القى اليوم رئيس الحكومة الحبيب الصيد كلمة بمناسبة انطلاق الحوار الوطني حول قطاع الفلاحة والصيد البحري وجاء في الكلمة التي نشرتها الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة ما يلي: "يسعدني أن أفتتحَ على بركة الله أشغال الحوار الوطني حول قطاع الفلاحة والصيد البحري وذلك تأكيدا لتعلقنا بمبدأ التشاور والحوار والوفاق حول التوجهات التنموية الوطنية الكبرى. كما يأتي تنظيمُ هذا الحوار تكريسا للمكانة المتميزة التي تحتلّها الفلاحة البرية والبحرية في الخيارات الوطنية ولدورها الأساسي في ضمان الأمن الغذائي المستديم الذي يعد قضية جوهرية يتوجب أن ترتكز عليها السياسة الفلاحية الوطنية. وأَودُّ أَنْ أَتوجه بهذه المناسبة بالتحية والتقدير إلى جميع الفلاحين والبحارة وإلى منظماتهم المهنية وفي مقدمتها الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مقدرا دورها المحوري في تأطير الفلاحين والبحارة والدفاع عن مصالحهم وحثهم على إعتماد الطرق العصرية لتنمية الإنتاج وتطوير الإنتاجية وتحقيق النقلة النوعية المطلوبة في القطاع بما يتناسب مع مكانته الإستراتيجية . حضرات السيدات والسادة، يُواجه القطاع الفلاحي عديد الإشكاليات وخاصة المتعلقة منها بالتقلبات المناخية وتواتر فترات الجفاف وندرة الموارد الطبيعيّة وهشاشتها. وإِضَافَةً إلى تَدَخُّلِ الدولة في مَجَالِ الحِفَاظِ على الموارد الطبيعية وحِمَايَتِها مِنْ مَخَاطِرِ التدهور والتَصَحُّرْ، فقد حَتَّمَ هذا الوَضْعُ على المُنتِجِينَ مُجَابَهَةَ جُمْلَةٍ من التحديات تتمثل أساسا في رفع الإنتاجيّة وتنويع الإنتاج وضمان استقراره وتحسين الجَوْدَهْ وتثمين المنتوج عبر تطوير النمط البيولوجي والتحكّم في كُلْفَةِ الإنتاج والمحافظة على المَوَارِد الطبيعيّة وإِحْكَامِ استغلالها. وتُبْرِزُ المعطيات المُتَوفرة أن الاشكاليات الهيكلية والاضطرابات في مستوى أسواق المدخلات ومستلزمات الإنتاج وأسواق المنتجات الفلاحيّة وافتقاد سياسات وإصلاحات كبرى وإجراءات ناجعة لمعالجتها حالت دون الارتقاء بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية لِجُلِّ منظومات الإنتاج عامة وللمستغلات الفلاحية ووحدات الصيد البحري بالخصوص إلى المستويات التي بلغتها بعض الدول المنافسة لنا. ويكتسي النهوض بقطاع الفلاحة والصيد البحرى أهمية بالغة بالنظر للمكانة التي يحتلّها في الاقتصاد الوطني وللأدوار المتعددة التي يقوم بها على المستوى الاجتماعي والتنموي والبيئي خاصة أن إمكانات تطوير أدائه ومجالات تحسين نتائجه و دعم مساهمته فى النمو الاقتصادى والأمن الغذائي والنهوض بالصادرات وتقليص عجز الميزان التجاري وخلق مواطن الشغل والحد من ظاهرة النزوح وتثمين الموارد الطبيعية المتاحة لا تزال واسعة وكبيرة. وعلى هذا الأساس نؤكد ضرورة مزيد تفعيل دور القطاع ليمثل احد أهم روافد التنمية وليتبوأ مكانة مرموقة في الاقتصاد الوطنى وفي سياسة الدولة وتوجهاتها بما يتماشى مع مقتضيات تحقيق النماء والعدالة الاجتماعية وضمان الاندماج الايجابي في الاقتصاد المعولم. حضرات السيدات والسادة، إن تجاوز الإشكاليات التي يمرّ بها قطاع الفلاحة والصيد البحري وكسب الرهانات والتحديات المستقبلية يستوجب مراجعة جذرية لمنهجية إعداد السياسة الفلاحية فى إطار نظرة استشرافية تمكن من استنباط بدائل وخيارات جديدة ناجعة وآليات دقيقة لتجسيمها ومتابعتها وتقييمها. كما يتطلب اعتماد سياسة فلاحية متناسقة في أبعادها وأهدافها وآلياتها ومتناغمة مع سياسات القطاعات الأخرى وسياسات التنمية الجهوية ومتأقلمة مع المناخ الدولي والالتزامات على المستوى الخارجي وتأخذ في الاعتبار الإمكانات الطبيعية والبشرية والمالية المتوفرة. وأَودُّ التأكيد في