غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب «وعد بلفور ملامح أولية لبرنامج عمل عن الوعد بمناسبة العقد العاشر لصدوره » للمفكّر السوري الدكتور جورج جبور
نشر في الصباح يوم 20 - 04 - 2008

هذا الكتاب القيم الذي يحمل عنوان " وعد بلفور، ملامح أولية لبرنامج عمل عن الوعد بمناسبة العقد العاشر لصدوره: (1) ، أهدانيه مؤلفه الصديق العزيز، المفكر السوري الدكتور جورج جبور الذي كان من دواعي سعادتي الكبيرة أن التقي به من جديد، بمناسبة مشاركته في أشغال المؤتمر الدولي حول " الإرهاب: الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة " الذي احتضنته بلادنا في أواسط شهر نوفمبر 2007.
وانطلاقا من أن الكتاب يتحدث عن وعد بلفور الذي شكل حجر الزاوية لقيام دولة إسرائيل، وكان بمثابة الشرارة التي أضرمت الحريق الذي ما يزال منذ إطلاقه قبل تسعين سنة، وخاصة منذ العقود الستة الأخيرة، مشتعلا في فلسطين المغتصبة خصوصا، وفي منطقة الشرق الأوسط عموما، وبما أننا على أبواب حلول الذكرى الستين لما يسميه العرب " النكبة " وما يسميه الصهاينة قيام دولتهم المصطنعة اصطناعا، فقد رأيت أن أقدمه لقراء جريدة " الصباح " خاصة وانه كتاب ييمم المستقبل، ويدعو إلى العمل من اجل تغيير الواقع الفلسطيني والعربي الأليم، ولا يقف، كما تعود العرب عند الأطلال، ولا يحفل بالماضي أو بالتاريخ إلا في حدود ما ينير الطريق إلى الأفق المراد بلوغه.
إن فكرة الكتاب الأساسية تقوم على الدعوة إلى أمرين، أولهما يتمثل في الاهتمام اهتماما خاصا بالذكرى التسعين لصدور هذا الوعد " الوغد " كما يصفه الكاتب، وهي الذكرى التي حلت في الثاني من شهر نوفمبر الماضي، أما ثانيهما، وهو الأهم، فانه يتمثل في الاهتمام بالعقد العاشر لصدوره من خلال العمل على لفت انتباه العالم إلى ما كان له من عواقب وخيمة على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب المنطقة.
وقد صدر الكتاب، وهو يقع في 139 صفحة من الحجم المتوسط، في طبعتين متتاليتين، الأولى في أواخر شهر جويلية 2007 مباشرة قبيل افتتاح فعاليات معرض دمشق للكتاب في 02/08/2007، والثانية في شهر اكتوبر2007، وقد قدم لها السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي حرص، منذ الوهلة الأولى، على التأكيد على " أن الاهتمام بالذكرى التسعين لصدور وعد بلفور ووضع برنامج عمل للاهتمام بالعقد العاشر لصدوره لا يتناقضان مع ما تبذله جامعة الدول العربية، ومعها القوى الخيرة في المجتمع الدولي، من محاولة بلوغ سلم عادل وشامل في المنطقة بمقتضى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية " (2).
ويقر الأمين العام بان الوعد " أتى مناقضا للقانون الدولي وانه مهد للسياسات الرامية لإلغاء هوية الشعب الفلسطيني مما أدى إلى عذابات هائلة، وان إسرائيل، فوق ذلك، انتهكت حتى نص الوعد نفسه، وهو في الأصل ظالم للشعب الفلسطيني، لأنها قامت بالإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين، كما اسمي الشعب الفلسطيني، وبالتالي فان من الصحيح القول بان الوعد جاء من غير صاحب حق إلى غير صاحب حق (3) ، غير أنه يعود، بعد كل ذلك، ليلاحظ " أن كل متابع لتطورات الأحداث منذ تسعين عاما يدرك أن إلغاء الوعد وما ترتب عليه ليس على جدول أعمال اليوم، وقد تفهم القادة العرب هذه الحقيقة وخلصوا في تدارسهم لتطورات قضية فلسطين إلى ضرورة تنفيذ القرارات الدولية التي تدعمها مبادرة السلام العربية، وهذا الأمر يشكل بحد ذاته تطورا في التعامل مع قضية فلسطين وربما يشكل التقاءه بشكل أو بآخر مع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947 " (4).
