هو عبد الله بن مسعود بن غافل، يصل نسبه إلى مصر ويكنى بأبي عبد الرحمان الهذلي، وأمه أم عبد بنت عبدود، من هذيل، وكان ينسب إليها أحيانا فيقال ابن أم عبد كان خفيف اللحم، شديد الأدمة، أسلم قديما... وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وأسمعه قريشا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأوذي في الله من أجل ذلك، لما أسلم أخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه، فكان يخدمه في أكثر شؤونه، وهو صاحب طهوره، وسواكه ونعله، يلبسه إياه إذا قام، ويخلعه ويحمله في ذراعه، إذا جلس، ويمشي أمامه إذا سار، ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويلج عليه داره بلا حجاب حتى لقد ظنه أبو موسى الأشعري من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم... هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وصلّى إلى القبلتين، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهد اليرموك بعد وفاة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الذي أجهز على أبي جهل يوم بدر، شهد له رّسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، وبالفضل وعلوّ المنزلة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لو كنت مؤمرا أحدا دون مشورة المؤمنين لأمرت ابن أم عبد" وقد ولي بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان، وقدم المدينة في آخر عمره، ومات بها سنة اثنين وثلاثين ودفن بالبقيع ليلا، تنفيذا لوصّيته، وعمره يوم وفاته بضع وستون سنة، كان من أحفظ الصحابة لكتاب الله، يحب رّسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يسمع منه القرآن ويقرأ عليه وقال "من سرّه أن يقرأ القرآن وطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"، كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف في عهد عثمان، كان يرى أنه أولى منه بذلك... كان يأخذ عنه أهل الكوفة الحديث والتفسير والفقه، وهو معلمهم وقاضيهم، ومؤسس طريقتهم في الاعتداد بالرأي حيث لا يوحد النص، فالكل يشهد بمكانته العلمية روى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ" دليل على حرصه على تفهم كتاب الله والوقوف على معانيه... وبالجملة فابن مسعود كما قيل: أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى وأعرفهم بمحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه، وقصصه وأمثاله، وأسباب نزوله، قرأ القرآن فأحل لاله وحرّم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسّنّة، بصير بكتاب الله، ابن مسعود أكثر ما روى عنه في التفسير من الصحابة بعد ابن عباس؟، وتتلمذ عليه أغلب علماء الكوفة، وقد توسّع الدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون في مناقب وقيمة ابن مسعود العلمية.