من المعضلات التي يعاني منها بعض المواطنين طول فترة التقاضي لأنها تأخذ من جهده ومن ماله الكثير فهناك قضايا تبقى سنوات طويلة ليتم فصلها فما هي أسباب طول فترة التقاضي؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا التمشي؟ "الصباح نيوز" تحدثت مع مواطنين وأهل الإختصاص فخرجت ب"الروبورتاج" التالي: رغم أن المحاماة تعدّ من ابرز المهن المساعدة على إقامة العدل نظرا للدور الأساسي الذي يقوم به المحامي في الدفاع عن موكله الا أن بعض المواطنين يتهمون المحامين بالتقصير وبأنّهم هم المتسبّبين في طول فترة التقاضي دون القيام بمجهود بل وصل البعض منهم باتهام المحامين بالتحيّل عليهم وسلبهم أموالهم. المحامي محل اتهام يقول المواطن عبد القادر رهيط أنه رفع قضية في 2015 تتعلق بحادث مرور كان تعرض له حيث صدمته شاحنة وأصيب بسقوط بدني مستمر في يده اليسرى، ورغم أنه كلف محام وسلّمه أتعاب ومصاريف التقاضي واتفق معه على قيمة الأتعاب الا أنه بعد ذلك وبعد أن أصدرت المحكمة حكمها وقضت في أوائل 2017 لفائدته بأكثر من 10 الاف دينار فان المحامي الذي كلفه بالقضية لم يسلمه المبلغ وبقي يماطله، لذلك اضطر الى التشكي الى الفرع الجهوي للمحامين بتونس، محملا المسؤولية لبعض المحامين بالتسبب في طول ليس فقط فترة التقاضي بل الإستيلاء حسب قوله على أموال المتقاضين دون مراعاة المعاناة المعنوية والمادية التي يتكبدها المتقاضي فرج العويني رأيه لم يكن بعيدا عن رأي عبد القادر فقد شاطره هذا الأخير الرأي مبينا أنه كان رفع قضية في 2016 الى ابتدائية تونس لطلب تحويل ملكية مقهى باسمه كان تنازل عنه والده لفائدته غير أن المحكمة قضت برفض القضية مضيفا أنه سلم المحامي الذي كلفه برفعها أجرة تقاضي (1.400 دينار) ولكنه تخاذل ولم يقم بدوره وكان يماطله في كل مرة عندما يحاول استفساره عن مآل القضية، متهما بعض المحامين بتعمد تأخير بعض القضايا التي يكلفون بها لمزيد اثقال كاهل الحريف وتسلم مبالغ مالية منه. أما الياس بن عبدي جزائري الجنسية ومقيم بتونس فقد التقيناه ببهو المحكمة الإبتدائية بتونس وأوضح لنا أنه كان رفع عن طريق محامية قضية استعجالية في غرة جانفي 2017 لطلب خروج صهره من محله لأنه لم يدفع معاليم الكراء المتخلدة بذمته مضيفا أن المحامية التي كلفها تسلمت منه مبلغ 500 دينار والوثائق اللازمة ثم أصبحت في كل مرة تماطله ولم تعلمه بمآل القضية. واتهم بدوره عدد من المحامين بالتسبب في طول فترة التقاضي و»أكل» أموال المواطن دون القيام بواجبهم رغم تسلمهم أتعاب التقاضي. من جانبه قال عمّار بوثوري أنه رفع قضية في 2014 في التعويض عن حادث مرور كان تعرض له واتفق مع المحامي الذي كلفه بالقضية بأن يتقاضى 15 بالمائة من قيمة المبلغ الذي ستحكم به المحكمة لفائدته مضيفا أنه رغم مرور ثلاث سنوات وسبعة أشهر ورغم أن عدد الجلسات في القضية وصل الى 19 جلسة الا أن المحامية التي كلفها لإنابته كانت في كل مرة تماطله وكلما كان يريد استفسارها عن مآل القضية الا ويجد هاتفها مقفلا فقرر مقاضاتها أمام فرع المحامين بتونس معتبرا أن مسألة التقاضي وطول فترتها من عدمه مرتبطة بجهد المحامي وتفانيه في عمله فإذا كان صاحب ضمير فسيشتغل على القضية التي يتعهد بها والفصل فيها في أقرب الآجال وإذا لم يكن صاحب ضمير ويخاف الله فإن المتقاضي هو من سيدفع ثمن ذلك من ماله وأعصابه. سوء تطبيق القانون رغم أن جل المتسجوبين أجمعوا أن المحامين هو السبب في طول فترة التقاضي إلا أن جناحي العدالة يرون العكس ويعتبرون أن المحامي مثلما يقول المثل الشعبي «كي لحمة الكرومة متاكلة ومذمومة» اذ اعتبر عدد من المحامين