مازال الأمر عدد 1086 لسنة 2011 المؤرخ في 3 أوت 2011 الذي أصدره الرئيس المؤقت السابق فؤاد المبزع والمتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي يثير جدلا كبيرا بين نواب المجلس، إذ يحدد في فصله السادس أن هذا المجلس يتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه، وهو ما يعني لدى العديد منهم وخاصة نواب المعارضة أن شرعية المجلس انتهت منذ 23 أكتوبر 2012، أما السواد الأعظم من المرابطين فيه فيعتبرون المبزع تجاوز حدوده بل يذهبون إلى أبعد من ذلك ويتهمونه بسوء النية ويقولون إنه أصدر هذا الأمر الملغوم بهدف تقزيم دور المجلس حتى يقتصر على كتابة الدستور وبالتالي حتى يسهل على الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة آن ذاك "مد عروقه في السلطة". ويكرر النواب المتمسكون بشرعية المجلس الوطني التأسيسي أن المجلس سيد نفسه وأنه السلطة الأصلية في البلاد وأن أعضاءه المنتخبين هم الذين حددوا بأنفسهم مهامه وهم الذين يضبطون مدتها وهم الذين قرروا ألا تقتصر تلك المهام على صياغة الدستور الجديد فحسب بل تتعداه ليضطلع بالمهام التشريعية والرقابية.. ويتكون المجلس من 214 نائبا ورئيس ونائبين 199 منهم يمثلون الشعب التونسي داخل البلاد و18 يمثلون التونسيين المقيمين بالخارج تم انتخابهم يوم الأحد 23 أكتوبر 2011 في تونس وأيام 20 و21 و22 أكتوبر بالنسبة للتونسيين بالخارج.. وجرى التصويت على القائمات في دورة واحدة وتم توزيع المقاعد في مستوى الدوائر الانتخابية على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا. حصيلة رديئة بعد مرور سنتين عن الانتخابات، يقول النائب المنسحب رابح الخرايفي (الجمهوري) إن المجلس الوطني التأسيسي لم يحقق أي مكسب للتونسيين ولم يستجب لأهداف الثورة. وبين أن دوره كان سيكون هاما في التاريخ السياسي للبلاد التونسية لو التزم بسن دستور خلال السنة الأولى، لكنه للأسف الشديد انحرف عن مساره التأسيسي وأصبح يقوم بدور البرلمان. وذكّر الخرايفي أن نواب المعارضة تصدوا عند مناقشة التنظيم المؤقت للسلط لمن كانوا يرغبون في تمكينه من الصلاحيات التشريعية والرقابية لكن عددهم لم يكن كافيا للتأثير وتغيير قرار الأغلبية. وكانت الحصيلة كارثية على البلاد وحصل شلل تام وعمت الفوضى وفي المقابل كانت مؤسسة التأسيسي ضعيفة الأداء وهو نفس الوصف ينسحب على الحكومة.. فإضافة إلى التأزم السياسي والتراجع الاقتصادي وتردي الوضع الاجتماعي اتسمت المرحلة بالاغتيالات السياسية والاعتداءات المتكررة على الإعلاميين والمثقفين.. وأثبتت الحكومة أنها حكومة أفراد وليست حكومة شعب. وعن رأيه في مسألة شرعية المجلس، قال النائب رابح الخرايفي: "نحن تمسكنا بالانسحاب من أجل الضغط على الأغلبية بهدف توضيح الرؤية وتحديد مهمة التأسيسي لأننا نرى شرعيته انتهت منذ السنة الأولى ونرى أنه مطالب بتحديد مهامه على أساس أرضية الحوار الوطني ونعتبر خارطة الطريق مهمة جدا لإخراج البلاد من عنق الزجاجة وعلى المجلس تنفيذها بحذافيرها". وعن سؤال يتعلق بالإنجازات التي تحسب على المجلس قال لا شيء غير الاغتيالات والفوضى وضعف الدولة وترهل مؤسساتها. خروج عن المسار وفي نفس السياق يرى النائب فتحي اللطيف (حزب العمال) أن