رغم الخفوت النسبي المسجل في حدة أزمة مياه الشرب هذه الصائفة مقارنة بالسنة الماضية التي كانت استثنائية من حيث حجم الاضطرابات في التزويد بمياه الشرب وتعدد معاناة المواطنين في عديد المناطق جراء تفاقم ظاهرة الانقطاعات، فإنه من الصعب السيطرة الكلية على مشاكل التزوّد ولا سيما بالجنوب التونسي الذي تعالت أصوات الأهالي في عدد من مدنه في الفترة الأخيرة تذمرا من ضعف تدفق المياه وتكرر انقطاعها. في المقابل وعلى مستوى الجهة الإدارية المؤتمنة على التصرف في منظومة مياه الشرب تسود حالة استنفار قصوى استعدادا لكل طارئ وتأهبا للتدخل ولو قيصريا بالنظر لمحدودية المدخرات المائية لتأمين الحاجيات الضرورية بالمناطق الشحيحة، واللجوء إلى حلول ظرفية استعجالية لإيصال الماء إليها هذا إلى جانب العمل على معالجة المشاكل الهيكلية للمنظومة بمشاريع وبرامج تقي تونس شرّ العطش على مدى عقود قادمة حسب بيانات الشركة الوطنية لتوزيع الماء. لتناول موضوع واقع التزويد بالماء والإشكاليات المطروحة راهنا، وللوقوف على برامج تدخل "الصوناد" لمجابهة تداعيات ندرة المياه التي تهدد مستقبلنا ما لم يحسن التصرف والتحكم في النظم المائية كان لنا لقاء برئيس مدير عام الشركة الهادي بلحاج عرّج فيه على تفاصيل الوضع الحالي وعلى تعدد التحديات المطروحة على الشركة والقطاع إجمالا.. الاستثناء الموجب للحل للتعرف على آخر المستجدات المتعلقة باضطرابات توزيع الماء المسجلة إلى موفى الأسبوع المنقضي وتحديدا إلى يوم الجمعة موعد اللقاء وأبرز المناطق التي تعاني انقطاعا في التزويد نفى الهادي بلحاج وجود أي نقطة تشهدانقطاعا حادا في توزيع الماء. غير أنه لم ينكر وجود صعوبات في مستوى بعض المناطق في أقصى الجنوب في علاقة مباشرة بقلة الموارد المائية خاصة بتطاوين وغمراسن وجربة سببها الرئيسي الخصوصية المناخية للجهة وتردي حالة شبكة التوزيع وكثرة الكسور التي تعتريها. علما أن هذه المناطق تتزود من المائدة المائية بمدنين التي تشهد بدورها نقصا فادحا في مخزوناتها، وقد وصل نقص منسوب آبارها حدود 60 بالمائة أحيانا ما يؤثر آليا على طاقة التزود بالمناطق المحاذية التي تعتمد على هذه المخزونات. لمجابهة هذا الوضع تم اللجوء اضطرارا إلى تقوية نسق استغلال المائدة المائية المستنزفة بطبعها مع ما يشكله هذا الحل من مخاطر تهدد نوعية المياه واستدامتها. لكن حسب محدثنا لا خيار بديل آخر أمام الشركة لتلبية الحاجيات المتصاعدة سوى اللجوء إلى هذه الوسيلة في انتظار أن يمن الله بالأمطار والغيث لتجديد المخزون المائي. كما تم بالتوازي الاستنجاد بالجمعيات المائية الفلاحية لتحويل جانب من مواردها لاستعمالات الشرب. إلى هذه الحلول الظرفية الاستعجالية تعمل "الصوناد" وفقا لتصريح مسؤولها الأول على طرح حلول جذرية لفائدة الجنوب الشرقي تحد من الكلفة الباهظة المترتبة عن إيصال الماء من الولايات والجهات المجاورة من شأنها أن تقي الأهالي أزمات قادمة بالنظر لضعف الموارد المائية ومخاطر تفاقمها مستقبلا. من بين المشاريع المبرمجة انجاز محطة تحلية المياه تنجز على مرحلتين. ستكون جاهزة سنة2018، بكلفة تقدر ب300 مليون دينار بتمويل ياباني. إلى جانب تفعيل مشروع يعود تاريخ إقراره إلى 2006 لتمكين جربة من تجاوز مشكلها الهيكلي من نقص مياه الشرب بإحداث محطة تحلية مياه البحر، وسيتم الخميس 22 أوت توقيع اتفاق قرض ألماني لتمويل هذا المشروع ب130 مليون دينار تضاف لها اعتمادات في حدود 30 مليون دينار لربط الشبكات بمياه البحر. وستكون المحطة جاهزة في غضون 2016. محطة متنقلة في انتظار دخول محطة تحلية مياه البحر حيز الاستغلال تقرر إنجاز محطة متنقلة