أثار إعلان رئيس الحكومة التونسية السابق مهدي جمعة عن تأسيس حزب جديد، تساؤلات عدة حول الإضافة التي يمكن أن يقدمها رؤساء الحكومات السابقة للمشهد السياسي التونسي، في ظل حديث رئيس الحكومة السابق حمّادي الجبالي في وقت سابق عن احتمال تأسيسه لحزب جديد. وكان جمعة أعلن عن عودته بقوة إلى الحياة السياسية عبر حزب «البديل التونسي» الذي أكد أنه «حزب وطني اصلاحي وسطي واقعي»، وذلك بعد سنوات من ابتعاده عن السياسي والتزامه بالعمل الجمعياتي عبر مؤسسة «تونس البدائل» التي تهتم بالدراسات الاستراتيجية. حمّادي الجبالي أعلن هو الآخر عن تأسيس جمعية «روافد» التي تهتم بالإصلاح والتنمية، فيما لم يستبعد تأسيس حزب سياسي في وقت لاحق، إلا أنه أكد أن هذا الأمر ما زال مبكراً. ورغم اختلاف تجربة جمعة والجبالي على صعيد الاختصاص والخلفية الإيديولوجية، إلا أنهما يشتركان معاً في كونهما مارسا الحكم في وقت سابق، وهو ما يجعل المراقبين يختلفون في التنبؤ بمستقبلهما السياسي ونوعية الإضافة التي يمكن أن يقدماها لمشهد مُتخم بالأحزاب والشخصيات السياسية المخضرمة والطارئة. ويؤكد الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي عبد الله العبيدي وجود فرق كبير بين مهدي جمعة وحمادي الجبالي ف»الجبالي لديه نهج سياسي وهو نهج حركة النهضة مع بعض الخصوصيات، في حين أن جمعة الذي أتى إلى السياسة من باب التكنوقراط لا يملك أي نهج سياسي، وربما هذا أدى في وقت سابق إلى وجود إجماع حول شخصه، كما أنه مدعوم من جهات خارجية عدة». ويضيف ل«القدس العربي»: «أعتقد أنه من غير المنطقي أن تتخلى عن 60 ألف يورو في الشهر ووضعية اجتماعية وعائلية مريحة وتأتي لتأخذ ألفي يورو، إلا أن يكون هناك سبب خفي أو أن تكون «مغفلاً» (في إشارة إلى مهدي جمعة)، وخاصة أنك لا تستطيع جذب الناس سوى عبر نهج سياسي واضح تبدي فيه مواقفك تجاه الملفات الكبرى في البلاد كالبطالة والتنمية وغيرها فضلا عن العلاقات الدبلوماسية مع الخارج، بمعنى أنه إذا لم يكن لديك سوى الفكر الاقتصادي مع غياب الآلة السياسية فلن تستطيع أن تحقق أي شيء» ويتابع «الأمر يختلف تماماً بالنسبة للجبالي، الذي لا نستطيع القول إنه فشل في مهمته، لكنه عندما تعثرت الأوضاع خلال فترة حكمه، قال إننا أمام أوضاع سيئة وعدد من الاغتيالات السياسية ولست مستعداً أن أمضي في طريق تجلب الويلات لتونس، ولذلك نعتبر أنفسنا فشلنا ونكوّن حكومة تكنوقراط في تونس، لكن جماعته (النهضة) رفضوا اقتراحه وهو ما أفضى لاحقاً إلى اعتصام الرحيل الذي اضطر الجميع إلى الإذعان في إطار الحوار الوطني الذي قاده الرباعي الراعي للحوار والذي قاد إلى حل حكومة التكنوقراط التي اقترحها حمادي الجبالي أساساً، كما أن الجبالي الذي كانت لديه الشجاعة للاستقالة سابقاً، لديه نهج سياسي وشخصيته معروفة وهناك دعوات عدة لعودته إلى الحركة، وقد يقرر في مرحلة ما العودة إلى النهضة مع إجراء بعض التعديلات، أو ربما يؤسس حزباً جديدًا يضم بعض قيادات النهضة، وبالتالي يكون لدى حركة النهضة جناحان في البلاد، يتكئ أحدهما على الآخر» ويميل البعض إلى التقليل من أهمية الإضافة التي يمكن أن يقدمها كل من الجبالي وجمعة، على اعتبار أن التونسيين «جربوا» الرجلين ولم ينجحا بشكل كبير في الحكم. ويعلّق سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» على ذلك بقوله «حرية التنظّم (تشكيل أحزاب سياسية) هي حق يكفله الدستور لكل التونسيين أيا كانت صفاتهم أو مواقعهم السياسية السابقة أو الحالية، وإذا كانوا يرون في أنفسهم القدرة على الإضافة فمن حقهم أن يؤسسوا أحزاباً، لكن نترك الحكم للتونسيين لتقييم مدى قدرتهم على إفادة الوطن وتقديم برامج قادرة على جذب المواطنين» ويضيف ل«القدس العربي»: «الناس هم من سيحكم على خطابات الأحزاب السياسية وبرامجها، وعلى قربها من مشاغل المواطنين وأدائها أثناء الحكم، فهناك سياسيون مارسوا الحكم ونعرف ما هو الأثر أو التقييم الذي تركوه، وأعتقد أنه بعد الخديعة الكبرى عام 2014 لن ينخدع التونسيون بسهولة مع الوعود البراقة والكاذبة». فيما يؤكد الصحبي عتيق النائب والقيادي في حركة «النهضة» ما ذهب إليه بن عمر حول حق أي تونسي في تأسيس حزب سياسي، معتبراً أن هذا الأمر مشروع للجميع بمن فيهم مهدي جمعة وحمادي الجبالي. ويضيف «جميع التونسيين جربوا بعضهم (سواء على الصعيد السياسي أو غيره)، ولا يمكن القول إن جمعة والجبالي كانا فاشلين في تجربة الحكم، ففي كل الحكومات التي جاءت بعد الثورة، ثمة نجاحات وإخفاقات، بالتالي ثمة إيجابيات تُحسب لهم والعكس، وهذا مشروع في السياسة، فليس كل من يفشل لمرة واحدة عليه أن ينهي حياته السياسية، ففي الغرب السياسيون يفشلون في انتخابات معينة ويعودون مجدداً للمشاركة في انتخابات جديدة، وهو أمر طبيعي جداً، كما أسلفت» وفي مناخ يسوده عدم الثقة بين المواطن والسياسي، تزداد صعوبة مهمة القادمين الجدد أو العائدين من فترة «نقاهة» إلى المشهد السياسي المتخم والضبابي الذي تعيشه تونس، وتبقى الكلمة الفصل في النهاية للناخبين الذي مل أغلبهم الوعود «الخلبية» لأغلب السياسيين، وهو ما يجعل الانتخابات البلدية المقبلة منفتحة على جميع الاحتمالات، في ظل التنافس المحموم بين أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة من جهة والأطراف السياسية الجديدة التي دخلت السباق مؤخراً من جهة أخرى. (القدس العربي)