قال القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام في حوار مع «الشرق القطرية « ان النهضة ورؤية الغنوشي جنَّبا تونس الانزلاق إلى حرب أهلي كما ان عدم تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية أنقذ التجربة التونسية من الانهيار واعتبر عبد السلام في حواره مع «الشرق» نضج النخبة السياسية التونسية، وعقلية الفاعلين السياسيين، وغياب تدخل المؤسسة العسكرية، ووجود مجتمع مدني، عوامل جنّبت البلاد الانزلاق لمنعطف الحرب الأهلية. وفي ما يلي نص الحوار كما ورد بالصحيفة : بداية، كيف تقيّم مبادرة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر بعقد مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد والاستثمار في تونس أواخر شهر نوفمبر الماضي؟ في الحقيقة قطر كانت ولا زالت تدعم عملية التحول الديمقراطي في تونس، خاصة في المرحلة الراهنة، من خلال الدعم الاقتصادي السخي الذي قدمته لتونس الجديدة، وهو دعم واضح للتجربة التونسية بغض النظر عمن يحكم البلاد، فنحن لم نر أي اختلاف في الدعم القطري، سواء عندما كانت النهضة في الحكم أو الآن ونداء تونس يحكم، مما يؤكد أن هناك مقاربة ومنهجا قطريا حريصا على دعم التجربة الديمقراطية في تونس والعالم العربي. والتونسيون من جهتهم يشعرون بالامتنان لقطر، لوقوفها إلى جانب تونس في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، ومشروع التحول الديمقراطي بصفة عامة. هناك تساؤل يطرح نفسه.. كيف استطاعت تونس أن تتجاوز الاضطرابات التي عصفت بدول الربيع العربي، وتحدث نوعاً من الاستقرار النسبي.. هل لنضج النخب السياسية أم هناك عوامل أخرى؟ في تقديري أن نضج النخبة يعّد عاملاً من بين عوامل أخرى، كما أن عقلية الفاعلين السياسيين ساهمت بشكل كبير في عملية التحول الديمقراطي في تونس، من خلال سياسة التوافق، والتسويات المتبادلة. كما أن هناك دوراً مقدراً لحركة النهضة ورؤية للشيخ الغنوشي، والرئيس السبسي أيضا، في ظل منعطف تاريخي كانت تمر به تونس، عندما كانت مهددة بالانزلاق إلى مسار انزلقت فيه تجارب أخرى في المنطقة، أقصد شبح الحرب الأهلية الذي كان يهدد العملية الديمقراطية، ولكن إقدام هذه النخب على عقد تسويات وتفاهمات سياسية، ساهم بكل تأكيد في إنقاذ التجربة التونسية. وهناك عوامل أخرى، من بينها وجود مؤسسات سياسية راسخة، وغياب تدخل المؤسسة العسكرية، ووجود مجتمع مدني نشيط، إلى جانب ذلك هناك عملية من الانسجام المجتمعي، فتونس لا تعاني من انقسامات عمودية دينية أو طائفية، فالتونسيون مسلمون سنيون مالكيون، وهذه العوامل ساهمت إلى حد كبير في إنقاذ التجربة التونسية. كما أن هناك معطىً آخر وهو الجغرافية السياسية، فتونس بعيدة نسبيا عن مراكز التوتر والصراع في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، كما أن تونس منطقة نفوذ أوروبية، وهذا ما جعل هناك توافقاً أوروبياً مبنياً على البراجماتية العملية بضرورة وجود حالة استقرار في تونس، خاصة بعد أن تعمقت الأزمة في ليبيا، مما حدا بالدول الأوروبية في قرارة نفسها عدم المجازفة في تونس، حتى لا تتحمل كلفة انهيار دولة عربية أخرى. *هل ساهم الوضع المصري بعد انقلاب 3/ 7 في عملية الاستقرار في تونس؟ الوضع المصري ساهم بأقدار معينة، ودفع بالسياسيين إلى المزيد من التنازلات، وإلى الشعور بالحاجة لعقد تفاهمات سياسية، بديلا عن تعميق الصراعات التي من الممكن أن تؤدي إلى انهيارات سياسية، رغم أن أرضية السيناريو المصري « تدخل الجيش» لا تتوافر في تونس، لكن كان من الممكن أن تكون هناك سيناريوهات أخرى مشابهة إذا ما تعمقت الأزمة السياسية. هل نستطيع أن نسمي ما قامت به حركة النهضة تراجعاً للوراء حتى تجنَّب تونس سيناريوهات عنيفة؟ ** نعم ... تراجعت النهضة خطوات للوراء، عندما وجدت نفسها في معادلة صعبة، إما أن تغلب مصالح الحزب، وتتشبث بالشرعية الانتخابية، أو تتراجع خطوات للخلف، وتغلّب المشروع الوطني والديمقراطي، برغم تقديمها لتنازلات مؤلمة، لكنها اختارت أن تخرج من الحكم، لكن بمعادلة معقولة، وهي أن لا تسلم السلطة للمعارضة السياسية، ولم تستمر في الحكم، وإنما سلمتها لحكومة تكنوقراط، وضعت على رأس أولوياتها استكمال إصدار الدستور والمؤسسات الانتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية. *بعد مرور 6 سنوات على الثورة التونسية، هل نستطيع القول إنها نجحت وحققت أهدافها في ظل رئاسة محسوبة على النظام القديم وخروج أسرة مفجّر الثورة «بوعزيزي» من تونس؟ دائما ما أذكر أن الثورة مسار طويل ومتعرج، والثورة التونسية أشبهها «بكتاب» كتبت بعض فصوله، ولم يستكمل الباقي، فإلى الآن نستطيع أن نقول إننا أنجزنا المهمة، ولكن تنتظرنا مهام شاقة، هذه المهام تجعل من الصعب الحكم على التجربة حاليا، لكن ورغم العقبات والصعوبات، فإن القاطرة التونسية تسير في الاتجاه الصحيح، رغم ما تلقاه من صعوبات بحكم الجغرافية السياسية. أما ما يخص أسرة البوعزيزي فتقديري أنه توفرت لها ظروف حياة أفضل، وربما استثمار اسم بوعزيزي أغرها للانتقال إلى الخارج، لكن هذا لا يجعلنا نقول إن مناخ تونس طارد لطاقاتها، فتونس بلد مفتوح ويتوافر فيه مناخ واسع من الحرية، ما لم يتوافر في السابق. لكن الكثير من الشباب التونسي يتساءل بقلق.. ماذا حققت لنا الثورة؟ ** أنا لا ألوم هؤلاء الشباب على هذا القلق، ولا ألوم الشعوب على ذلك، لأن الشعوب ليست نخبة من الخبراء أو الباحثين الذين يعرفون تاريخ الثورات، فالناس يحكمون على الأشياء من خلال حياتهم اليومية الملموسة، والحياة اليومية لم يحدث فيها تطورات، خاصة على الصعيد الاقتصادي والتنموي. لكن في تقدير أيضا، التونسيون متشبثون بمكتسبات الثورة بقدر ما يتذمرون ويقلقون، وهذا ما يتضح عندما يلحظون أي عملية ارتداد، إلا وتتجلى الطاقات السياسية التونسية، والطاقات الشعبية للدفاع عن مكتسبات الثورة. * لكن يقال إن النظام القديم ما زال يحكم تونس؟ ** هذا ليس صحيحاً، لاعتبارات كثيرة، هي أن تونس قائمة على معادلة متنوعة، فلا يمكن لأي طرف أن ينفرد بحكم تونس، خاصة أن من ضمن مكتسبات الثورة، الدستور الحالي الذي تم ترجمته بشكل صحيح على أرض الواقع، بحيث لا يستطيع أي طرف أن يمسك بالسلطة بشكل منفرد، ولا من خلال سلطة تحكمية مركزية كما كان يجري أيام بن علي، وها نحن نرى السلطة اليوم موزعة بين قرطاج «الرئاسة» وبين «القصبة»، وبين المجتمع المدني، وبين مؤسسات قضاء تعديلية مستقلة للدولة. الجانب الآخر أيضا أن عناصر النظام القديم التي دخلت السلطة، لم تؤسس شرعيتها على النظام القديم، وإنما على الثورة، والحركة الوحيدة التي دخلت الانتخابات على شرعية النظام القديم هي الحركة الدستورية، والتي لم تنل شيئاً في البرلمان، وهذا دليل على أن المزاج العام التونسي رافض لأي عودة آلية للنظام القديم. كما أن الجميع الآن في تونس يعترفون بشرعية الثورة، وبالتالي لا مجال لعودة النظام القديم. لكن هل من الممكن أن يحدث تصالح بين الدولة والنظام القديم؟ في تقديري إن حاشية بن علي لها وضع خاص بحيث لا يمكن التصالح معها، أما بقية العناصر التي شاركت في النظام القديم ليس هناك ما يمنع من عودتها واندراجها في المنتظم الجديد، وهذا أمر مطلوب، فالتصالح بين التونسيين من مختلف مكوناتهم السياسية والاجتماعية على أساس الثورة ومرتكزاتها، وعلى أساس الدستور الجديد، الذي أسس وقنن الحياة السياسية الجديدة في مرحلة ما بعد الثورة، لأننا الآن انتقلنا من وضع إلى وضع، وقد يكون من اليسير جداً أن تهدم النظام القديم، وتفكك أركانه، ولكن ليس من اليسير أن تعيد بناء شرعية جديدة، وتأسيس نظام سياسي جديد، ومع ذلك فقد نجحنا في عملية التفكيك، ونجحنا بأقدار كبيرة بإعادة تأسيس الوضع السياسي الجديد، رغم كل العقبات والصعوبات المعروفة للجميع في تاريخ الثورات. *إلى أي مدى يساهم الوضع الليبي في زعزعة الاستقرار التونسي ** بالتأكيد نحن نتأثر بما يجري في ليبيا، علما بأن ثلثي سكان ليبيا يتمركزون في المنطقة الغربية المحاذية لتونس، وتاريخيا هناك تداخل، ثقافي ومجتمعي بين البلدين. لكن تبقى خطورة الوضع الليبي تتمثل في انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، فقد كانت هناك مؤسسات ضعيفة وهشة مرتبطة بالقذافي، يضاف إلى ذلك انتشار السلاح على نطاق واسع، والانقسامات الجهوية، مما جعل هناك معضلة بين الشرق والغرب، بين بنغازي وطرابلس، وهناك انقسامات قبلية، نتيجة تحول الانقسام السياسي إلى جهوي وقبلي. *إذاً ما رؤيتكم لحل المعضلة الليبية، خاصة أن تونس معنية بالوضع الليبي؟ ** بالطبع نحن معنيون بما يجري في ليبيا، وتقديري لا توجد خيارات كثيرة أمام الليبيين، إما أن يستمروا في مسار التقاتل؟ أو ينتهوا إلى توافقات ومصالحات سياسية، خاصة أن المعادلة الدولية والإقليمية لن تسمح لأي طرف أن يخرج منتصراً، لأن هناك من يدعم الطرفين، فالحل الأمثل في ليبيا هو عقد تسويات معقولة ومتوازنة بين الشرق والغرب ومختلف المكونات الحاملة للسلاح في إطار أفق وطني يحمي المؤسسات السياسية