بقلم:د. سلوى العباسي متفقدة عامة للتعليم الثانوي تلقت «الصباح نيوز» مقال رأي من الدكتورة سلوى العباسي المتفقدة العامة بالتعليم الثانوي تناولت فيه موضوع الإصلاح التربوي الذي تعطل على مدى سنتين بفعل فواعل اجتمعت على الملف وأوقفت لجانه تلبية لمآرب شتّى لا تخفي حسابات شخصية وأجندات حزبية وإيديولوجية تريد إرجاء كلّ شيء إلى محطة 2019 على حساب مدرسة الشعب وأبناء الشعب، وفق تعبيرها. وشددت العباسي على ان هناك حنينيّة مريبة تسود ما يطبخ في الخفاء بين أروقة وزارة التربية من رغبة في استعادة إصلاحات 2008 و2009 في ظل وجود تفكير جاد في تغيير هيكلة وزارة التربية مرة أخرى دون العودة إلى لجان الإصلاح . وفي ما يلي نص المقال: يعيش أهل التربية الميدانيون ككلّ التونسيات والتّونسيين على وقع ما خلّفه قانون المالية من احتجاج وتجاذب ولكنهم تخيروا أن يخوضوا معركة الحفاظ على الصرح الوطني الأخير لتونس وهو المدرسة تصديا لأنواع أبشع من التخريب والنهب والاستنزاف للثروات الوطنية، وهي معركة الإصلاح الميداني الدائم ومحاربة كلّ مسببات الفشل والهدر والضّياع التي تخيّم أكثر من السّابق على واقعنا التربويّ المتردّي إلى هاوية الإهمال والضياع . وهذا في ظلّ إرادة سياسية لا تبدو - للأسف- جادّة في إصلاح التعليم الوطنيّ إصلاحا جذريا شاملا عاجلا ،من أبسط شروط نجاحه ترك كلّ شيء: الحقائب والمقاعد والفوز الانتخابي للأحزاب. لقد تعطّل الإصلاح التربوي على مدى سنتين بفعل فواعل اجتمعت على الملف وأوقفت لجانه تلبية لمآرب شتّى لا تخفي حسابات شخصية وأجندات حزبية وإيديولوجية تريد إرجاء كلّ شيء إلى محطة 2019 على حساب مدرسة الشعب وأبناء الشعب. إصلاحنا التربوي الوطني لا يزال يتأرجح ويخجل حتّى من التصريح بمكاسبه وعلى رأسها المنهاج الدراسي العامّ» الذي لم يكلّف السيد وزير التربية نفسه حتّى جهد قراءته ودرسه وطرحه على جميع الأطراف المحيطة به وعلى الميدان للتفاعل والنّقاش والإثراء . سكوت وتجاهل غير مفهومين جعلا هذا المشروع الوطني التاريخي يلفه الغموض والأحكام المسبقة لتوجه إليه سهام الطعون من خصوم يعرف انتماؤهم ونواياهم فنعت المشروع بأبشع النعوت من «فساد علميّ « و»فساد ماليّ» وعرضت تصريحاتهم القنوات والإذاعات، في نفس الوقت الذي يقف فيه خبراء هذا المشروع الوطني عاجزين حتّى عن عرض المشروع وبسطه للتّفاعل مع الفاعلين التربويين والأحزاب والمنظمات. ونفهم من ذلك أنّ مسؤولي وزارة التربية قد تركوا المنهاج بصفته مخطط إصلاح شموليّ جذري شامل يحمل رؤية وطنية موحدة وحلولا جذرية لمشاكل المنظومة ليستغلوا الوضع المنحلّ وتشتت الفرقاء في معاودة تجارب الإصلاح الجزئيّ التّرقيعيّ المتسرّع لمراحل سابقة ظننا أنها انتهت . هناك حنينيّة مريبة تسود ما يطبخ في الخفاء بين أروقة وزارة التربية من رغبة في استعادة إصلاحات 2008 و2009 وذلك لأننا علمنا أن هناك تفكيرا جادا في تغيير هيكلة وزارة التربية مرة أخرى دون العودة إلى لجان الإصلاح ودون مشاورة الشركاء المعنيين بالأمر ودون الأخذ بآراء خبراء الميدان. تزمع وزارة التربية الحالية محو الإدارة العامة للبرامج والتكوين المستمر ومعها محو كلّ أثر للبيداغوجيا وهندسة المناهج