخلافها، فالأحسن ان يترك الانسان هذه الرخصة، حتى يخرج من اختلاف الفقهاء. وترك ما يريب انما يكون متحققا على وجهه ومستقيما في امره، اذا وقع من الشخص المستقيم، في اعماله، واحواله، واقواله، فمثل هذا الشخص يكون من المقربين، الذين يطالبهم ايمانهم بان يرتفعوا درجات، فوق درجات، في باب التقوى، والورع، والا قيل لهم "حسنات الابرار سيئات المقربين" ا وان يكون الشخص متلطخا بالاثام غارقا في الحرام، ثم يتظاهر بالورع في دقائق تافهة، فانه يكون بذلك مخادعا، وكيف يكون ورعا من يأكل اموال الناس جزافا، وبالباطل، ثم يتظاهر بانه يحذر اخد مليم زائد في حسابه بلا حقّ يروى ان بعض اهل العراق جاء الى ابن عمر يسألونه عن دم البعوض فقال: "يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين! وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "عن الحسن والحسين: هما ريحانتان في الجنة" تاريخ المسلمين حقوق المسلمين، فابتعد عنه كل شبهة، وريبة، اذ جاءه احد الولاة ليلا، فتحادثا عن احوال المسلمين على ضوء شمعة من بيت المال، ولما تحول الحوار عن حاله وشأن عائلته اطفأ عمر الشمعة، واحضر سراجا من ماله؟" فعجب الوالي لذلك، وقال: "يا أمير المؤمنين رأيتك فعلت أمرا ما رأيتك فعلت مثله" قال عمر "وما هو؟" قال "اطفاؤك الشمعة عند سؤالي لك عن حالك، وشأنك" فقال عمر "يا عبد الله، إن الشمعة التي رأيتني أطفأتها من مال الله، ومال المسلمين، وكنت أسألك عن حوائجهم، وامرهم، فكانت تلك الشمعة تضئ بين يدي فيما يصلحهم فلما صرت لشأني، وامر عيالي، ونفسي، أطفأت نار المسلمين" وكان الامام احمد بن حنبل يحذر ان يكتب شيئا بمداد من محبرته اما الجزء الثاني من الحديث فمعناه ان القلوب تطمئن بالخير، وتركن اليه، وتسكن به، وان النفوس ترتاب من الشر وتقلق به وتضطرب معه، لذلك اذا اشتبه على المسلم امر، عليه ان يتجرد من هواه، ويعود الى قلبه ليستفتيه فما اطمأن اليه قلبه، فهو الخير والحق، ففي الحديث النبوي "استفت قلبك، البر ما اطمأنت اليه النفس، واطمأن اليه القلب، والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدور، وان افتاك الناس، وافتوك قال بعض العلماء "صور ما شئت في قلبك، وتفكر فيه، ثم قسه الى ضده" اي ما جعل الله فيها من حجة وبرهان عقلي يطمئن بها من يعبدها من دون الله، فاذا كان الهوى عامل تفريق يفتت وحدة الامة، فان العقل عامل وحدة، لان العقل يبصر كل الجوانب، وعلينا ان نحافظ عليه من التعرض للاخطار المضرة من مخدرات او مغريات ففي الحديث النبوي "دين المرء عقله ومن لا عقل له لا دين له" روي عن جابر وفي حديث عن ابي ثعلبة "البر ما سكنت اليه النفس، واطمأن اليه القلب، والاثم ما لم تسكن اليه النفس ولم يطمئن اليه القلب وان افتاك المفتون" وفي حديث نبوي روى عن سعيد بن المسيب "رأس العقل بعد الايمان بالله التودد الى الناس، وما يستغنى رجل عن مشورة، وان أهل المعروف في الدنياهم اهل المعروف في الاخرة، وان اهل المنكر في الدنيا هم اهل المنكر في الاخرة" وفي حديث نبوي اخر روي عن أبي هريرة، وانس "خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره" فالطمأنينة هي السكون قال الله تعالى : "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد اية 28) قال الحواريون لعيسى بن مريم في حق ان ينزل الله عليهم مائدة من السماء "قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا" (المائدة آية 133) وفي حديث غزوة بدر قال تعالى "ولتطمئن قلوبكم به" (آل عمران آية 126) وعندما سأل الله تعالى ابراهيم عن احياء الموتى "قال اولم تؤمن، قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي" (البقرة آية 260).