وبعد أن وضع النقاط على حروف هذين الجانبين، وفيما يبدو نوعا من الاستجابة لدعوة الكاتب إلى جعل " يوم 02/11/2007 يوما مشهودا عربيا وإسلاميا وعالميا، والى وضع برنامج عمل لإظهار عدم توازن الوعد بل ولإضعافه يمتد عشر سنوات من عام 2007 إلى عام 2017 أي من الذكرى التسعين لصدور الوعد إلى الذكرى المائة "، قال السيد عمرو موسى إنه سيتولى ،شخصيا، القيام ب " إطلاق نداء إلى وسائل الإعلام ومتابعة النداء للإضاءة على وعد بلفور وما ترتب عليه من ظلم بين للشعب الفلسطيني وحقوقه وللإضاءة أيضا على ما جد من تطورات بالنسبة لقضيته العادلة " (5) ، ثم أضاف أن الأمانة العامة " ستبذل قصارى جهدها في الاهتمام بمناسبة يوم 02/11/2007، وهي، لا ريب، ستصدر بيانا في ذلك اليوم، يهدف إلى تحفيز هيئات المجتمع المدني العربية لكي تكون لها وقفة موحدة تعم الأقطار العربية كلها، وتؤكد على الاستياء العربي الشامل إزاء رفض إسرائيل تنفيذ القرارات الشرعية الدولية " (6).
ومن ناحية أخرى، أكد أن اهتمام الأمانة العامة بوعد بلفور لن يقتصر على " المدة التي تفصلنا عن 02/11/2007 بل ستتابع العمل بعد ذلك التاريخ لاظهار عدم توازن الوعد ولإضعافه حتى تلك اللحظة التي ينال بها الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة " (7).
أما بخصوص دعوة الكاتب مؤسسة القمة العربية إلى الاضطلاع بدور أساسي في هذا المجال ،فان الأمين العام أكد على أن القمة هي " في كل حال، سيدة نفسها تأخذ المواقف التي تصل إليها ضمن الظروف الدولية التي تحيط بالعمل العربي المشترك " (8).
وبالعودة إلى صلب الكتاب نفسه، فإننا نلاحظ أن المؤلف ابتدأ بالحديث عن الأهداف التي توخاها من إصدار كتابه فاكد، في البداية، انه حرص على إصداره بالتزامن مع معرض دمشق للكتاب " للإفادة من المناخ الثقافي المنشط لهذا المعرض لإثارة الاهتمام بوعد بلفور المشؤوم" (9) بمناسبة حلول الذكرى التسعين لصدوره، وهذا كما يقول، هدف أدنى أو هو إن شئنا مرحلي، أما " الهدف الأقصى الموغل في العمق السياسي والفكري والديني فقد يتحقق من خلال برنامج عمل مدته عشر سنوات قرر وضعه المؤتمر القومي الإسلامي الذي عقد في الدوحة في قطر يومي 21 و 22/12/2006 "، ويعترف الكاتب بان تفاصيل ملامح الهدف الأقصى ليست واضحة لديه إلا أنه يؤمل " أن تتضمن إجابات أو محاولات إجابات عن منظومات من الأسئلة تلح لا ريب على وجدان كل من يتعمق في وعد بلفور، فلسفة وتنفيذا " (10).
