تحت عنوان " القضاء الى اين " كتبت لنا القاضية ليلى بحرية مقال راي ننشره فيما يلي ، نذكر ان القاضية بحرية من ضمن اعضاء المكتب التنفيذي لجمعية القضاة الذي اقيل في سنة 2005 لكن القاضية بحرية ظلت متمسكة بمواقفها وقد فضلت الاستقالة من المكتب التنفيذي بعد الثورة بعد ان رات ان التوجه الذي يسلكه لا يتماشى ومبادئها وفيما يلي نص المقال : يصطدم المتتبع للشأن القضائي بمشهد يحمل تناقضات لافتة للنظر وجوه تحتل المشهد الإعلامي وترفع شعارات حفظها الجميع على ظهر قلب من قبيل استقلال القضاء من مستحقات الثورة و شرط لنجاح الانتقال الديمقراطي القضاء المستقل ضامن للحقوق والحريات القضاء المستقل شرط لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية القادمة رفع يد السلطة التنفيذية عن القضاء التأسيس لدولة القانون والمؤسسات وفي المقابل نفس هذه المجموعات تمارس بشكل مفضوح أقصى درجات الضغط على القضاء تصل إلى حد الدعوة علنا للتدخل في أحكامه وقراراته.فهي تنظم بشكل شبه يومي وقفات احتجاجية أمام المحاكم يسبقها ويتزامن معها تجييش إعلامي ضخم وتنادي صراحة بغلق ملفات قضائية . والأمثلة على ذلك متعددة إلا أن أبرزها وأخطرها قرار نائبين من المجلس الوطني التأسيسي مباشرة تحرك احتجاجي تمثل في إضراب جوع بمقر المجلس مطالبينالحكومة بالإفراج عن متهمين محل تتبع قضائي . حول المنادون في العلن باستقلال القضاء والساعون فعلا لمواصلة تدجينه كل المحاكمات التي تشمل نقابيين أو إعلاميين أو أشخاصا اشتبه في ممارستهملجرائم حق عام بمناسبة عمليات احتجاج مطلبي إلى مناسبة للدعاية السياسية وورقة من ورقات العمل السياسي والحزبي . وأثمر فعلهم تأليبا للأهالي علىالقضاء. وكانوا في كل مرة تثمر فيها تدخلاتهم قرارات ترضخ لمطالبهم يثمنون فيالإعلام ما يسمونه استجابة الحكومة لمطالبهم .
إذن في مقابل الشعارات المذكورة أعلاه هناك شعارات أخرى اهمها لا لمحاكمةالإعلاميين لا لمحاكمة الجامعيين لا لمحاكمة الحقوقيين لا لمحاكمة "من صنعوا الثورة" أين ذهب مطلب دولة القانون والمؤسسات الذي يفترض ألا يكون أي كان فوق القانونوألا يستنكف احد مهما علا شانه من الوقوف أمام قضائها وممارسة حق الطعن فيأحكامه طبق ما يخوله القانون دون تجييش للرأي العام وكيف لنائب بالمجلس الوطني التأسيسي أن يدخل في إضراب جوع للضغط على القضاء والحال انه يتحمل مسؤولية تاريخية في كتابة دستور يؤسس لنظام جمهوري من دعائمه سلطة قضائية مستقلة وهل أن وزير العدل هو الذي يحدد نص الإحالة حتى يكون جازما في أن قانون مكافحة الإرهاب سوف لن يطبق في قضية أحداث السفارة الأمريكية من الواضح أن من يطالب برفع يد السلطة التنفيذية عن القضاء يسعى عن وعي أوعن غير وعي بفعله إلى جعل القضاء تحت ضغط المتنفذين الجدد أومن يطمحون لذلك. يجد القاضي اليوم نفسه مرتبكا وعاجزا عن التعاطي بهدوء مع الملفات المطروحة عليه وهو يعاين موقعه بين سلطة تنفيذية يعز عليها التسليم باستقلال القضاء ومجموعات متنفذة على خلفية أنها من صنعت الثورة حقيقة أو وهما . يضعف القاضي فالضغوطتتجاذبه من كل جهة ولا سند له خصوصا وان هياكله المهنية نأت بنفسها عن دخولالصراع. باشر القضاة عقب الثورة مسارا إصلاحيا وتصحيحيا انطلق بالبحث في أسبابضعف القضاء إلا أن الأمر انحرف وتحول لما يشبه الجلد الذاتي الذي أشاع الوهم لدى العامة بان اغلب القضاة فاسدون وأزلام وما إلى ذلك إلا من منح صك غفران وشهادة في النضال والثورية هل هناك فعلا نية صادقة من الجميع لبناء قضاء مستقل يستمد قوته من مهنيته وحياده أم أن كل جهة وجدت الفرصة سانحة في ظل هذا الانفلات على جميعالأصعدة للانقضاض على هذه المؤسسة الهشة أصلا لتوظيفها هل هكذا نؤسس لسلطة قضائية مستقلة إن كانت الإرادة موجودة فعلا المحصلة اليوم هو تدمير للمؤسسة القضائية ويبدو أن ذلك يدخل في إطار اشمل يرمي إلى تدمير كل مؤسسات الدولة وهي الصورة التي تبدو وفي نسق تصاعديتفضي لتدمير ممنهج لكل مؤسسات الدولة يمكن تفهم أن الكبت الذي عاناه معظم التونسيين طيلة 06 عقود جعلهم اليوم يتحدون كل السلط وكل المؤسسات لكن أين هي النخب وخاصة منها تلك التي هي فوق الصراعات السياسية أو بالأحرى السياسوية وحرب المواقع لتصحح المسار وتطلق صرخة الفزع وصفارة الإنذار إزاء هذا التدمير الممنهج للمؤسسة القضائية بصفة خاصة ولمؤسسات الدولة بصفة اعم والذي لن يؤدي إلا إلى الفوضى وقانون الغاب ثم هل أن مجرد تجريم كل تدخل في القضاء صلب الدستور المرتقب يكفي لوحده لتجاوز هذه الانزلاقات والحال انه بان بالكاشف أن ثقافة استقلال القضاء شبه غائبة عن نخبنا ليرفع الجميع يده عن القضاء فالقضاء مثلما شابه بعض من الفساد كبقية مؤسسات الدولة وكذلك البعض من الوهن بفعل غياب الضمانات الدنيا فهو يزخر بالطاقات والكفاءات القادرة على الإبداع ولكن في مناخ عام هادئ ;وليقتنع الجميع بان القاضي لا يقضي ولا يجب أن يقضي لبعث الغبطة والسروراو استمالة هذه الجهةأو تلك بل هو يطبق القانون بكل تجرد وحياد بعيدا عن الضغط من أي جهة كانت خلافا للسلطة السياسية التي اعتبارا لموازين القوى وللحسابات الانتخابية تتخذ البعض من قراراتها لدغدغة الأحاسيس واستمالة بعض الجهات وفي الختام أرجو أن تجد هذه الصرخة صداها لدى شرفاء هذا البلد والغيورين عليه والحريصين على استقراره