على غرار الأستاذ محمد بن صميدة أن طول فترة التقاضي تعود أساسا الى سوء تطبيق القانون وعدم مواكبة برنامج تعصير القضاء وانعدام الإمكانيات المادية الخاصة بوسائل الإتصال الحديثة وكثرة عدد القضايا يجعل التقاضي مكلف بالنسبة للمتقاضين لكثرة ساعات العمل التي يبذلها المحامين للدفاع عن حقوق المواطنين فضلا عن أن المصاريف التي ينفقها المحامي من الطابع الجبائي الى غيره من المصاريف الأخرى جعلت تكاليف التقاضي مرتفع مضيفين أن طول التقاضي من شأنه أن يمس من المبادئ السامية للمحاكمة العادلة ويتطلب مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية وآداء المحاكم التي ترفض ركوب قاطرة العصر في خصوص ميدان الإعلاميّة. المنظومة القانونية هي السبب من جانبه اكد رئيس جمعية القضاة التونسيّين انس الحمادي في تصريح ل»الصباح نيوز» على وجوب التفريق بين انواع القضايا مشيرا أن هناك قضايا استعجالية يتم فصلها بسرعة على سبيل المثال القضايا الإستعجالية من ساعة الى اخرى وقضايا توقيف التنفيذ، وهناك بعض القضايا الأخرى التي تم اختيار نظام قانوني لها يرتكز على مبدأ التقاضي على درجتين وعلى توفير كافة الضّمانات القانونية للمحاكمة العادلة وهذا يمنح أطراف القضية مجال للطعن في القرارات والأحكام القضائية بمختلف درجاتها في آجال حددها القانون سواء كانت القضية في أطوار البحث والتحقيق أو في طور المحاكمة مثل القضايا الجنائية وقضايا الفساد المال والقضايا ذات الصبغة الإرهابية وهذه القضايا تتطلّب أبحاثا وأعمالا استقرائية دقيقة واختبارات تقتضي حيّزا زمنيّا قد يطول أو يقصر حسب طبيعة القضايا والإجراءات المتخذة فيها والطعون التي يمارسها أطرافها، معتبرا أن طول نشر القضايا في بعض الحالات راجع الى المنظومة القانونية التي اخترنا ارسائها في تونس. وأضاف رئيس جمعيّة القضاة أن ما يجب التأكيد عليه أنه على مستوى الإطار القضائي فإن المجهودات المبذولة من قبل القضاة بمختلف اختصاصاتهم وأصنافهم ودرجاتهم تؤكد وجود إرادة وعزيمة قويّة على التّسريع في البت في القضايا دون أي بطئ أو تأخير رغم قلّة الإطار القضائي والإمكانيات والموارد الموضوعة على ذمتهم، وازدياد عدد القضايا خاصة بعد الثورة وضعف البنية التحتية والإمكانيّات اللوجستيّة. نقص في عدد القضاة أما منصور شلندي رئيس مركز الدراسات والتكوين المستمر بنقابة القضاة التونسيين فقد أرجع طول فترة التقاضي الى النقص الفادح في عدد القضاة مقارنة بحجم العمل كما أن نقص الإطار الإداري بالمحاكم خاصة الكتبة يؤدي حسب رأيه الى تراكم القضايا لأن الكتبة يسهرون على العمل على الملفات في المرحلة السابقة للتقاضي بتسجيل القضايا ومسكها ماديا ثم اثر ذلك يسلمون نسخ الأحكام بعد إتمام كافة الأعمال السابقة لذلك الأمر الذي يؤدي مثلا الى استغراق القضية المدنية ما بين عام ونصف وعامين ونصف في كل طور كما أن البنية التحتية لأغلب محاكم الجمهورية غير ملائمة ليتولى القضاة القيام بأعمالهم بكل حرية فأحيانا تتأجّل القضية فترات طويلة لمجرد تنفيذ حكم تحضيري بالتحرير على طرفي الدعوى لعدم وجود مكتب شاغر باعتبار أن كل محاكم الجمهورية تشهد تخصيص أكثر من قاضيين بمكتب واحد معتبرا أنها وضعية مهينة. تجهيزات محدودة وأضاف أن التجهيزات المتوفرة بالمحاكم محدودة حيث يلجئ القاضي في أغلب الأحيان الى شراء المعدات المكتبية من ماله الخاص حتى لا يتعطّل سير العمل بدون أن ننسى كذلك تسبب الخصوم أحيانا في تعطيل النوازل لعدم تقديمهم مؤيداتها وما تطلبه المحكمة منهم في الإبان. مشيرا أن هناك قضايا بقيت ما بين الإبتدائي والتعقيب عشر سنوات ثم تم فصلها.