أما عما كان مطلوبا بالنسبة إلى يوم 02/11/2007، فان الكاتب يوضح، فيقول إنه كان " القيام بعمل مشهود عربيا ودوليا يوضح، بكشف حساب موضوعي، عمق المآسي التي ولدها الوعد المشؤوم "، وفي رأي الكاتب، فان هذا العمل كان ينبغي أن يكتسي، بالأساس، بعدا إعلاميا على اعتبار أن وسائل الإعلام، كما يقول، هي الأقدر على ممارسة التأثير في أيامنا، ومعنى ذلك أن المطلوب كان هو إقناع وسائل الإعلام العربية ولا سيما الفضائيات، بالقيام بتغطية واسعة لذلك الوعد الذي يقول الكاتب انه " كان في أيام وعيه الشبابي في منتصف الخمسينات مدخلا للتسيس لدى أبناء جيله ويكاد يصبح لدى شبيبة اليوم نسيا منسيا " (11).
أما على المدى الطويل وبالنسبة إلى العقد العاشر لصدور الوعد، فان الكاتب يقدم جملة من المقترحات التي يمكن أن تشكل نواة لبرنامج العمل المطلوب إعداده بهذه المناسبة، وتتمثل أهم هذه المقترحات التي جاءت مبثوثة في طيات الكتاب، والتي حاولنا إعادة تبويبها حسب مضامينها لاسباب منهجية، فيما يلي:
1/ انطلاقا من اعتقاده أن المسؤولية الأولى تقع في إعداد هذا البرنامج وفي تنفيذه على الحكومات العربية وقادتها، فان الكاتب يرى انه " لابد للقمة العربية القادمة من وقفة بمناسبة الذكرى التسعين لصدور الوعد، هذا الحدث الضخم بآثاره في تاريخ الإنسانية وذلك من خلال إعلان موقف أو عبر إصدار بيان (12).
بل إن الكاتب يذهب إلى ابعد من ذلك عندما يقول انه " يحسن عقد مؤتمر قمة استثنائي للتباحث في آثار تسعين عاما من وعد بلفور وللتباحث مع هذه الآثار، في مآل خطة السلام العربية المقرة في بيروت عام 2002 والمؤكد عليها في الرياض عام 2007... " (13) ، غير انه لا يخفي أن احتمالات عقد مثل هذا المؤتمر، رغم انه مطلب مشروع، تبقى متواضعة في الظروف الراهنة.
2/ بالموازاة مع ذلك، فإن الكاتب يرى أن الهيئات غير الحكومية العربية لها دور كبير في هذا العمل، فهذه الهيئات يزداد أثرها " في تنمية الوعي العربي العام " من ناحية وفي " تحسين مستوى الأداء العربي العام " من ناحية أخرى (14) ، وقد عدد الكاتب من هذه الهيئات المؤتمر القومي الإسلامي؟ المؤتمر القومي العربي؟ مؤتمر الأحزاب العربية؟ مؤسسة القدس الدولية؟ اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني، كما عدد بعض الهيئات المهنية العربية مثل: اتحاد المحامين العرب؟ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب؟ الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب...
3/ أما هيئات حقوق الإنسان العربية حكومية أو مختلطة أو غير حكومية، فان عليها " واجبا خاصا في موضوع تأصيل المأساة الفلسطينية باعتبارها أهم قضايا حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر " (15).
ويرى الكاتب، في هذا السياق، أن هذه الهيئات مدعوة إلى التخطيط لمشاركتها في مؤتمر متابعة تنفيذ ما تم التوصل إليه خلال المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية الذي عقد في مدينة دربن بجنوب إفريقيا ( أواخر أوت؟ مطلع سبتمبر 2001 ) ، بل إنها، كما يرى، يمكن أن تنشئ لجنة خاصة للتحضير لهذا المؤتمر، على أن يكون أحد أهم أهدافها مواصلة العمل على إحياء القرار 3379 الذي قررت بموجبه الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10/11/1975 أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري والذي ألغي في 16/12/1991 كي يساعد على إنجاح مؤتمر مدريد، علما بان المنظمات غير الحكومية المشاركة في مؤتمر دربن أصدرت قرارا بضرورة العمل على إحياء ذلك القرار (16).