لتحلية مياه البحر بكلفة 20 مليون دينار ونظرا للطابع الاستعجالي تمّ اقرار التفاوض المباشر مع المقاولة التي ستتعهد بإنجاز المشروع قبل 2014. ليقع استغلالها لاحقا في قابس وصفاقس. وبصفة عامة يضمّ برنامج محطات تحلية المياه إنجاز أربع وحدات الأولى بجربة والثانية بالزارات ستؤمن حاجيات كل من قابس وتطاوين ومدنين، إلى جانب محطة ثالثة بصفاقس ورابعة بقرقنة. ومن المتوقع أن تكون كافة المحطات جاهزة قبل سنة 2020 بكلفة جملية تناهز 800 مليون دينار بالأسعار القارة. .. وللساحل نصيب بالتوازي مع هذه المشاريع الموجهة إلى مناطق الجنوب تعكف "الصوناد" على التفكير في مجابهة التداعيات المرتقبة لبلوغ المتوفر من الموارد حالة الإشباع القصوى راهنا في مستوى الشريط الساحلي الذي يستقطب ثلثي الحاجيات الاستهلاكية الإجمالية ويضم 70 بالمائة من حرفاء الشركة وذلك ببرمجة انجاز خزانين بكل من السعيدة والقلعة الكبرى بسوسة. إلى جانب إحداث منشآت ومحاور ربط. ومن المزمع أن تكون هذه المشاريع جاهزة في غضون سنة 2022 بتكلفة تناهز 700 مليون دينار. التسعيرة المستقبلية محل دراسة في ضوء المشاريع المستقبلية الضخمة والمكلفة التي تعكف على انجازها الشركة أعلن ر.م.ع. "الصوناد" أن التسعيرة ستكون محل دراسة مستفيضة تتناول مختلف التوجهات المطروحة أخذا بالاعتبار التكلفة المتزايدة لبرامج التدخل المتعلقة بتوفير الموارد المائية وتامين استدامتها للأجيال القادمة، والمحافظة على انتظام التزويد بمختلف الجهات. عجز مالي في معرض حديثه عن وضع الشركة وحدّة التحديات التي تواجهها من حيث تلدّد جانب من الحرفاء في استخلاص ما عليهم من مستحقات للصوناد، وتعدّد مظاهر استغلال الماء بغير وجه حق أشار بلحاج إلى أن قيمة العجز المالي للشركة يبلغ 90 مليون دينار. وفي الأثناء تحرص الشركة على الإيفاء بالتزاماتها من إقامة المشاريع وتجديد العدادات القديمة المعطبة وتلبية الحاجيات الجديدة. وقد تم اقتناء 350 ألف عداد. وبسبب قلة الموارد المالية لم يتسن للشركة صيانة وتبديل سوى 200 كلم من الشبكات هذه السنة من جملة 1000 كلم مبرمجة للتجديد سنويا. إلى جانب التدخل لصيانة وإصلاح الكسور التي يصل معدلها السنوي إلى 150 ألف كسر على طول الشبكة.. وبلغت المستحقات غير المستخلصة العائدة ل"الصوناد" إلى غاية الأسبوع الأول من شهر أوت الجاري 240 مليون دينار منها 65 مليون دينار لدى مؤسسات الدولة. حول حجم المستحقات غير المستخلصة بلغت إلى غاية 6 أوت الجاري 240 مليون دينار منها 65 مليون دينار لدى مؤسسات الدولة. وفي المقابل تتواصل ظاهرة الاستغلال على غير وجه حق لمياه "الصوناد" وقد قدرت نسبة هذا الاستغلال غير المشروع بنحو 25 بالمائة. الحل في الطاقات البديلة تساهم العوامل والسلوكيات المذكورة آنفا حسب مصادرنا في استنزاف الموارد المائية الشحيحة بطبعها وتثقل كاهل الشركة وتخل بموازناتها مما يستوجب دعم وتعزيز الوعي بضرورة تكاتف جهود الجميع من اجل ترشيد الاستهلاك وطرح مسألة ندرة المياه على طاولة الحوار الموسع ليكون كل فرد على بينة من حدة التحديات القائمة وخطر تداعياتها والانخراط الفاعل في الجهود الرامية إلى المحافظة على الموارد المائية حاضرا ومستقبلا. وترى ذات المصادر في التوظيف الأنجع للطاقات البديلة خير وسيلة للضغط على كلفة إنتاج المياه وتحليتها وأنجع آلية لمجابهة مخاطر تفاقم أزمة المياه مستقبلا. كما تراهن على توجيه البحث العلمي نحو هذا المجال بما يضمن ديمومة هذا المورد وتطويع استغلال الطاقات المتجددة في تنويع المشاريع المائية. رهانات كبيرة مرفوعة لكن هل سيكتب لها النجاح في ظل الوضع الراهن الذي تمرّ به البلاد؟