تعيش تونس حالة غريبة من "ازدواجية الشخصية" ،إن صح التعبير، فهي البلد المهدد بالإفلاس لكثرة الإنفاق وشحّ الموارد وضعف النمو ..وهي البلد الذي يتمتع فيه عشرات الآلاف إن لم نقل المئات من الآلاف من العمال والموظفين بأجور دون عمل يذكر ..وهي كذلك التي تسدد مليارات الدنانير للدعم لغير مستحقيه. فتونس التي باتت تقترض لسداد أجور موظفي الدولة وفوائض قروضها الخارجية ..وتونس التي ارتفع حجم قروضها من 40 إلى أكثر من 70 بالمائة من ناتجها الخام والتي تراجعت فيها قيمة الدينار إلى حدود غير مسبوقة هي نفسها التي قال عنها ،على سبيل الذكر لا الحصر، وزيرها للتربية أن أكثر من 100 موظف بمعهد تالة الذي احترق مبيته يتقاضون أجورا دون الحضور . وهي نفسها التي قال عنها وزيرها للطاقة أن 11500 من موظفي شركات البيئة يتقاضون أجورا منذ الثورة إلى اليوم ولم يغرسوا ولو شجرة واحدة ولم يعملوا ولو ليوم واحد ويرفضون في الآن نفسه حتى الإمضاء على ورقة الحضور علّ الإدارة تتأكد أنهم على قيد الحياة .. عندما تسمع كل هذا وترى مئات الملايين من الدنانير تلقى بالزبالة أو تقدم علفا للحيوانات في شكل "خبز بائت" مدعوم والحكومة ترفض الزيادة ب 10 مليمات في ثمن خبز "البقات"...عندما تعاين المليارات من الدنانير تذهب لدعم الميسورين ولدعم المؤسسات العمومية وعندما تعاين كيف أن الوزارات تشتغل بضعف طاقتها التشغيلية...وعندما تعاين عدد الذين ينشطون في القطاع الموازي وعدد الذين لا يسددون الأداء والسلطة صامتة ...فانك لا يمكن أن تقول غير أن تونس هي بلد المفارقات وازدواج الشخصية.. وأنها قد تكون من أغنى البلدان كذلك . إن تونس اليوم في حاجة وأكثر من أي وقت مضى لإصلاحات عاجلة وحاسمة تقطع مع الماضي وإن رئيس الحكومة الذي بادر بفتح ملف الإصلاحات الكبرى مطالب بتحديد موعد للانطلاق فيها وبوضع رزنامة واضحة لانجازها بغاية تحريك عجلات قطار الإصلاح المتوقفة في محطة المزايدات الشعبوية لسنوات طوال ..فتونس لم تعد تحتمل المزيد من التعطيل ..أما مستقبل الأجيال القادمة فهو أمانة في عنق من يسيّر الوطن اليوم وفي عنق من يسعى لتأخير موعد الإصلاحات لغايات خاصة.