هل يمكن لوم رئيس الوزراء الليبي علي زيدان على دعوته المجتمع الدولي التدخل لمساعدة بلاده على انهاء الفوضى السياسية والتحرك تحسبا لما يمكن أن يؤول اليه المشهد الليبي الراهن أمام تفاقم ظاهرة انتشار السلاح وانفلات الجماعات المسلحة التي باتت تهدد بتفكيك البلاد وتقسيمها؟ لقد بات واضحا وقبل حتى انطلاق موسم الربيع العربي ومن خلال التجربة العراقية أن قدر الشعوب العربية في التغيير الديموقراطي كان دوما يصطدم بأنظمة قمعية لا تقبل مجرد التفكير بوجود غيرها في السلطة ولا تتوانى في حرق الأخضر واليابس للتفرد بالحكم مدى الحياة بكل ما توفر لها من وسائل القمع والاستبداد، وهذا ما دفع في كثير من الأحيان الى الخيار الأسوإ والاستنجاد بالغرب كما حدث في العراق وفي ليبيا وكما يحدث مجددا في سوريا، وان كان بشكل غير مسبوق حيث أعلنت أنظمة عربية استعدادها لتمويل ودعم تدخل الغرب في سوريا على تغليب الحل الديبلوماسي. وفي كل الأحوال فإنه في غياب قوة عربية قادرة على الاخذ بزمام الأمور والتدخل للتصدي لحاكم متجبر أو حماية شعب يتعرض للتصفية فإن المشهد مرشح للتكرار، والأخطر أنه وفي ظل غياب خارطة طريق قد تساعد على تجاوز المشهد الدموي والخراب الحاصل في ليبيا فقد لا يكون من الغريب في شيء العودة للاستنجاد والاستقواء بالأجنبي مجددا ليفسح له المجال طبعا- للتحكم بقدرات البلاد وثروات العباد تحت راية "حماية "الشعب من المسلحين وبذلك يتجدد العهد مع الحماية البغيضة ولكن بغطاء انساني وبهدف نشر الديموقراطية تماما كما هو الحال في السيناريو العراقي الدموي ... لاشك أن علي زيدان الذي ظهر خلال لقائه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون في لندن وهو ينشد المساعدة من أجل جمع السلاح والذخيرة وتكوين وتدريب الجيش، يعيش وضعا لا يحسد عليه لاسيما وأن لغة الرصاص والتفجيرات والاغتيالات واستهداف الإعلاميين والنشطاء السياسيين بدأت تحصد المواطنين الليبيين وتهدد بقصف المزيد... كل ذلك فيما يهدد "اخوان" ليبيا بالانسحاب من الحكومة بسبب زيارة زيدان الى مصر و لقائه مع السيسي وهو وما يعتبرونه اعترافا بالإنقلابيين . على أن الواقع أيضا أن حجم التحديات التي يتعين على زيدان مواجهتها لا تتوقف عند الفوضى الأمنية والسياسية ولكنها تمتد أيضا الى تراجع إيرادات النفط بسبب الاحتجاجات والتي قدرت 130 مليون دولار يوميا. ليبيا اليوم على مفترق طرق نتيجة للوضع الأمني الخطير، وبعد أكثر من سنتين على سقوط نظام القذافي بعد تدخل قوى خارجية بقيادة الحلف الأطلسي، تجد نفسها في ذات الموقع بما يجعلها أمام خيارين لا ثالث لهما في ظل انعدام مؤسسات الدولة وغياب المنظومة الأمنية: فإما أن تسقط في فخ الجماعات المسلحة المتنفذة غرب البلاد، أو أن تستجدي مساعدة الغرب مجددا في مواجهة ترسانة السلاح التي تتوزع في البلاد تماما كما حدث عندما أطلق القذافي أنصاره للانتقام من الليبيين الذين تحركوا لوضع حد لنظامه المستمر منذ أربعة عقود. ولا شك أن تداعيات المشهد في ليبيا تتجاوز اليوم الحدود الليبية الى دول الجوار وفي مقدمتها تونس التي تربطها بليبيا حدود طويلة قد يكون من الصعب فرض مراقبة شاملة على امتدادها حتى مع اعلان الحدود منطقة عازلة بين البلدين، بل ولا شك أن في تحذيرات الاستخبارات الجزائرية الأخيرة من احتمالات تسرب كميات خطيرة من السلاح الى بلادنا عن طريق العصابات المسلحة والجماعات الجهادية المتفرعة عن "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" واستعدادها للقيام بعمليات إرهابية داخل حدودنا، ما لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله خاصة مع ثبوت صحة تلك التحذيرات واكتشاف المزيد من مخابئ الأسلحة الخطيرة في المساجد أو الاحياء الشعبية في عديد المدن . توجه زيدان بالأمس الى بريطانيا وغيرها من دول الغرب التي شاركت في إسقاط نظام القذافي لا يمكن أن يحجب جملة من الحقائق الأليمة أهمها أن ليبيا بموقعها الجغرافي اليوم لا يمكنها التعويل على دول الجوار. فتونس في وضعها الحالي وحربها المتشعبة في مواجهة الخلايا الإرهابية في الشعانبي في وضع ليس بالهين خاصة أمام امتداد يد الارهاب لتوجيه ضربات قاصمة وتنفيذ ثاني عملية اغتيال سياسي تستهدف أحد أبرز وجوه المعارضة في عيد الجمهورية وذلك بعد عملية اغتيال شكري بلعيد واستمرار غياب الحقيقة الكاملة في الجريمتين، والامر يكاد يتكرر مع مصر التي تعيش على وقع مواجهات يومية ضد حركات مسلحة في سيناء استنزفت ولا تزال تستنزف جهود وأرواح عديد الجنود المصريين، كل ذلك فيما يبقى التعويل على الجزائر وحدها في مواجهة خطر الإرهاب هذا أمر غير منطقي وغير ممكن رغم خبرة ومقدرة الجيش الجزائري على مدى العشرية السوداء في مكافحة الارهاب... ليبيا اليوم واقعة بين تناحر المليشيات المسلحة المتسللة من أفغانستان ومالي ومخاطر مقاتلي "بوكو حرام" النيجيرية وما يتم تسريبه من عتاد وسلاح الى المقاتلين في سوريا، وقد وجب الاستعداد للأسوإ قبل أن يأتي وقت تصبح الحماية الأجنبية -ويا خيبة المسعى- مطلبا شرعيا اذا استمر فشل القائمين على ضمان أمن العباد ومصالحهم...