أنت من أنت؟ رفيق أم عنيف؟ راشد أم غاو؟ صالح أم فاسد؟ صادق أم كاذب؟ مؤمن أم منافق؟ محسن أم مسيء؟ خيّر أم شرّير؟ فاضل أم رذيل؟ طيّب أم خبيث؟ ميسّر أم معسّر؟ طاهر أم نجس؟ متواضع أم متكبّر؟ مبشر أم منفر؟ كيّس أم عاجز؟ أمين أم خائن؟ مخلص أم مخادع؟ ناقد أم خصيم؟ ليّن أم فظ؟ بريء أم مذنب؟ مطيع أم عاص؟ مستقيم أم معوج؟ انسان أم وحش؟ عالم أم جاهل؟ هي مجرد تساؤلات عن بعض الأوصاف أو السلوكيات، علها تجد الجواب المقنع، والإجابة اليقينية، من عقل الإنسان الحكيم، وابن آدم الخبير، منذ بدء الخليقة، بعد تجاريب حياتية، ونزول كتب سماوية علوية من الخالق العليم الخبير، فيها دعوة باتباع الحق، والابتعاد عن الباطل، واشعار واضح بأن الإنسان في خسر في تنزيل العزيز الحكيم إلا الذين يعملون العمل الصالح «إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» (العصر آيتان 23) وإخبار صريح بأن الإنسان ناقص علم «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الإسراء آية 85) وهذا تأكيد من الخالق لمخلوقاته من بني آدم ولكنهم لا يعقلون، ولا يفقهون، ولا يتدبّرون آيات الله الخالق «بدأ خلق الإنسان من طين» (السجدة آية 7) و»علم آدم الأسماء كلها» (البقرة آية 31) وأشعره بعداوة الشيطان له «يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى» (طه آية 117) بعد أن منحه الاسكان في الجنة مع زوجه «أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» (البقرة آية 35) والمقصد من ذلك سد الذرائع، فيه اشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة وأن سكناه فيها لا يدوم لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى، والدليل على هذا قوله تعالى: «إني جاعل في الأرض خليفة» (البقرة آية 30) فدل على خروجه منها.» (انظر تفسير القرطبي). قال ابن العربي: «وهي أول معصية عُصي الله بها..» ومهما كان الأمر فإن الشيطان غوى آدم «فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضéكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فلتقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنه هو التوّاب الرحيم، قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة آيات 36 38). وذكّر تعالى أبناء آدم بنسيان آدم «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما» (طه آية 115) ألم تكن هذه الخطيئة درسا لأبناء آدم حتى لا تتكرر الأخطاء خصوصا وقد أفادنا بتفاصيل أحداثها تنزيل العزيز الحكيم؟ وتحدث الخطيئة الثانية فوق الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل من أجل شهوة «فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين» (المائدة آية 30) وهي أول حادثة قتل في درجة الجريمة العظمى بسبب وسوسة الشيطان عدوّ الإنسان اللّدود وعدو الله خالقنا جميعا، وحاسد آدم أول مخلوق بشري، الذي تسبب في اخراجه من الجنة وحل محله وظل يكيد هذا الشيطان ابليس لآدم وزوجه حواء حتى أغواهما وأوقعهما في الخطيئة فخرجا ونزلا الى الأرض وقد تابا وقبلت توبتهما من الخالق الرحيم الحليم هذا الشيطان أيضا ابليس وسوس لقابيل ليقتل أخاه هابيل، ثم يصبح قابيل من الخاسرين «روي انه جهل كيف يقتله فجاء ابليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل، قاله ابن جريح ومجاهه وغيرهما وقال ابن عباس وابن مسعود وجده نائما فشدخ رأسه بحجر وكان ذلك في ثور «جبل بمكة» قاله ابن عباس وقيل عند عقبة حراء، حكاه محمد بن جرير الطبري وقال جعفر الصادق بالبصرة في موضع المسجد الأعظم، وكان لهابيل يوم قتله قابيل عشرون سنة. ويقال: ان قابيل كان يعرف القتل بطبعه، لان الإنسان وان لم ير القتل فانه يعلم بطبعه ان النفس فانية ويمكن اتلافها فأخذ حجرا فقتله بأرض الهند والله أعلم. ولما قتله ندم فقعد يبكي عند رأسه إذ أقبل غرابان فاقتتلا فقتل احدهما الآخر ثم حفر لهما حفرة فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك» (انظر تفسير القرطبي، والآية القرآنية واضحة «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سواة أخيه قال يا ويلتي اعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سواة