لا يختلف اثنان في ان مسار الحكومة المقبلة ومهمتها لن يكون سهلا.. ولن يكون القيام بواجبها مجرد نزهة ولن تسير في طريق معبدة مفروشة ورودا وازهارا.. وسيكون الهاجس الأمني من ابرز التحديات التي ستواجه ليس فقط الحكومة ومؤسّساتها.. لكن ايضا كافة اطياف المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية والعسكرية.. إنها مواجهة حقيقية وحرب ضد الارهاب. لا يمكن التسليم اذا ان من يقبل برئاسة الحكومة الآن او ان يكون في عضويتها لا يعلم ما ينتظره. فكأنه يقبل الوقوف مرغما على صفيح ساخن دون أن يتألم بل عليه الصمود قدما حتى يبرد الصفيح.. بمعنى آخر كل أعضاء الحكومة المقبلة ورئيسها والداعمون لها حتما يعلمون بحجم التحديات والصعوبات التي تنتظرهم. من الواضح ان الفترة المقبلة ستكون دون شك اصعب ربما من الفترة التي نعيشها الآن.. فالجماعات الارهابية لن ترمي المنديل ولن ترفع الراية البيضاء..وعملية أمس تعطي دليلا واضحا على ان الارهابيين ماضون في تنفيذ مخططاتهم وليس بالصدفة ان عملية امس الفاشلة كانت مدروسة ومقصودة وهو ما يؤكد عليه خبراء امنيين وجامعيون متخصصون في الجماعات المتطرفة والتكفيرية الجهادية.. فالحكومة المستقلة وعلى راسها رئيس الحكومة المتوافق عليه سيكون عليه تنفيذ مهام شبه مستحيلة فقط العمل على انعاش الاقتصاد الوطني او البحث في سبل الاستقرار السياسي، تمهيدا لإنجاح الانتخابات المقبلة.. لكن ايضا محاربة الارهاب من خلال وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تستهدف كيان الدولة التونسية وامن شعبها.. وتهدد مستقبل اجيالها وتقوض كل ما تم بناؤه منذ الاستقلال.. ما حدث بالأمس ربما كان متوقعا لخبراء الارهاب والعارفين بتفاصيل تحركات الارهابيين ومن يدعمهم وتكتيكاتهم.. لكن تبعاته وتداعياته خطيرة للغاية وليس اقل من ذلك ان عملية امس تمثل ضربة قاصمة للقطاع السياحي المريض اصلا.. عموما نحن في اوج معركة مع الارهاب وعملية أمس رسالة أخرى من عدة رسائل موجهة للنخب السياسية حكومة ومعارضة، ولكافة مكونات المجتمع المدني التونسي.. وهو ما يحتم، ليس فقط الوعي بخطر الارهاب الجاثم الذي يزداد توغلا وعنفا وتنويعا في اشكال هجوماته، لكن ايضا التحرك العاجل لتطويقه ودحره والبدء في عملية تعبئة شعبية شاملة للقول "لا للارهاب".. قبل ان يستفحل ويعرف طريقا لترهيب الناس وتقويض ما تبقى من اسس الاقتصاد المنكوب، وتحقيق أهدافه القذرة.. فالارهاب يتغذى ويعيش ويترعرع في بيئات مجتمعية صغيرة حاضنة، يستغل فقر الناس وجهل البعض منهم بطرق مختلفة، مسلك تمويله معروفة للجميع..فإذا لفظته تلك البيئة ورفضته فلن يكون له داعم او حام او متستر او وقود لتنفيذ هجماته. يجب على النخبة السياسية وخاصة المشاركين في الحوار الوطني العمل على انجاح الحوار اولا من خلال التوافق على الشخصية الوطنية التي ستقود الحكومة المقبلة، والتكاتف من أجل انجاح مهامها عبر تشكيل حزام سياسي من قبل جميع الحساسيات السياسية يكون سندا لها وداعما لجهودها في ارساء الأمن وضرب الارهاب.. من المفيد ربما النظر الى نصف الكأس المملوءة من لما يحدث،.. فاليقظة الأمنية لحد الآن موجودة، والرقابة الأمنية والعسكرية على تحركات الارهابيين خانقة وهي في الطريق الصحيحة.. هناك ايضا تلاحم نسبي بيّن وايجابي وتعاون متبادل بين الأمنيين والأهالي المدنيين ساهم في الكشف عن عدد من المجرمين وابطال تنفيذ عمليات ارهابية وشيكة او تفكيك اوكار ارهابية يعكس وجود وعي جماعي بخطورة الارهاب وضرورة مؤازرة الأمنيين في سعيهم لمحاربة الارهاب وكشف الخلايا النائمة والقبض على المتورطين في العمليات الارهابية او من يدعمهم ويجاهر بمساندهم..