المجلس الوطني التأسيسي انتخب لسن دستور جديد للبلاد لكنه حاد عن مساره منذ المصادقة على التنظيم المؤقت للسلط وأوكل لنفسه المهام التشريعية والرقابية وأثقل كاهله بها. وأضاف أن المجلس لم تكن له في العموم ايجابيات لأنه تعامل بمنطق الأغلبية ولم يكن صوت المعارضة مسموعا.. فعلى سبيل الذكر نبهت المعارضة خلال مناقشة مشروعي ميزانيتي الدولة لسنتي 2012 و2013 لبعض الثغرات لكن صوتها لم يؤخذ بعين الاعتبار وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد والتنمية. وتعليقا على العاضين على"الشرعية" بالنواجذ بين أن الشرعية للشعب فهو الذي أعطاها لممثليه وهو الذي يسحبها ويوجد اليوم جزء كبير من هذا الشعب يقول إن شرعية التأسيسي انتهت كما يتوافق أحزاب المعارضة على أن المجلس كان مطالب بسن دستور في سنة ولكن هذا لم يحصل لا خلال السنة الأولى ولا السنة الثانية وهو ما يعني أن الشرعية انتهت. الحوار وبين النائب المنسحب عبد القادر بن خميس (المسار) أنه يعتبر الشرعية انتهت منذ 23 أكتوبر الماضي لكنه لا يرغب في مزيد من تعكير الاجواء السياسية وذكر أن نواب المسار يرغبون في الخروج من المأزق والبحث عن التوافق المطلوب من أجل تحقيق هذا الهدف لأن تونس لم تعد تحتمل المزيد من الأزمات وهو ما يتطلب الابتعاد قدر الامكان من جميع الأطراف السياسية عن التصعيد. وعن تقييمه لدور المجلس بين النائب أنه يعتبر اللجان التشريعية كانت مضيعة للوقت وبددت جهود النواب ومططت عمر المجلس بما مكن حركة النهضة من التغلغل في مفاصل الدولة عن طريق تعيين الموالين لها.. أما النقاط الايجابية فتمثلت في قدرة نواب المعارضة بعد استماتة في تغيير بعض المضامين الكارثية في مشروع الدستور خاصة ما يتعلق بطبيعة الدولة إذ كانت النهضة تريده دستورا لدولة دينية وليست مدنية.. مسألة مفتعلة وفي المقابل يرى النائب مبروك الحريزي (الوفاء للثورة) أن الشرعية هي مسألة مفتعلة زرع بذورها الرئيس السابق فؤاد المبزع بإصداره الأمر المتعلق بدعوة الناخبين المخالف لمقتضيات المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 المتعلق بانتخاب المجلس. وبالإضافة إلى ما اقترفه المبزع اتهم النائب بعض القانونيين الفاقدين على حد تعبيره للمصداقية بمغالطة الرأي العام وخص بالذكر الأستاذ عياض بن عاشور، وبين أن هذا الأخير تحدث للإعلام عن نهاية شرعية المجلس بعد سنة، وفي المقابل ذهب في مدونته الخاصة إلى أن المجلس وحده هو الذي يحدد آجال عمله، ثم طالب مؤخرا بوضع المجلس تحت وصاية الخبراء رغم ما يحتويه من كفاءات مقتدرة ورغم أنه أعاد الاعتبار للشعب التونسي لأنه مكنه من التعبير عن مشاغله الحقيقة. وبين أن المجلس تمكن من صياغة دستور ومن المصادقة على قوانين مهمة وبخاصة القانون المحدث للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون المحدث لهيئة الوقاية من التعذيب والقانون المحدث لهيئة القضاء لكن الاشكال المطروح هو اتحاد جزء من المعارضة وجزء من الحكم وتحديدا الدكتور مصطفى بن جعفر من أجل تعطيل نسق الاصلاح. وذكر الحريزي أن المرحلة صعبة وأن المجلس أضاع الكثير من أهداف الثورة لكن إمكانيات الاصلاح قائمة. وردا على القائلين أن شرعية المجلس انتهت منذ السنة