4/ أما الجمعية العربية للعلوم السياسية فان الكاتب يرى انه " ينبغي أن تتصدى لقيادة جهد علمي عربي ذي أصداء دولية لتسليط الضوء على فداحة الخطا التاريخي والسياسي الذي كان وليد وعد بلفور " ويمكن للجمعية، في هذا الإطار، أن تكرس في برنامج مؤتمرها المقبل الذي ينتظر أن ينعقد أواخر هذه السنة، الاهتمام بوعد بلفور، وذلك، كما يرى الكاتب، من خلال الدعوة " إلى مؤتمر عالمي عن الوعد بالمشاركة مع الجمعية الدولية للعلوم السياسية التي ترعاها اليونسكو " (17).
5/ إلى جانب ذلك، فإنه يمكن لروابط ( رابطات) الأمم المتحدة في البلدان العربية وغيرها، بحكم ما لها من قدرة على التحلل من الالتزامات الحكومية في شؤون تخص الأمم المتحدة، أن تعقد ندوة متخصصة عن وعد بلفور، وذلك كما يؤكد الكاتب، من منطلق أن قضية فلسطين تمثل " أبشع عملية إذلال تعرض لها القانون الدولي العام وتعرضت لهما الهيئتان الدوليتان اللتان أوكل إليهما العالم حفظ السلم، وهما عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة، حيث تكدست في هاتين الهيئتين، قرارات قانونية على أساس غير شرعي هو انتهاك إرادة الشعب الفلسطيني ومعه انتهاك مبادئ القانون الدولي العام والمبادئ الأساسية للتنظيم الدولي " (18). 6/ مثلما سلفت الإشارة إلى ذلك، وفي أفق سنة 2009 التي ستشهد انعقاد مؤتمر متابعة تنفيذ ما تم التوصل إليه خلال المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية الذي عقد في مدينة دربن بجنوب إفريقيا ( أواخر أوت؟ مطلع سبتمبر 2001 ) ، يؤكد الكاتب على ضرورة تضافر جميع الجهود من اجل إحياء القرار 3379، وهو يرى أن " على الجهد الإنساني، والعربي في طليعته كما ينبغي أن يكون عليه الحال، أن يعمل في هذا الاتجاه إن لم يكن على صعيد مؤتمر المتابعة الحكومي، فعلى الأقل على صعيد المنظمات غير الحكومية المناهضة للعنصرية " (19).
وهو يذهب إلى أن إحياء هذا القرار أمر ممكن إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض المستجدات ومنها خاصة صدور كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي يصف فيه سياسة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها فصل عنصري ( ابارتايد).
ومنها أيضا صدور كتاب إبراهام بورغ رئيس الكنيست الإسرائيلي الأسبق، وإجماع منظمات حقوق الإنسان في العالم، والإسرائيلية من ضمنها، على أن سياسة إسرائيل قائمة على الفصل العنصري ( الابارتيد) خاصة وان جدار الفصل يبدو لدى كثيرين كأنه إيذان بالنهاية بل إن البعض، والكاتب يوافقه على ذلك، " يطلق عليه لقب حائط المبكى الثاني " (20).
ومن المستجدات التي يفصل الكاتب فيها القول، التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو في 16/11/2002 إلى مجلة " نيو ستيتسمان " حيث قال: " إن وعد بلفور والضمانات المتناقضة التي منحت للفلسطينيين سرا في الوقت نفسه الذي أعطيت فيه للإسرائيليين تشكل مرة أخرى حدثا مهما بالنسبة إلينا لكنه ليس مشرفا كثيرا " (21) ، و يؤكد الكاتب أن هذا التصريح الذي يشكل بداية اعتراف بريطاني بالخطإ، جاء على اثر رسالة مفتوحة وجهها، هو شخصيا ،إلى توني بلير رئيس الوزراء البريطاني في 03/10/2002 يطالبه فيها بالاعتذار عن وعد بلفور، وقد اشفعتها اللجنة العربية لمناهضة العنصرية برسالة مماثلة وجهتها إلى نفس الجهة في 02/11/2002، بمناسبة الذكرى الخامسة والثمانين لصدور الوعد.
