أصدرت الكنفدرالية العامة التونسية للشغل اليوم الجمعة بيانا عبّرت فيه عن إستيائها لإعلان السلطة عن توقيع"عقدإجتماعي" يوم 14 جانفي القادم في الذكرى الثانية لاندلاع الثورة. وجاء في هذا البيان ما يلي : "كان يمكن أن يُشكل هذا الحدث علامة بارزة في تاريخ تونس الاجتماعي لو أن الوثيقة التي ستُمضى ترتقي بالفعل إلى مستوى العقد الإجتماعي الحقيقي الذي يُمكّن من تحقيق أهداف ثورة الكرامة والمهام التي تطرحها الفترة الانتقالية التي تَمُرّ بها البلاد بتوفير ضمانة لحقوق الشغالين وقاعدة لبناء نمط تنموي جديد، خاصة وقد سبق للكنفدرالية أن أعدت دراسات ومُقترحات لتقديمها في إطار حوار تعددي يشمل الشركاء الاجتماعيين ويشمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني حول عقد اجتماعي جديد في ظل الانتقال الديمقراطي. ولكن ما نشهده اليوم ليس سوى استعادة لتجربة سابقة عرفتها بلادنا خلال سبعينات القرن المنقضي والعشريات التي تلتها وقادت إلى الفشل وإلى أزمات وانفجارات اجتماعية، حيث أن ما عُرف ب"الميثاق الاجتماعي" الذي أمضي في جانفي 1977 بين الحكومة واتحادي الشغل والأعراف لم يمنع من انفجار أزمة 26 جانفي 1978 التي تُعدّ الأكثر عُنفا ودمَويّة في تاريخ تونس الحديث ولم يُمكّن من تجنّب انتفاضة الخبز ولا أزمة الثمانينات التي استمرّت على مدى سنوات عديدة. إن هذا "الميثاق الاجتماعي" الجديد المزعوم الذي أعِدّ خلال اجتماعات مُغلقة بين ممثلين عن السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة ولم يُعرض للنقاش العلني، لا يختلف عن سابقه في شيء من حيث كيفية إعداده والعقلية التي قادت من تولوا إنجازه، وهي عقلية تسلّطية فوقية وصائية وإقصائية لا تعترف بالتعدّدية ولا بحق الاختلاف ولا بحق عشرات الآلاف من الشغالين وأرباب العمل ولا بالمنظمات النقابية التي تُمثّلهم، مثل الكنفدرالية العامة التونسية للشغل، و الذين وقع إقصاؤهم من المشاركة في رسم الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يتوقف عليها مستقبل البلاد. ومن الغريب أن السلطة وشركائها في هذا "العقد الإجتماعي" المزعوم يتجاهلون الواقع الجديد، السياسي منه والنقابي،والذي يتميز بالتعددية الفكرية والسياسية والنقابية والإجتماعية ، وهم بذلك يكرسون ويغذون عقلية وثقافة الحزب الواحد/النقابة الواحدة التي كانت من الركائز الأساسية للنظام الذي حكم تونس لأكثر من نصف قرن والذي إعتقدنا أن ثورة 14 جانفي 2011 شكلت قطيعة معه لارجعة فيها. وإن الكنفدرالية العامة التونسية للشغل، من منطلق تَشبُّثُها بحرية العمل النقابي والتعددية النقابية و العمل النقابي المشترك ، وفقا للاتفاقيتين الدوليتين للشغل رقم 87 و98 ، وبتحقيق أهداف الثورة التونسية المجيدة التي يحتفل الشعب التونسي بذكراها الثانية وهي التي اندلعت من أجل إرساء الحرّيات الأساسية ومن ضمنها الحق في المواطنة والحق النقابي والتعددية الحزبية والنقابية والاجتماعية تعتبر أن هذا العقد المُعلن عنه ليس سوى مجرّد " اتفاق" لا علاقة له بالعقدالاجتماعي ولا يُلزم إلاّ من أمضاه لأنه ليس سوى تكرار لما سبق ان امضي من اتفاقات في العهد البائد و التي آلت كلها إلى الفشل. تُذكّر الكنفدرالية العامة التونسية للشغل بأنها تقدّمت بشكوى لدى منظمة العمل الدولية