الماضية يقول النائب عبد العزيز شعبان (النهضة) إن كل التجارب الدستورية في العام لم تتمكن من سن دستور جديد في أقل من ثلاث سنوات لأن عملية كتابة دستور هي عمل فكري وذهني يتطلب الكثير من الجهد والوقت والتركيز والحوار بين النواب أنفسهم ومع المجتمع المدني والخبراء. وخلص إلى أن المدة التي قضاها المجلس لكتابة مشروع الدستور معقولة ومبررة. وأضاف أنه في جميع التجارب الدستورية وفقه القانون الدستوري والمبادئ الدستورية نجد السلطة التأسيسية المنتخبة سيدة نفسها ولها صلاحيات مطلقة بمعنى أن لها مطلق الحرية في تسيير عملها واختياراتها شريطة احترام آلية التصويت.. وذكر ان المجلس التأسيسي الاول قيد نفسه في مرحلة أولى بوضع دستور لمملكة تونسية لكنه تجاوز هذا التقييد على اعتبار أن المجلس سيد نفسه كما تجاوز المدة المحددة لعمله وهو ما يتعني أن أي تقييد لسلطة سيدة نفسها وما يكون تابعا عنها هو باطل.. وانتقد النائب أمر فؤاد المبزع وبين أنه كان محل انتقاد أغلب الخبراء في القانون. وأكد أنه من الناحية العملية لم يقصد المجلس الحالي اطالة أمده عمدا ولا يريد النواب البقاء فيه رغبة في المنح أو المنصب ولكن كان ذلك لان العمل التشريعي ومناقشة ميزانية الدولة ومراقبة الحكومة استغرقت وقتا طويلا إضافة إلى التجاذب السياسي والايديولوجي والصراع ولولاها لاستطاع المجلس المصادقة على الدستور منذ فترة. ولمح النائب إلى أن انسحاب نواب المعارضة أدى بدوره إلى تأخير المصادقة على الدستور وقال إنه كان بالإمكان المصادقة عليه خلال شهر. وفي حديثه عن ايجابيات التأسيسي ثمن النائب سير عمله وبين أن الخلافات لم تنته إلى تبادل العنف الجسدي ورمي الكراسي وبين أنه في بلدان أخرى تم استعمال السلاح الناري في المجلس. أما السلبيات فيلخصها في تعمد بعض النواب الكذب لتشويه خصومهم إضافة إلى قرار الانسحاب إثر اغتيال النائب الشهيد محمد البراهمي وما صحبها من القاء التهم جزافا على طرف سياسي ممثل في المجلس. أما النائب محمد منذر بن رحال (التكتل) فيقول إن ما يعاب على المجلس هو تحوله إلى برلمان يسن التشريعات ويراقب الحكومة إضافة إلى كتابة الدستور، وعن تحديد مهامه بسنة بين أنه يشتم سوء النية من هذا الأمر كما لو أن هناك سيناريو كان يحبك خلف الأستار بهدف تحديد عمل من انتخبهم الشعب في كتابة دستور خلال سنة واحدة وانصرافهم وترك المجال للحكومة لكي تتصرف في البلاد. لكن المجلس تجاوز هذا الامر من خلال التنظيم المؤقت للسلط وحدد مهامه وصلاحياته وقرر نوابه الانطلاق في كتابة الدستور من ورقة بيضاء وليس من مسودة يعدها الخبراء كما أريد لهم. وبين أن ما يجري الأن في البلاد هو تقريبا نفس السيناريو فالباجي قائد السبسي يريد القيام بانقلاب أبيض وهناك من يريد الوصول إلى الحكم دون انتخابات. وذكر أن سلبيات المجلس تتمثل في اضاعة الوقت في نقاشات جانبية وحمل حركة النهضة مسؤولية اضاعة وقت طويل في مناقشة مسألة الهوية وكأن مشكلة التونسيين الأساسية هي الهوية. كما لام من عطلوا عملية انتخاب أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومن انسحبوا من المجلس. وبين أن أخطر ما يحدق بالبلاد هو الاستقطاب الثنائي وقال إن من يدعون إلى ذلك هم أعداء الديمقراطية.