هذا السياق على جملة من المبادئ الأساسية الجديرة بالاهتمام والمتابعة في أشغال هذا الحوار الوطنى : - أوَّلا: ارتباط استدامة الفلاحة والصيد البحري بتوفر الموارد الطبيعية والموارد البشرية وإحكام توظيفها في إطار سياسة تنموية واضحة وشاملة وبمدى قدرة المستغلات الفلاحية ووحدات الصيد البحري على الاستثمار والنماء. - ثانيا: اعتبار الجهات والفلاحين والبحارة والهياكل والمنظمات المهنية والمجتمع المدني شركاء أساسيين وفاعلين في بلورة الإستراتيجيّات والسياسات التنموية للقطاع. - ثالثا: متانة العلاقة بين التنمية الفلاحية والتنمية الجهوية والريفية وتنمية الصناعات الغذائية والتكامل بينها وضرورة إحكام التنسيق مع الهياكل المعنية بهذه المجالات. - رابعا: تنظيم القطاعات المنتجة في شاكلة منظومات إنتاج تمثل المستغلات الفلاحية ووحدات الصيد ركيزتها الأساسية واعتبار ترابطها الوثيق مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي الوطني والدولي. - خامسا : شمولية الإستراتيجيّة التنموية وتغطيتها لكل الجوانب التشريعية والفنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية . حضرات السيدات والسادة، تتطلبُ تنمية القطاع الفلاحة والصيد البحري عملاً متواصلاً وجهداً كبيرا لمجابهة التغيرات الجذرية والعميقة التي أفرزت تحرير الاقتصاد العالمي وأحدثت حركيّة هامة في السوق العالميّة للمنتجات الفلاحية في مستوى الإنتاج والاستهلاك والمبادلات التجاريّة والسياسات التجارية الدولية. وفى هذا الإطار وجب العمل على ايلاء دراسة السوق الداخلية والسوق العالمية للمنتجات الفلاحية والغذائية الأهمية البالغة والعناية الفائقة حتى نحصل على معلومات دقيقة و ذات مصداقية عالية حول متطلبات الأسواق وخصوصياتها وآفاقها بمَا يُسَاعِدُ على مجابهة المنافسة ويُمكِّنُ من استغلال كل الفرص التي توفرها اتفاقات الشراكة. كمَا أنَّ المحاور الاستراتيجية التي يجب العمل عليها ووضع الآليات والإمكانيات المالية والبشرية الضرورية لتحقيقها وتفعيلها على أرض الواقع تتمثل بالخصوص في وضع استراتيجيات تمكِّنُ من: - إحكام استغلال الموارد المائية والغابات والاراضى الفلاحية وتثمينها وضمان استدامتها واعتماد صيغ جديدة لاستغلال الأراضي الدولية ولأراضي التي تشهد مشاكل عقارية وتشتت الملكية. - تطوير إنتاج البذور والمشاتل ومنظومة المراقبة الصحيّة للإنتاج الفلاحي ودعم قدرتها على استشراف المخاطر ومجابهتها. - إدخال نجاعة أكبر على آليات الإستثمار والتمويل والدعم وتنظيم المزارعين والبحارة لتعزيز نتائج القطاع والنهوض بالمشاريع المجدّدة ذات القيمة العالية وتحفيز الشبان على بعث مشاريع فلاحية. - تحسين الإنتاجية والمردوديّة والقدرة التنافسيّة لمنظومات الإنتاج وتطوير قدرتها على تغطيّة حاجيات الإستهلاك والنهوض بالصادرات. - تطوير أداء منظومة البحث العلمى والتكوين والإرشاد الفلاحي وإكسابها القدرة على الاستجابة لمتطلبات تجديد قطاع الفلاحة والصيد البحري. - بلورة رؤية جديدة لتطوير حوكمة قطاع الفلاحة والصيد البحري وتأسيس شراكة فاعلة بين الإدارة والناشطين في القطاع تُفعّل دور الهياكل والمنظمات المهنية والمجتمع المدنى في تنميته. حضرات السيدات والسادة، يكتسي الحوار الوطني حول قطاع الفلاحة والصيد البحري أهمية بالغة باعتباره يؤسس لمستقبل فلاحتنا لتحقيق النقلة النوعية المرجوة وتدعيم مكانتها في التنمية الشاملة . واعتبارا للكفاءات العالية المشاركة في هذا الحوار فإني على يقين بأن أعمالكم ستساهم في بلورة مقاربات عملية لرسم معالم المستقبل الأفضل الذي ننشده لفلاحتنا. في الختام أُجدّد شكري لكم جميعا على حضوركم المكثف ومساهمتكم في أشغال هذا الحوار الذي أتمنى له كامل النجاح والتوفيق