بعد أن شارفت قضية اغتيال شكري بلعيد على البوح بكلّ أسرارها... على الأقل على مستوى منفذي الجريمة حريّ بنا الآن أن نميط اللثام عن بعض جوانبها الخفية، ومن بينها ما استرعى اهتمام الرأي العام البارحة إذ تمّ الإعلان عن العثور على سيارة من نوع "فيات سيانا" بجهة لاكانيا استخدمت في جريمة القتل ... لهذه السيارة قصة غريبة كشفت عن مجهود أمني كبير وبحث مدقق باعتماد التقنيات الحديثة، كما لعبت الصدفة دورها في الكشف عن لغز هذه السيارة التي تعتبر مفتاحا من المفاتيح الأساسية لكشف طلاسم الجريمة أوّلا لنتحدّث عن الصدفة التي حرّكتها يد "دهّان" تولّى تبييض واجهة فرع الاتحاد الدولي للبنوك القريب من مسرح الجريمة... هذه اليد وقبل أيام قليلة امتدّت دون أن تشعر لكاميرا المراقبة المثبتة في اتجاه الموزع الآلي للنقود فحرّكتها بعض المليمترات كانت كافية لكي يمتد شعاع عدسة الكاميرا إلى الشارع فتلتقط عند الساعة السابعة وثلاثين دقيقة من صباح يوم 6 فيفري الجاري سيارة رمادية اللون من نوع "فيات سيانا" وبدون اللوحتين المنجميتين تقف وينزل منها شخص أمكن التقاط صورة لوجهه بوضوح : إنّه قاتل شكري بلعيد...الذي نزل من السيارة وترجّل ليمشي في اتجاه مقر سكنى شكري بلعيد وكانت الدراجة النارية من نوع "الفيسبا" تتبعه. وقد أمكن كذلك لكاميرا وكالة أسفار مثبتة في الجهة المقابلة أن تلتقط جانبا من هذه الصور وثبت أنّ سيارة "سيانا" ظلت رابضة إلى حين إتمام الجريمة حينئذ غادرت في اتجاه مجهول... لكن كيف السبيل لكشف سيارة رمادية اللون من نوع "فيات سيانا" ما بين آلاف السيارات من نفس النوع وهنا ظهرت حنكة رجال الأمن الذين وبالتوازي مع عودتهم لأرشيف إدارة النقل البري والبحث في كلّ سيارات "الفيات سيانا" وفرز مالكيها. عادوا في نفس الوقت إلى أرشيفهم الخاص وإلى يوم تاريخي آخر، وهو يوم الاعتداء على السفارة الأمريكية، فتفحصّوا في أرشيفهم المصوّر الذي جمّع أشرطة مختلفة للعربات التي نقلت جموع المتظاهرين إلى السفارة. وقد أمكن لهم بعد فرز ساعات من الأرشيف المصوّر الذي يضمّ مئات العربات وآلاف الأشخاص اكتشاف سيارة رمادية اللون من نوع "فيات سيانا" نقلت المحتجين وهو ما رجّح خيط السلفية في الكشف عن القضية. وقد تواصلت الأبحاث في صمت وبروية إلى أن أمكن معرفة صاحب السيارة الذي اتضح أنّه من سكّان منطقة طبربة وأنّه يتولّى كراء السيارة بطريقة مخالفة للقانون لمن يطلبها واتضح أنّه كلّف حلاقا بالضاحية الشمالية للعاصمة بتسويغ السيارة ليتوصّل الأمن لمعرفة سائقها والذي كشف بدوره طرفين آخرين تمّ إلقاء القبض عليهما. وقد أذن قاضي التحقيق أمس بإطلاق سراح مالك السيارة الذي ثبت أنّه لم يكن على علم بالنوايا الإجرامية لمسوغيها في حين تمّ الاحتفاظ بالبقية ولا يزال القاتل فارا غير أنّ حظوظ إلقاء القبض عليه تبدو وفيرة حسبما توفّر لدينا من معلومات. وهكذا يتضح أنّ الفترة التي قضاها رجال الأمن في التحقيق الدقيق باستعمال وسائل متطورة أتت أكلها وربّما كان بالإمكان أن يشمل الكشف معطيات وأشخاص آخرين إن لم تتسرّب الأخبار التي أعلنت إلقاء القبض على أشخاص قد تكون سهلت فرار القاتل... غير أنّه يبقى جانب هام في القضية محلّ تستّر وهو المتعلّق بالأطراف التي أذنت بالقيام بتلك العملية. ولو أنّ الموقوفين ثبت تورطهم في جرائم سابقة وانتماءهم للسلفية الجهادية