وبشكوى لدى المحكمة الإدارية التونسية رفضا منها للإقصاء وتَمسُّكا بحقّ كل المنظمات النقابية، للأجراء والأعراف دون استثناء، في التفاوض الجماعي في جميع مستويات التفاوض. اتحاد الشغل : بيان الجامعة العامة للشغل تخبّط وردّا عمّا جاء في بيان الجامعة العامة التونسية للشغل، اتصلت "الصباح نيوز" بسامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل. وأفادنا أنّ هذا العقد الاجتماعي سيقع إمضاؤه صباح يوم الإثنين القادم بمناسبة الذكرى الثانية للثورة وبالتحديد في حدود الساعة الثامنة و45 دقيقة في مقرّ المجلس الوطني التأسيسي. وأضاف بأنّ حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة سيمضي على هذا العقد وكذلك النقابة الأكثر تمثيلية للعمّال في تونس وهي اتحاد الشغل الذي يضمّ قرابة 750 ألف منخرط، قائلا : "والجامعة التونسية للشغل لا تضمّ سوى 12 ألف منخرط وتريد أن يقع تضمينها في العقد". وبيّن كذلك أنّ رئيس منظمة العمل الدولية سيكون حاضرا خلال إمضاء العقد الاجتماعي، مضيفا : "حبيب قيزة يتهز ويتحط وبإمكانه أن يشكي على روحو ولكن المنظمة تعلم أنّ التفاوض يكون مع المنظمات أكثر تمثيلية". وقال : "بيان الجامعة العامة تخبّط وهو بيان لشخص لا يعرف القانون وكالطفل الصغير الذي يريد أن يشترك في لعبة هو أصغر منها" وأكّد على أنّه لا يمكن الاعتراف بنقابة غير ممثلة بالدرجة الأولى ولم تنجز مؤتمرات ولم تحدث قيادات مفعلة قانونيا. وقال كذلك إنّ العقد الاجتماعي يخصّ أطراف الإنتاج المتمثلة في الحكومة ومنظمة الأعراف واتحاد الشغل، كما بيّن أنّ هذا العقد يتضمّن في محاوره ضمان المفاوضة الاجتماعية وحق التفاوض وضمان الحق النقابي وحماية العمل اللائق. اتحاد عمال تونس يرفض الإقصاء أمّا علي الضاوي الأمين العام المساعد لاتحاد عمّال تونس المكلّف بالعلاقات الخارجية، فقال لل "الصباح نيوز" أنّ هذه التجربة يقوم بها أفراد ليسوا على علم بماذا يفعلون، مضيفا :"المزالي سنة 1984 أراد أن يقوم بمثل هذا العقد الاجتماعي فرفض الجميع باستثناء كاتب عام نقابة التعليم العالي في اتحاد الشغل الطاهر الشايب الذي وافق على ذلك حتى أنّ الحبيب عاشور رفض حينها السير في تلك التجربة وكان النقابيون يقولون بأنّ الإنتاج والإنتاجية ليست سوى بدعة غربية". وبيّن الضاوي أنّه من المفترض أن لايقع إقصاء أيّ طرف في هذا العقد الاجتماعي إذا كانت النية سليمة باعتبار أنّ الجميع موكول لهم إنجاح العقد ويجب أن تكون جميع الأطراف الفاعلة في البلاد متوافق عليه". ومن جهة أخرى، قال الضاوي إنّ العقد الاجتماعي هو التزام أخلاقي وليس قانون كما أنّه اتفاق على شبه هدنة اجتماعية، مبيّنا أنّ العقد الذي سيقع إمضاؤه يشمل العلاقات المهنية والحماية الاجتماعية والتكوين المهني وسياسات التشغيل وفيه أيضا التنمية الاجتماعية. وقد أكّد لنا مصدر رسمي بوزارة الشؤون الاجتماعي أنّ إمضاء العقد الاجتماعي سيكون بحضور الرؤساء الثلاث ورئيس منظمة العمل الدولية ووزير الشؤون الاجتماعية البلجيكية وذلك بمقرّ المجلس التأسيسي مثلما صرّح به الطاهري. فماذا سيكون في هذا العقد المنتظر؟ وهل ستكون المرحلة المقبلة مرحلة صراعات بين المنظمات النقابية؟ وهل سيكون هناك تعددية نقابية ممارسة على أرض الواقع أم أنّها مجرّد حبر على ورق؟