بعد فترة من التردد، افتتح مجددا موسم الهجرة الديبلوماسية الى القاهرة.. موسم يذكر بما حدث في تونس إبان ثورة 14 جانفي حيث باتت وجهة كبار السياسيين والديبلوماسيين في العالم الذين انبهروا آنذاك بما تحقق للتونسيين الذين أجمعوا على إسقاط الظلم والفساد والاستبداد.. كل ذلك قبل أن يتراجع ذاك الدعم والتأييد الخارجي ويبدأ نجم الثورة السلمية في الأفول والخروج عن دائرة اهتمام العالم لعدة أسباب قد تشكل موضوعا مهما للدرس والبحث المعمق.. مصر اليوم باتت قبلة المبعوثين الأمريكيين والأوروبيين والعرب بعد احتجاجات 30 جوان الماضي التي انتهت بانضمام المؤسسة العسكرية لحركة "تمرّد" وعزل مرسي عن السلطة، ويبدو أن الحذر الذي طغى على مختلف ردود العواصم العالمية ومرحلة انتظار زوال الغموض ووضوح الرؤى لاستقراء المشهد ورصد ما يمكن أن تحمله الاحداث من مفاجآت أو تطورات، قد بدأ يزول ليفسح المجال لعودة الرسائل الديبلوماسية المعلنة والخفية. فموقع مصر الاستراتيجي إقليميا ودوليا أكبر من أن يستهان به وهو بالتأكيد يتجاوز كل الحكومات والأحزاب والأفراد. من هذا المنطلق فإنه ما كاد المبعوث الأمريكي جون كيري يغادر القاهرة بعد استطلاع المشهد وإجراء سلسلة من اللقاءات مع مختلف الفرقاء حتى كانت ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أشتون تحل الرحال بدورها في مصر بالتزامن مع أداء الحكومة الانتقالية اليمين الدستورية وهو توقيت لا يمكن أن تكون الصدفة وراءه، بل الأرجح أن اختيار التوقيت يعني ضمنيا أن الحكومة الجديدة تحظى بدعم أوروبي وأن كاثرين أشتون تأتي محملة بأكثر من رسالة بهدف تجديد الوساطة بين الفرقاء بما يؤكد أهمية مصر بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ولعل في الكشف عن وجود مبادرة أوروبية كان بالإمكان أن تجنب مرسي المسار الذي انتهى إليه ما يؤكد أن أوروبا، وبرغم ما تواجهه من أزمات اقتصادية ومن مشاكل اجتماعية، وما تتخبط فيه من بطالة وفقر، لا تقف موقف الحياد مما يحدث في مصر، ولا في أي بلد من بلدان الربيع العربي. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي كان وراء مبادرة منذ أفريل الماضي بين الاخوان والمعارضة والتي كان يمكن أن تجنب المصريين تداعيات عزل مرسي لو أن هذا الأخير تعامل بواقعية معها وتخلى، ولو جزئيا، عن العناد والمكابرة، ولم يقع فريسة لعبة الشرعية التي كان يعتقد أنها ستمنحه الحصانة المطلقة والأبدية وستعفيه من الانتقادات ومن الملاحقات جراء الأخطاء المتكررة والتراكمات الحاصلة والانحرافات عن مسار وأهداف الثورة وما أفرزته من احتقان ومن شكوك ومخاوف لدى شريحة واسعة من الشعب المصري التي تمردت على السلطة المنتخبة ووجدت في المؤسسة العسكرية داعما لها رغم المخاوف من تكرار ممارسات حكم العسكر بعد الثورة.. صحيح أن تصريحات أشتون اتصفت بالديبلوماسية في ظاهرها وبتجديد الدعم لمصر في تجربتها الانتقالية، ولكن الأرجح أن أشتون كانت لها رسائل غير معلنة للرئيس المصري المؤقت وهي التي غادرت القاهرة دون أن تتمكن من تحقيق مرادها والالتقاء بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي دعت الى فك أسره كما دعت الى عدم اقصاء الاخوان في العملية السياسية حتى يستطيع المصريون الانصراف الى تحقيق المصالحة وتجاوز هذه المرحلة التي يراوح فيها المشهد المصري بين العنف والفوضى. حركة الإخوان لم تكن خارج دائرة لقاءات ممثلة الاتحاد الأوروبي وقد جاءت تصريحات الناطق باسم الحركة جهاد الحداد لتؤكد أن موقف قادة الحركة لم يتغير وأن المطالب التي رفعت خلال زيارة المسؤولة الأوروبية تدعو إلى "عودة الشرعية رئيسا ودستورا وبرلمانا".. موقف متجانس مع موقف رئيس الوزراء التركي أردوغان الذي رفض بالأمس التواصل هاتفيا مع البرادعي معتبر أنه انقلابي ولا يمثل الشعب المصري بما ينذر بأن الحسم النهائي والاعتراف الدولي بالرئيس المصري المؤقت عدلي منصور والحكومة الانتقالية ليس بالامر الحاصل والأرجح أن الصراع بين أنصار مرسي ومعارضيه يمكن أن يتحول الى سيناريوهات مرعبة والى مزيد الدماء. واذا كانت عودة مرسي الى الحكم تبدو أمرا تجاوزته الاحداث فإن الأكيد أن مرسي يبقى المفتاح الذي يمتلك بالتأكيد جزءا أساسيا من الحل المطلوب وهو الذي بإمكانه أن يجنب مصر والمصريين السقوط الى الهاوية...