وبما أن توني بلير الذي جاء تصريح جاك سترو في عهده يضطلع، حاليا، بمهمة موفد اللجنة الرباعية لاحلال السلام في الشرق الأوسط، فان الكاتب يرى أن أول واجباته هو " الاعتذار عن السياسة البريطانية التي أدت إلى صدور وعد بلفور، والى توريط المنظمات الدولية في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني " (22).
7/ من المهم، في نظر الكاتب، العمل على إحياء فكرة إنشاء مؤسسة بحوث الاستعمار الاستيطاني المقارن في العالم التي كانت اللجنة الدائمة للتعاون العربي الإفريقي قررت في دورتها العاشرة المنعقدة بالكويت يومي 19و20 اوت1989، إنشاءها تحت اسم " مركز دراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن في العالم "، غير أن تنفيذ هذا القرار، كما يقول الكاتب، كان ضحية من ضحايا الغزو العراقي للكويت وعقابيله " (23).
8/ ضرورة التنبيه إلى خطورة ما أطلق عليه البعض تعبير وعد بلفور الجديد والعمل على مواجهة تبعاته، والمقصود بذلك الرسالة التي وجهها الرئيس جورج بوش إلى ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل في 14/04/2004 وأكد فيها، لاول مرة، أن الإدارة الأمريكية تعتبر انه " من الضروري اخذ الواقع الميداني الجديد أي المستوطنات في الضفة الغربية بعين الاعتبار لدى رسم الحدود الآمنة والمعترف بها والتي يتم التوصل إليها " (24).
وتجدر الملاحظة أن السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة داني ايالون اعتبر في تصريح أدلى به في 01/11/2006 أن رسالة بوش إلى شارون " تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور إضافة إلى انه في رسالة بوش تم ترسيم الحدود التمهيدية لإسرائيل " وقال: " كان تصريح بلفور أيضا ورقة ملزمة صدرت من الوزير البريطاني لرئيس الوكالة اليهودية حاييم وايزمان وفي حينه لم يكن هناك اعتراف دولي ومر 30 عاما حتى تنفيذ التصريح ورأى ايالون أن رسالة بوش أهم من تصريح بلفور إذ انه سيكون الأساس لأي اتفاق مستقبلي " (25).
9/ دعوة منظمة الأمم المتحدة إلى " إقامة فعالية بمناسبة بدء العقد العاشر لوعد بلفور يقدم من خلالها كشف حساب موضوعي عن ذلك الوعد؟ " وذلك على غرار التظاهرة التي أقامتها المنظمة، قبل عقد ونصف، بمناسبة الذكرى الخمسمائة لاكتشاف العالم الجديد والتي كانت فعالياتها مناسبة لتقديم كشف حساب موضوعي عن خمسمائة عام من ذلك الحدث، وقد توجه الكاتب إلى الأمين العام بهذا المقترح مباشرة في رسالة وجهها إليه بمناسبة زيارته إلى دمشق في 24/04/ 2007.
ويؤكد الكاتب أن رعاية مثل هذه الفعالية هي من " مسؤولية الأمين العام ومسؤولية غيره أيضا ولكنها ،كما يرى ،مسؤوليته قبل غيره " (26).
×××××××××
تلك هي أهم المقترحات التي أوردها الدكتور جورج جبور في كتابه، وإذا كان لي من ملاحظة على برنامج العمل الذي يقترحه، فهو خلوه من أي إشارة إلى الدور الهام الذي يمكن أن تضطلع به الجامعات العربية وبالتحديد كليات الحقوق والعلوم السياسية في هذا الصدد، ولذلك فإنني أرى أنه سيكون من المفيد دعوة هذه الجامعات إلى أن تولي قسطا من اهتمامها لوعد بلفور ولما كان له من مضاعفات على مختلف المستويات، في اختيار بعض البحوث والدراسات والاطروحات التي سيتم إنجازها خلال العشرية الفاصلة بين الذكرى التسعين والذكرى المائة لصدور الوعد.