والمقاربات والكتب المدرسية لتجعل منها هيكلا صوريا يتبع إدارتي التعليم الثانوي والتعليم الابتدائي فتظلّ بذلك البيداغوجيا - شريان كلّ إصلاح ،العصب الأهمّ في المنظومة ، الشرط الأساسي لنجاح خيارات الزمن المدرسي ومنظومة العطل والامتحانات-أسيرة البيروقراطية الإدارية والعمليات الفنية المفرغة من جدواها وتبقى لعبة المصالح والنفوذ والأهواء والترضيات الحزبية وللأطراف أكثر تمثيلية في النقابات. وتزمع وزارة التربية أيضا الشروع في تغيير البرامج المدرسة الحالية بمقاربة أثبتت فشلها في السابق وهي تلك التي تقوم على التّخفيف والتّنقيح، لتزيد المفتّت المتقطّع تفتيتا والمغلوط غلطا،وتكون العودة مرّة أخرى إلى النظام الثلاثي دون أن يعلم الأولياء وأصحاب الشأن لماذا تمّ اللّجوء إذن إلى النّظام السّداسيّ ،ولماذا تخليّنا عن الثلاثي، ولماذا يبدو النّظام الحالي غير متوازن كثير الثقوب والفراغات التعليمية الخطيرة على تراكم تحصيل الطفل،لمذا هو ممطّط مطوّل في فترته الأولى وضاربها واحد مقابل فترة ثانية قصيرة ضاربها إثنان. والأسئلة الأهمّ التي من واجبنا طرحها لإنارة الرأي العامّ: - لماذا نركّب عدّة أنظمة تنظيمية متضاربة على زمن دراسي واحد (سداسي+ أسابيع مفتوحة ومغلقة+ عطل كلّ خمسة أو ستة أسابيع)؟ - إلى متى سيظلّ أطفال تونس فئران تجارب لكلّ من يتولى حقيبة وزارة التربية بدل انتهاج إصلاح منهاجي منظومي شامل؟ لا شكّ أنّ الإصلاح المنهاجي الشامل الذي وضع أسسه الخبراء الوطنيون التونسيون لهو إصلاح علمي بيداغوجي منظوميّ مدروس، أفاد من كل ما يجري في الواقع من تخبّط وفوضى وقد تخطى مقاربة الترقيع لينطلق من حزمة مبادئ أبرزها: 1- أنّ المنظومة تشكّل كلّا لا يتجزأ ،تتعالق مكوناتها جميعا، وتتشابك بشكل نسقيّ لا يسمح بأخذ عنصر بمعزل عن بقيّة الأجزاء وللبيداغوجيا فيها المقدمة والمنتهى. 2- أنّ الزّمن المدرسي هو عبارة عن معادلة مرهفة مدروسة تراعي المحتويات المدرّسة وتوزيعيّة برمجتها على امتداد سنة دراسيّة كاملة مراعاتها التدرّج والتقييم التكويني ومفاصل التقييم الجزائي وحق الطّفل في إيقاع تعليمي رشيد يسمح له بترسيخ مكتسباته وتقويمها وتحسين مستواه ونتائجه على مدى سنة دراسية كاملة وفي علاقة بالمراحل التعليمية ومحطات الامتحانات الوطنية كما يسمح له بالاستمتاع بعطلته وتنمية مهاراته وممارسة هواياته. 3- أن المراجعة الجذرية المتأنية للمناهج الدراسية تلك التي تعيد النظر في هندسة الأهداف والكفايات وتوزيعية الحصص والدروس والمقاطع التعليمية ولحظات التقييم والتشخيص والجزاء والدعم والعلاجلتكون المدخل الرئيسي الذي يفضي إلى بقية المداخل وليس العكس. وختاما نقول إنّ تحويل البيداغوجيا إلى شأن إداري والعودة الى مقاربة تخفيف البرامج دون توافق،إن أقدم عليهما السيد وزير التربية فسيكون مسهمنا في ارتكاب جريمة تربوية لن يغفرها التاريخ، لأنّ تعليمنا الوطني ليس مشروع أشخاص ولا أحزاب ولا لعبة أهواء تستغل فترة السبق نحو الانتخابات وموقعة الأحزاب ولكنه ملفّ مجتمعي تربوي من أخطر الملفات التي لا يمكن أن تمسك بها الأيادي المرتعشة أو الفاقدة للسيطرة على أزمّة الأمور أو المتفرغّة لمسائل أخرى غير تربوية.