تونس- الصباح الاسبوعي في الوقت الذي سجلت فيه بلادنا ارتفاع نسق الجريمة في السنتين الماضيتين بشكل غير مسبوق بلغت جرائم الذبح من الوريد الى الوريد تصاعدا قياسيا طرح معه عديد التساؤلات ونقاط تعجب بحجم الجبال ولا يكاد يهتزّ الرأي العام لتفاصيل جريمة شنيعة حتى يصدم بمأساة جديدة لم يتعوّد المجتمع التونسي على فضاعتها ليس فقط لأسبابها التافهة أحيانا وانما لإقدام الزوج على نحر زوجته والأب على ذبح ابنه والشقيق على تخريب جسد شقيقه في مشاهد مقززة وسيناريوهات يصعب تصديقها واذا كانت جريمة الذبح قبل 14 جانفي حدثا غريبا وعجيبا يهزّ كل الأوساط وتظل حديث القاصي والداني لأسابيع وأشهر فانها باتت اليوم مأساة عادية لم تعد تثير ما عهدناه من تأثر وغضب واستياء واستغراب خاصة مع مشاهد القتل والذبح اليومية التي تنقلها الفضائيات بما يطرح في حد ذاته نقاط استفهام كثيرة وتؤكد لغة الأرقام ان هذه النوعية من الجرائم في ازدياد مطرد بمختلف جهات الجمهورية من مناطق ريفية وحضرية وهي لا تقتصر على فئة معينة بقدر ما أثبتت الوقائع تورط أشخاص أصحاب مراكز اجتماعية مرموقة .ولعل أبرز ملاحظة ان مثل هذه المأساة تسجل تصاعدا مع كل عفو رئاسي جديد ما دفع الخبراء الى إطلاق صيحة فزع لوضع حد لهذه الظاهرة التي تفشت في مجتمعنا واختلفت الآراء حيال أسبابها وطرق مواجهتها حتى لا يكون لها تداعيات سلبية لخلق جيل متهوريعاني من الخلل النفسي رغبة في الانتقام ولئن أكد المختص في الطب النفسي وحيد قوبعة ان جرائم الذبح البشعة والفضيعة تعكس تحوّلا خطيرا في سلوك التونسي ورغبة شديدة في الانتقام فانه شدد على ان موجات العفو غير المدروسة واستسهال العقاب من الأسباب الرئيسية للجرائم التي أصبحت تهز الرأي العام بشكل متواتر وحمّل قوبعة الإعلام جانبا من مسؤولية تفشي هذه النوعية من الجرائم في المجتمع دون التفكير في تداعياتها الخطيرة باعتبار تنافس القنوات التلفزية على نقل مشاهد القتل والذبح المقزّزة التي يكون لها تأثيرا سلبيا خاصة على الأطفال والمراهقين الذين يدخلون في دائرة الانفعالات السيئة والاضطرابات النفسية ذلك ان بعض المواطنين مازالوا يواصلون العلاج في عيادات نفسية بعد صدمتهم من جراء مشاهد ذبح جنودنا بالشعانبي ومن جانبه حذّر المختص في علم النفس عماد الرقيق من الانعكاسات السلبية لارتفاع نسق العنف والإجرام بشكل مذهل بما ينذر بخلق جيل عنيف يعاني من الخلل النفسي غير قابل للسيطرة ولا يمتثل بسهولة لسلطة القانون .ودعا الأطراف السياسية الى الخروج من دائرة الصراعات والتطاحن الذي ساهم في ارتفاع نسق الجريمة للخطابات الاقصائية لما سببته من عدوانية وفتن وتفكك داخل المجتمع رسائل خاطئة واعتبر طارق بالحاج محمد المختص في علم الاجتماع ان كل ثورة لا تسبقها ثورة أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرّر الاجتماعي الى فرصة لظهور وتحرر الغرائز في أبشع جوانبها سوء ووحشية .ومثلما رأينا من وجهة نظره صورة التونسي بكل عنفوانه ومدنيته وتحضره ها اننا نرى اليوم صورة جزء من التونسيين يعطون أسوأ صورة يمكن أن يكون عليها التونسي. فالجرائم الفضيعة والبشعة التي كانت تهز الرأي العام لأسابيع وأشهر أصبحت تتواتر اليوم بشكل يكاد يكون يوميا وهذا هو البعد الثقافي والنفسي للمسألة على حد تعبيره وشدد محدثنا على أنه ثمة معطى آخر مؤسّساتي فحين تضعف أدوات الضبط الاجتماعي من مؤسّسة أمنية وقضائية تصل رسائل خاطئة الى أصحاب السوابق والمنحرفين بأنهم بمنأى عن العقاب والتتبع الجزائي والعدلي وهو مجرد إحساس، متابعا «الغريب في الأمر ان حجم هذه الجرائم ونوعها في ازدياد مطرد فاق حتى ما شهدته فترات الفراغ السياسي والانفلاتات بعد 14 جانفي مباشرة « استثمار سياسي وفي تفسيره لأسباب تزايد هذه النوعية من الجرائم الى حد انها كادت تتحول الى ظاهرة أكد بالحاج محمد أنها تتمثل في عديد العوامل أولا : ثمة استثمار سياسي في الصمت على هذه الجرائم لكي لا يصل المجتمع التونسي الى مرحلة عادية من الاستقرارحتى يكون اهتمام الرأي العام منصبا على المسألة الأمنية وليس الاهتمام بالشأن العام والسياسي ويعني ذلك توجيه الرأي العام من الاهتمام بالمسائل السياسية الى الاهتمام بالمسائل الأمنية ثانيا: المناخ الاجتماعي العام الذي يتسم بالاستقطاب والتحريض والعدوانية يمثل بيئة حاضنة ومشجعة لنمو مناخ العنف في الأوساط الاجتماعية .فاذا كان هذا حال نخبنا من سياسيين ومثقفين وأيمة مساجد ومسؤولين ومربين فكيف سيكون حال المنحرفين وأصحاب السوابق ثالثا: ان موجات العفو الرئاسي بمناسبة وبدون مناسبة أخرجت أكبر أصحاب السوابق حيث انه بعد كل عفو تحصل جرائم شنيعة، ذبح وتنكيل مثلما حصل بالسرس من ولاية الكاف أيام العيد وما حدث سابقا في سوسة لما أقدم أحدهم على ذبح أصهاره وحول العوامل التي ساهمت في ازدياد جرائم الذبح بشكل غير مسبوق قال بالحاج محمد انه عندما يتوافق سجل سوابق حافل بالجرائم مع عفو غير مستحق مع ضعف تأهيل المساجين مع تحول مشاهد القتل والذبح الى مشاهد يومية فان كل هذه الأسباب مجتمعة لا يمكن ان تعطينا الا مشاهد فضيعة بشتى أنواع الجرائم وأضاف محدثنا « لما نرى الذبح وقطع الرؤوس يترافق مع التكبيروكأنه انجاز عظيم يصبح المواطن البسيط يعتبرها مسألة عادية فما بالك بالانسان المنحرف « تنقية المناخ الاجتماعي دعا كل المختصين النفسانيين والاجتماعيين الى ضرورة إعادة النظر لدور المؤسسة السجنية والتركيز على التأهيل وليس مجرد الاعتقال والاحتجاز لأن المدرسة السجنية أصبحت مدرسة لتعليم الاجرام حيث يدخل المجرم السجن بسبب جنحة ويعود بعد خروجه وفي سجله جريمة شنيعة .كما دعوا الى إعادة النظر في مسألة العفو بحيث تكون بعيدة عن الاعتبارات السياسية والشعبوية وتكون للأجدر والأكثر تأهيلا للاندماج مجددا في المجتمع .ولا يجب ان نتغافل على مسألة في غاية الأهمية وهي ضرورة تنقية المناخ الاجتماعي وخاصة لدى النخب التي أصبحت بانقسامها وتشنجها تساهم في تذكية مناخ العدوانية داخل المجتمع في حين ان دورها هو التأطير وليس التحريض على حد تعبيره الشيخ حسين العبيدي عقاب مرتكب «الذبح» أعظم من عذاب جهنم وللبحث في جرائم الذبح وما يترتب عليها من عقاب تحدثنا مع الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة الذي قال ان قتل النفس محرم بدليل النص القرآني لقوله تعالى «من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا « وقوله تعالى «من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ولعنه الله وغضب عليه وأعد له عذابا عظيما وقوله عز وجل «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق» وشدد العبيدي على انه من خلال الآيات الكريمة نقف على لعنة قاتل النفس البشرية وطرده من رحمة الله فما بالك بمن ذبح وتفنن في جريمته حيث لا يمكن تصور عذابه وهو أعظم من عذاب جهنم العظيم على حد وصفه وتابع العبيدي قائلا «قال صلى الله عليه وسلم «قاتل نفسه في النار» فما بالك من قتل نفسا بشرية» حيث يأتي المقتول يشخب دمه متشبثا بالقاتل قائلا «يا ربي هذا الذي قتلني»..ومثل هذه الجرائم الشنيعة تعود أسبابها الى ان العقيدة فقدت من قلوب أغلب الناس وأقول لهؤلاء قبل كل شيء انك نفس مثل النفس التي تريد ايذاءها وتصور مثلا ان شخصا يريد قتلك فاتق الله وتذكر دائما ان النفس التي تريد قتلها لها عليك حق »