وبالعودة إلى الأهداف المتوخاة من الجهود المطلوب بذلها، فإن الكاتب يرى أنها تتمثل في" إعادة تركيز النظر على أصل المشكلة التي تعاني منها المنطقة، وفي تحفيز شبيبتها وتحفيز العالم إلى وعي حادثة تاريخية هامة في التاريخ الإنساني كان لها اثر تأسيسي وما يزال لها هذا الأثر التأسيسي في عالم اليوم " (2).
كما إن من أهدافها الإسهام " في كشف تضليل إعلامي كبير له نتائج عملية كبرى، ومؤداه أن إسرائيل كيان مستمر وجوده في المنطقة منذ اقدم العصور "، وقد كان هذا التضليل الإعلامي " جذرا من الجذور التي على أساسها صدر وعد بلفور. لقد تم تصوير فلسطين في مخاض ولادة الوعد على أنها ارض فارغة، لا يقطنها أحد وهكذا فلن ينازع أحد اليهود حين يستوطنونها " (28).
ويدرك الكاتب " أن المطالبة بإلغاء الوعد أو الاعتذار عنه عملية معنوية لن تغير مباشرة الواقع على الأرض فإسرائيل قائمة الآن بفعل قرارات دولية وبفعل قوتها العسكرية وتتوسع بفعل تأييد الدول الكبرى لتوسعها ".. غير أنه يرى " أن عدم التغير المباشر للواقع على الأرض لا يعني انعدام التهيئة الفكرية لإيقاع تغير على الأرض. الوعد الملغى أو المعتذر عنه ينال من قيمة الوعد ومن قيمة ما تولد عنه. يتصاعد عن طريق الإلغاء و/أو الاعتذار الشعور بان على إسرائيل أن تلتزم بالانسحاب الكامل وبان عليها أن تعترف للفلسطينيين بحقوقهم. ولو كان الإلغاء و/أو الاعتذار عديم النفع لما تنافست عليه الدول والمؤسسات " (29).
هذا مع الملاحظة أن في نص الوعد " بندين يقيدان حركة الصهاينة في الحركة، فلسطينيا ودوليا، ففلسطينيا نص الوعد على انه يجب عدم الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ومن الواضح أن المشروع الصهيوني لم يلتزم إطلاقا بهذا الشرط " (30).
أما عالميا، فقد نص الوعد على " عدم الإخلال بالحقوق أو الأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى، إلا أن عددا كبيرا من القادة الصهاينة يعبرون عن إيمانهم بأنه ليس لليهود إلا وطن واحد هو إسرائيل وان على كل يهودي أن يهاجر إلى الوطن القومي الذي منحه إياه بلفور (31).
ولذلك فان هناك، كما يرى الكاتب، مسؤولية خاصة تترتب على بريطانيا مصدرة الوعد لاسيما بشأن حقوق الفلسطينيين وذلك بالرغم من أنها تخلت عن هذه المسؤولية الخاصة حين أقنعت عصبة الأمم بالموافقة على صك الانتداب ومن ضمنه وعد بلفور، غير أن ذلك لا يسقط عنها المسؤولية الأخلاقية حتى وان أسقط عنها المسؤولية القانونية.
وهو إلى كل ذلك، يعي وعيا تاما حدود ما يمكن أن يقوم به العرب، على هذا الصعيد، بسبب الظروف العربية والدولية السائدة، ولذلك فانه يختتم كتابه بنبرة فيها تشاؤم واضح حيث يقول: " إن عملية السلام تتآكل وهي تتآكل يوميا مع كل لبنة تنضاف إلى جدار الفصل.
ويبتعد الحلم بدولتين وقبله ابتعد بل وتلاشى الحلم بدولة حقوق إنسان ديموقراطية يتساوى فيها مواطنوها بغض النظر عن دين أو إثنية.
ويستمر الدفق الإعلامي الصهيوني يوميا ويشبعنا حديثا عن المحرقة ( الهولوكوست). هو حديث حق في بعضه أو معظمه أو كله إلا انه يقصد منه زيادة الضغط النفسي السياسي على الآثمين الأوروبيين لكي يتعاونوا مع إسرائيل في إيقاع المزيد من المحارق بالفلسطينيين وقد رأى الرئيس كارتر نفسه بطل اتفاقيتي كامب ديفيد أن يركز انتقاده على الإعلام الصهيوني ومجموعات الضغط الأوروبية " (32).
