لن تقلع بلادنا ولن تتحقّق الأحلام المنبثقة من الثورة الشعبية إلا إذا تحرر الفكر والساعد. لكن على ما يبدو وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات على ثورة 14 جانفي مازالت الطريق طويلة ومازال أمامنا عمل كبير وذلك كي لا نقول لقد سقطت قصور الأحلام. واستفاق التونسيون على الحقيقة, حقيقة أننا ربما قد أضعنا الفرصة الذهبية التي أتيحت لنا يوم سقطت الديكتاتورية تحت ضربات الشعب وبعد أن سالت دماء الشهداء كي نحقق قفزة نوعية في مجالات عديدة وخاصة في مجال الحريات وكذلك الجانب الإجتماعي. لا نريد أن نكون سلبيين ونرفض أن نلقي بالراية وذلك رغم الصعوبات ورغم المؤشرات الكثيرة التي توحي بأن التحديات أكبر مما كنا نتصور وان المعوقات كبيرة جدا. فالبطالة مازالت متفشية بين شبابنا ومن هم أقل شبابا وسواء من كان منهم حاملا لشهادات علمية أو شهادات في التكوين المهني. سواعد كثيرة معطلة كان من الممكن أن تكون خير سند للبلاد في هذه المرحلة الصعبة. طاقات كثيرة مهدورة كان من المفروض أن تضاعف في حجم الإنتاج وأن تدفع قوى الإنتاج في بلادنا لكن السياسات الخاطئة في التشغيل التي اعتمدتها الحكومات المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر هذا إن كانت هناك سياسة واضحة أصلا في مجال التشغيل عطّلتها وضاعفت في حجم معاناة التونسيين الذين يجابهون البطالة والذين بنوا أحلاما كبيرة على الثورة فإذا بالايام تمضي والغشاوة تنقشع والأحلام تتراجع. لا أثر لمشاريع تنموية ذات طاقة تشغيلية في مختلف جهات البلاد أما الإنتدابات في الوظيفة العمومية فإنه تحوم حولها أسئلة كثيرة وأهمها مسالة الولاءات الحزبية. على مستوى الحريات وخاصة حرية الضمير وحرية التعبير وحرية الإبداع لا يبدو أن الدولة التونسية قد حققت الشيء الكثير بعد الثورة بل على العكس فهناك مؤشرات تدل على تراجع في المجال خاصة بعد ظهور نتائج انتخابات 23 أكتوبر. فالحركات الدينية المتشددة التي استفادت من فوز حزب حركة النهضة في الإنتخابات ضربت الخناق على التونسيين واستهدف بدرجة أولى الفنانين والإعلاميين. ولم تحاول حكومة الإئتلاف الثلاثي الحاكم (حزب حركة النهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) أن تبعث برسائل طمأنة إلى التونسيين بخصوص دعم الحريات والحفاظ على هذا المكسب الذي أتت به الثورة الشعبية بل على العكس فالصراع اليوم معلن بين الحكومة وبين نسبة عالية من الإعلاميين حريصة على التمسك بمكسب الحرية الذي جاءت به الثورة وكذلك المثقفين والجامعيين والحقوقيين والمناضلين النقابيين وكل المعارضين لسياسات الحكومة الفاشلة في المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية وفي مجال الحريات بطبيعة الحال. ورغم كل ذلك ليس من حقنا أن نتشاءم. يكفي أن نتذكر كيف هبت الجماهير وكيف أن الكثير من التونسيين لم يتأخروا في منح أرواحهم ضريبة للحرية حتى نستنشق جرعة جديدة من الأوكسيجين وحتى نجدد الأمل. فالتونسيون الذين قاموا بثورة ونجحوا في طرد الديكتاتور ليسوا أقل من الشعوب الأخرى التي نجحت في تحقيق الإنتقال الديمقراطي. التونسيون لن يتراجعوا في مطالب الديمقراطية والحرية ولن يسمحوا بأن تسرق ثورتهم منهم حتى وإن كانت هناك بوادر تشير إلى ذلك. لقد ضاع منا كثير من الوقت بعد الثورة لكن المهم أننا في تونس متمسكون بالمطالب التي من أجلها قامت الثورة وعلى رأسها الكرامة والحرية والديمقراطية وشعب السواعد فيه معطلة والعقول مكبلة ليس من حقه أن يحلم لكننا في تونس اخترنا الحلم الذي نعتقد جازمين أنه سيتحقق ولو بعد حين.