أخي فأصبح من النادمين» ! (المائدة آية 31) وفي نفس التفسير توسعة تكشف عن الحدث وتبين ان قابيل سيجازى أشد العقاب على فعلته تلك ولهذا افادنا القرآن «انه ومن قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا» (المائدة آية 32). وتكررت الاخطاء عبر العصور ذكرها القرآن الى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والاغرب تواصل وقوع الاخطاء الى يومنا هذا لان ابناء آدم لم يقتنعوا بما جاء في القرآن «خلق الإنسان ضعيفا» (النساء اية 28) «خصيم مبين» (النحل آية 4) «عجولا» (الاسراء آية 11) «قتورا» (الاسراء آية 100) «ظلوما جهولا» (الاحزاب آية 72) «خلق هلوعا» (المعارج آية 19)»ان الإنسان لفي خسر» (العصر آية 2) رغم ان الخالق تعالى «علم الإنسان ما لم يعلم» (العلق آية 5). وأرسل الرسل «وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم» من نبيء الا كانوا به يستهزئون» (الزخرف آيتان 6 7) «وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن امن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (الانعام آية 48) و(الكهف آية 56) «أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم» (البقرة آية 87) وذكر القرآن أبناء آدم بما حصل لأبيهم من اغواءات الشيطان «يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما» (الاعراف آية 27) وذكرهم بعداوة الشيطان لهم «ألم اعهد إليكم يا بني آدم إلا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان أعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون». بعد كل هذه التوجيهات الإلهية، والتي نحفظها ونتلوها، بقيت مكارمها الأخلاقية حبرا على ورق، قولا بلا فعل «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون» (آل عمران آية 167) «كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولوا إلا كذبا» (الكهف آية 5)، «يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم» (الفتح آية 11) الم يخجل ابناء آدم من قول خالقهم بلطف ولين «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولون ما لا تفعلون» (الصف آيتان 2 3)؟ فمن أنت يا ابن آدم؟ الم يخلقك خالقك لتعمر الأرض، وتنشر العدل وتزيل الستار لينكشف الفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والخير والشر، والعلم والجهل، والمعروف والمنكر، والطيب والخبيث، والإحسان والإساءة، والتواضع والكبرياء، والرفق والعنف، واليسر والعسر، والاستقامة والاعوجاج، والبر والإثم، والحب والبغض، والتبشير والتنفير، وفضائل الأخلاق ورذائلها، وفي هذا المسلك القويم تكون قد فهمت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأس العقل بعد الذين التودد إلى الناس واصطناع الخير الى كل بر وفاجر». روى عن علي «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» روي عن ابن عمر. «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس» روي عن جابر»المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس عن دمائهم وأموالهم» روي عن أبي هريرة. وكلها أحاديث صحيحة. وقد ذكرت في مقال سابق «الصحافة موقظة النومان والإسلام شريعة العقل»: قول صحافي سنة 1925م. الشيخ سليمان الجادوي عن الدين الإسلامي بأنه دين «... داعيا إلى التحابب، ناديا إلى المؤاساة، ناعيا التفرق والمنازعات، مرغبا في الصلح والمصالح، وكظم الغبظ والمسامحة، موجبا فعل الفضيلة، محرما ارتكاب الرذيلة، معلنا بان بني الإنسان في الحقوق سواء». ونحن اليوم في سنة 2013م. الم يكن الانحراف الوحشي في عصر تقدم فيه العلم وتوسعت فيه الثقافة الإنسانية بفضل التواصل السريع سلوك لا يغتفر، والإسلام قد قال ذلك منذ نزول معجزة القرآن الكريم من ذلك قول الله تعالى «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت آية 34). وأوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «أحبب حبيبك هو ناما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» روي عن أبي هريرة وابن عمر وابن عمرو؟ فمتى يستيقظ النومان من سباته المذلّ؟ ويقلع عن الانحرافات المهلكة؟