باريس – من مبعوث دار الصباح حافظ الغريبي كانت الزيارة الأولى التي أداها رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى باريس أقرب منها إلى مهمة خاصة من كونها زيارة رسمية متعددة الجوانب على غرار الزيارات التي يكون فيها للجوانب الأمنية والثقافية والتربوية حضور رسمي.. فالملف الاقتصادي كان طبقا رئيسا للمحادثات، إذ جاء الشاهد لفرنسا بوصفها الراعي الرسمي للمنتدى الاقتصادي تونس 2020 - إلى جانب دولة قطر- لاستحثاث الشريك التقليدي ودفعه كي يبذل جهدا أوفر لإنجاح المنتدى سيّما وان عامل الوقت لعب منذ الوهلة الأولى ضد الشاهد الذي وجد نفسه يصارع على أكثر من واجهة في حين كان من المفروض التركيز على ملف المنتدى الذي لم يكن يسير بالنسق المفترض بعد أن توقف نشاط الحكومة السابقة منذ رمضان جراء فتح باب التفاوض لتعويضها. فريق المهمة الخاصة فعلى رأس فريق مكوّن من وزير الاستثمار والتعاون الدولي الفاضل عبد الكافي ووزيرة السياحة سلمى اللومي والناطق الرسمي للحكومة الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان اياد الدهماني وكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج رضوان عيّارة كانت مهمة الشاهد واضحة للعيان، فاللومي نجحت في اقتلاع تصريح ثمين لفالس يدعو فيه رعاياه إلى زيارة تونس أما عبد الكافي المكلف بملف الاستثمار وبمنتدى الاستثمار فقد كان محاورا أساسيا في جملة اللقاءات.. وقراءة بسيطة في الوفد تكفي للدلالة أن الشاهد كان في مهمة محددة لدى الراعي الرسمي والداعم والواعد"المتخاذل" أن صح التعبير. صمت مضرّ وقد تكون فرنسا - التي تعهدت بمنح تونس مليار اورو منذ زيارة رئيس الدولة الباجي قائد السبسي خلال مارس 2015 - وجدت في تراخي حكومتنا وتعقيدات الإدارتين التونسية والفرنسية فرصة لعدم تجسيم وعودها بعد أن بلغت نسبة صرف القروض المخصصة حدودا دنيا السنة المنقضية وحتى خلال السنة الجارية بما يؤكد استحالة صرف كامل مبلغ المليار اورو المخصص في شكل قروض ميّسرة على امتداد الخمس سنوات، صمت وتراخ لم يعد من المقبول السكوت عنهما في ظرف أكثر من حساس تمر به تونس الشيء الذي استوجب تدخلا عاجلا في ظرف مناسب.. فالراعي الرسمي للمنتدى يرفض أن يرعى "فشلا معلنا" في حين ترى الجهة التونسية أنها تعاملت طيلة السنوات المنقضية مع الجهات الرسمية الفرنسية بديبلوماسية أكثر من اللزوم وانه آن الأوان لاستحثاثهم بكل الوسائل لتنفيذ تعهداتهم إزاء شريك رسمي انضم حديثا لنادي الديمقراطيات وتبنى المبادئ الإنسانية السامية التي تعتبر فرنسا راعيتها الأولى. مطالب تونس من هذا المنطلق كان الملف الاقتصادي حاضرا بقوة خلال لقاءي يوسف الشاهد بكل من مانوال فالس وفرنسوا هولاند وبمقترحات عملية تتمحور حول ثلاثة محاور أساسية: أولها إنجاح منتدى الاستثمار تونس 2020 بتأمين حضور هام لكبار المستثمرين الفرنسيين وتبني نصيب من المشاريع المعروضة. ثانيها تيسير مسالة صرف المليار أورو المرصودة كقروض للدولة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة. وثالثها تحويل جانب من الديون الفرنسية (ما قيمته مليار دينار) التي قرب اجل سدادها إلى استثمارات في خمسة مشاريع كبرى منها بناء مستشفى في تالة ومد السكة من العاصمة إلى القصرين بما يخفف الضغط على ميزانية الدولة. استجابة فرنسية في الوقت الذي كانت تصريحات الرئيس الفرنسي ووزيره الأول فيها الكثير من الديبلوماسية وقليل من الأرقام والمعلومات أشار يوسف الشاهد خلال التصريح المشترك مع الرئيس الفرنسي إلى أنه أثار معه فكرة تحويل الديون إلى استثمارات دون أن يعلّق هولاند على ذلك بما يعني أن الفكرة حظيت بالقبول المبدئي في انتظار إعمال الرأي ودراسة العرض.. غير أن مصادر حضرت اللقاءات أفادت "الصباح" أن الفرنسيين مصرون على إنجاح المنتدى وان فالس الذي سيتحوّل بنفسه لافتتاحه سيعلن عن أكثر من قرار عملي يصب في نفس التوجه. ولا يستبعد أن يعلن فالس خلال المنتدى عن قبول فرنسا مقترح تحويل الديون إلى استثمارات كما لا يستعبد أن يعلن عن أنماط أخرى من الدعم لتونس فالرجل ووفق تصريحاته يريد أن تكون تونس بوابة جديدة لدخول إفريقيا والمغرب العربي وان فرنسا وفق تعبيره "ماضية قدما في مساعدة تونس وانه ستقف إلى جانب الشاهد لدعم حكومته ومساعدتها على إنجاح الإصلاحات وإتمام المسار الانتقالي" معتبرا "تونس مثالا في محيطها العربي الإسلامي ". التكفير عن الذنب كلام جميل لكنه يخفي فيما يخفي شعورا بالذنب فالحكومة الفرنسية ورغم الدعم الظاهري تركت تونس وحيدة تتخبط في أزماتها الداخلية وهي مقتنعة أن اقتصادها قادر على التعافي وبسرعة إن ضخت فيه مشاريع كبرى جديدة تستوعب نصيبا هاما من العاطلين وتنشّط عددا هاما من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وهي اليوم وفي آخر مراحل حكم الاشتراكيين تريد التكفير عن الذنب وتدارك ما فات علما أن ما تمنحه لتونس تجني ثماره في فرنسا سواء من خلال توفير مشاريع جديدة لمؤسساتها أو من خلال إرضاء الجالية التونسية المقيمة.. المهم أن الشاهد عاد متفائلا أكثر من ساعة مغادرته تونس بان منتدى الاستثمار سينجح وان نصيبا محترما من الاعتمادات ستضخ رغم قناعته الراسخة انه كان بالإمكان تحقيق أفضل مما سيكون. جريدة الصباح تاريخ 12 نوفمبر 2016