الخبر الذي أوردته أمس وكالة تونس إفريقيا للأنباء نقلا عن مصدر أمني ومفاده أن وحدات من الحرس الوطني ببن قردان من ولاية مدنين تصدت الليلة قبل الماضية إلى هجوم نفذته مجموعة مسلحة على الحدود التونسية الليبية وتحديدا على مستوى منطقة المقيسم الواقعة على بعد حوالي 6 كيلومتر من الحدود مع ليبيا هو ولسببين على الأقل خبر خطير ومثير... خطير،،، لأنه يؤكد حجم المخاطر التي أضحت تتهدد بالفعل الأمن القومي التونسي بفعل الانتشار الواسع لعصابات التهريب ولمجموعات الارهاب المسلح على أكثر من نقطة من حدودنا مع الجارتين ليبيا والجزائر... ومثير،،، من حيث أنه وعلى الرغم من دلالاته الأمنية والسياسية فإنه لم يجد له صدى عند الأطراف السياسية الوطنية التي لا تزال تبدو منشغلة بخلافاتها السياسية فيما بينها أكثر من انشغالها بما أضحى يتهدد أمن الوطن والمواطن ! أجل،،، ففي الوقت الذي كان يجب فيه على كل القوى الوطنية السياسية والاجتماعية أن تهتز مثلا لهذا الخبر الخطير وأن تغير من «أساليبها» وأن تترك ولو لبعض الوقت معاركها الدنكشوتية المضحكة التي تخوضها من منطلقات سياسوية وايديولوجية بائسة ومكشوفة... نجدها على العكس توغل أكثر في الانحراف بوجهة المعركة الوطنية المقدسة بما هي معركة بناء وتأسيس وتحصين استراتيجي لأمن الوطن والمواطن.. وتتحول بها الى معركة كراس و»معركة» مزايدات سياسية وعزف انتهازي على أوتار كلّ ما هو آني شعبوي... لا نريد أن نتحامل على أي طرف سياسي ولا أن نستنقص من قيمة أي جهد بذل الى حد الآن من أجل اصلاح ذات البين وطنيا والمضي قدما بعملية الانتقال الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة التونسية البديلة.. دولة العدالة والحريات والقانون والمؤسسات التي بشرت بها ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 التاريخية.. ولكن عندما يقف الملاحظ على دعوة مثل تلك التي توجه بها أمس الاثنين أحد أحزاب المعارضة ودعا فيها «كافة التونسيين والتونسيات للمشاركة بفعالية في الوقفة الاحتجاجية التي ينظمها اليوم الثلاثاء أمام المجلس الوطني التأسيسي للتنديد والاحتجاج على استئناف المجلس لأشغاله» فانه لا يملك الا أن يتعجب حتى لا نقول يذهل ! تصوّروا.. دعوة إلى تظاهرة شعبية احتجاجا على استئناف المجلس الوطني التأسيسي لأشغاله وليْس على هذه الجرائم الارهابية مثلا التي تنفذها مجموعات مسلحة مشبوهة للنيل من حرمة ترابنا الوطني وأمن الانسان التونسي سواء في الشعانبي أو على الحدود التونسية الليبية !!! إنّ التحدّي الارهابي الأمني الذي تواجهه بلادنا هذه الأيام هو التحدي الأكبر والأخطر مرحليا على الأقلّ فهو الذي يهدّد استراتيجيا وفي العمق مشروع الدولة الديمقراطية التي نطمح لاقامتها والتي من أجلها قدم أجيال من التونسيين تضحيات جسام.. وما من شكّ أن أي دعوة أو ممارسة ولو غير مقصودة من شأنها أن تشق صفوفنا كمجموعة وطنية وأن تجعلنا نغفل عن خطر الارهاب وعن مخططاته ستكون بمثابة «الطعنة» التي نوجهها وبأيدينا لمشروعنا الوطني التحرري الثاني الذي جاءت به ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011.. مطلوب من الجميع اليوم أن يعيد ترتيب أولوياته أو على الأقل أن يعدلها على وقع هذه المعارك البطولية التي تخوضها قوات الجيش والأمن والحرس الوطني ضدّ عصابات الارهاب والتهريب في الجبال الوعرة وعلى المناطق الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر لأنها معارك مصيرية وفي قلب مشروع الدولة الحلم.. دولة الحريات والرّفاه التي حلمت بها أجيال من التونسيين وجاءت ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 العظيمة لتجعل منها «ممكنا واقعيا» والعبارة لمحمد عابد الجابري بعد كانت «ممكنا ذهنيا» فقط.