ومع ذلك فانه يصر على أن " في الاهتمام بالعقد العاشر لوعد بلفور محاولة بلوغ نوع من التوازن الإعلامي يساهم في إيقاف تآكل عملية السلم وفي منع انحرافها عن العدل ( القليل) الذي تتضمنه " (33).
ومن هذا المنطلق فانه يتعهد، على الصعيد الشخصي، " بان يقوم وعلى نفقته الخاصة ولمدة ثلاثة أعوام مقبلة، إن أعطى عمرا، بنشر كتاب في حجم هذا الكتاب وفي الموعد ذاته والموضوع واحد: وعد بلفور ".
ويأتي هذا الإصرار الجميل نتيجة لإيمان الدكتور جورج جبور بتلك الحكمة التي جاءت في كتابه والتي تقول " صحيح أننا قد نزرع ولا نحصد. ولكننا إن لم نزرع فلن نحصد وبالتأكيد " (34).
ولكم نحن بحاجة اليوم إلى اتخاذ هذه الحكمة شعارا لعملنا في الحاضر وفي المستقبل حتى نستطيع أن نغير ولو بعض الشيء مما بأنفسنا.
وتأسيسا على ذلك، فإنني أود، في الختام، أن أتوجه إلى الصديق العزيز الدكتور جورج جبور بتحية تقدير، كما أود أن اثني على كتابه القيم الذي أرى انه يشكل في ذات الوقت:
× دعوة صريحة إلى عدم إهمال الجزئيات بدعوى الانشغال بالكليات، فمن لا يهتم بالجزئيات لا يجديه اهتمامه بالكليات نفعا، والجملة لا تستقيم إذا لم تستقم مفرداتها.
× وهو دعوة صريحة إلى المثابرة على العمل والإصرار على بلوغ الغايات المرسومة حتى وان لم يؤت الجهد أكله على الفور، وبالسرعة المبتغاة.
× وهو ختاما، دعوة صريحة إلى الإبقاء على الذاكرة العربية حية، لان فقدان الذاكرة سيجعل العرب الذين كانوا ضحايا وعد بلفور قبل تسعين عاما، ضحايا لوعود بلفورية جديدة ستؤدي إلى تفاقم أوضاعهم وتواصل تدهورها باستمرار ودون الوقوف عند أي حد./.
(1) اعتمدنا في إعداد هذا التقديم على الطبعة الثانية من الكتاب وقد صدرت في شهر أكتوبر 2007 عن مكتبة دار طلاس بدمشق، علما بان هذه الطبعة تميزت عن الأولى الصادرة في أواخر شهر جويلية 2007، بالمقدمة التي وضعها السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية للكتاب.
(2) انظر الصفحة 9.
(3) انظر الصفحتين 9/10.
(4) انظر الصفحة 10.
(5) انظر الصفحتين 10/11.
(6) انظر الصفحة 11.
(7) انظر نفس الصفحة.
(8) انظر نفس الصفحة.
(9) انظر الصفحة 13.
(10) انظر الصفحة 14.
(11) انظر الصفحة 13.
(12) انظر الصفحة 130.
(13) انظر نفس الصفحة.
(14) انظر الصفحة 126.
(15) انظر الصفحة 128.
(16) انظر نفس الصفحة.
(17) انظر الصفحة 128/129.
(18) انظر الصفحة 129.
(19) انظر الصفحة 16.
(20) انظر نفس الصفحة.
(21) انظر الصفحة 17.
(22) انظر الصفحة 126.
(23) انظر الصفحة 28.
(24) انظر الصفحة 115.
(25) انظر الصفحة 118.
(26) انظر الصفحة 122.
(27) انظر الصفحة 123.
(28) انظر الصفحة 124.
(29) انظر الصفحة 125.
(30) انظر نفس الصفحة.
(31) انظر نفس الصفحة.
(32) انظر الصفحة 133.
(33) انظر نفس الصفحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.