عاجل: 3 إعفاءات في وزارة العدل    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    الاتفاق على تكوين ثلاثة فرق عمل باشراف وزارات الداخلية والتجارة والفلاحة للنهوض بمنظومة اللحوم الحمراء    8 سنوات سجناً لعائد من صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي: غادر بعد "دمغجة" في المساجد وفرّ من التنظيم ليسلّم نفسه    كأس تونس 2025: تفاصيل المباريات المنتظرة في ربع النهائي    عاجل | ضرائب العقارات والتجارة تخضع لمعاينات ميدانية صارمة بداية من جوان 2025    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيسي البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم..    في اجتماع لجنة مقاومة الاحتكار: استعدادات لعيد الإضحى والموسم السياحي    طريقة بيع جديدة لأضاحي العيد ولجنة وطنية لتحديد سعر الكيلوغرام الواحد..#خبر_عاجل    عيد السنة... ما ثماش قصّان: الماء حاضر في ''ديار التوانسة!''    بعد تنفيس سُد ملاق....اتحاد الفلاحة يُطمئن التونسيين    مجموعة من صانعي المحتوى يروجون للسياحة بجهة جندوبة    مساعد رئيس مجلس النواب: بودربالة يُستهدف لأنه رمز للدولة.. ولا وجود رسمي لمطلب سحب الوكالة    قاض أميركي يوقف خطط ترامب لترحيل المهاجرين إلى ليبيا!    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    البيت الأبيض بلا سيدة أولى.. ما سر غياب ميلانيا ترامب؟    وزير الخارجية يؤكد على تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي استعدادًا للذكرى الثلاثين لاتفاقية 1995    بعد كميات الأمطار الأخيرة...وادي مليز يتصدر ب 46 مم    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    الأمطار مستمرة في الشمال: التوقعات الجديدة لحالة الطقس هذا الأسبوع    هام/ تعرف على أسهل طريقة لخفض ضغط الدم دون التوقف عن تناول الملح..    بداية من اليوم: الجامعة العامة للصحة تنظم تحركات احتجاجية يومية    اتحاد الفلاحة بالكاف: موجة البَرَد الأخيرة تسببت في خسائر ب 100% للفلاحين    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    رويز وحكيمي يقودان سان جيرمان لنهائي رابطة الأبطال على حساب أرسنال    كاس امير قطر - نعيم السليتي يضع بصمته في تاهل فريقه الشمال على حساب العربي    الرئيس المدير العام للصوناد: لا نظام للحصص هذا الصيف وتحسن ملحوظ في الوضعية المائية    بدلا من "الفارسي".. غوغل يعتمد اسم "الخليج العربي"    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    أزمة كشمير: ضحايا وجرحى في قصف باكستاني.. وإسقاط "درون" هندية    النادي الافريقي.. عرض قطري ليوسف سنانة    كأس العرب في كرة اليد.. الهزيمة الثانية لمنتخب الأواسط    صفاقس : بالشعر مهرجان سيدي عباس يُسدل الستار على دورته 31    باريس سان جيرمان يهزم آرسنال ويتأهل لمواجهة الإنتر في نهائي دوري الأبطال    عشرية الغنيمة لم تترك لنا غير الدّعاء    متهم بتبييض الأموال .. 15 ماي مراد الزغيدي أمام التحقيق    وزيرة الثقافة تطالب بحلول عاجلة لمراكز الفنون الدرامية    ولاية أريانة تستعد لانطلاق فعاليات الدورة 29 لعيد الورد من 9 إلى 25 ماي 2025    ماكرون: سأسعى لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا تدريجيا    مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عبد العزيز    طقس الليلة يكون احيانا كثيف السحب مع امطار مؤقتا رعدية    مطار قرطاج: ضبط كمية من الذهب وايقاف مسافرتين    سيدي بوزيد: انطلاق أولى رحلات حجيج الجهة نحو البقاع المقدّسة في هذا الموعد    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    نفوق 7 أبقار بالمهدية.. الاتحاد الجهوي للفلاحة يوضح    مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة ينظم تظاهرة فكرية ثقافية حول 'المرأة والتراث بالكاف    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    كيف تتصرف إذا ''لسعتك عقرب والا عضّتك أفعى''    عاجل/ البحر يلفظ جثة بهذه الولاية    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    باكستان تتهم الهند بشن هجوم على محطة الطاقة الكهرومائية    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تقتل «الغريزة» قلب الأم.. وحين يتفنن الأب في قتل أبنائه.. الجرائم الأسرية تنخر كيان المجتمع.. والطلاق الصامت من أبرز الأسباب
نشر في الصباح نيوز يوم 21 - 11 - 2018

عندما تتحول الام من مصدر للحنان والأمان الى خطر يهدد حياة الأبناء.. عندما تتجرد الأم من إنسانيتها وتنحاز إلى نزواتها.. جريمة فظيعة اهتزت لها قلوب أهالي منطقة «البرجي» بولاية القيروان، وكيف لا والقتيلة التي لم تتجاوز السادسة من عمرها ماتت خنقا بوسادة على يد عمها وأمام عيني والدتها التي لم تحرك ساكنا لأنها كانت على علاقة خنائية مع «سلفها» وخيرت موت ابنتها على أن تكشف سرها، لأن البنت شاهدت والدتها في وضع مخل مع «سلفها»..
جريمة أخرى لا تقل فظاعة عن سابقتها جدت خلال صائفة 2017 حيث أقدم أب يبلغ من العمر 42 سنة على وضع حد لحياة أطفاله الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين سنة ونصف وثماني سنوات، وهم بنتان وولد، حيث ألقى بهم في «جابية» عمقها متر ونصف وظل ينظر إليهم حتى فارقوا الحياة، والسبب خلافات بينه وبين زوجته.
جريمة أخرى فيها الكثير من البشاعة جدت بجهة الكبارية خلال شهر ماي سنة 2017 حيث عمد أب إلى تهشيم رأس ابنه الرضيع بهراوة وخنقه حتى فارق الحياة ثم ادعى أن ابنه مسكون ب»الجان» وأن عليه إخراجه منه.. والغريب في هذه القضية أن الأم كانت شاهدة عيان على عملية القتل وساعدت زوجها في صباح اليوم الموالي على تنظيف المنزل من دماء رضيعها بعد أن تخلص زوجها من الجثة برميها في القمامة.
جرائم فظيعة اهتز لها المجتمع وأكثر من ألفي جثة تصل سنويات إلى أقسام الطب الشرعي في بلادنا عدد هام منها أصحابها توفوا نتيجة جرائم قتل.
349 قضية قتل بتّ فيها القضاء التونسي خلال السنة القضائية 2015 و2016 كما بتّ في أكثر من 300 قضية خلال السنة القضائية 2014 و2015... ذلك ما يعكس ظاهرة العنف التي باتت تهدد الشارع التونسي خاصة وأن تنامي الجريمة ساهم في استسهالها والاستخفاف بها والتعود على تكرارها وهو ما يؤدي إلى انتشارها واختراقها المجتمع.
وحسب التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي فقد احتلت تونس المرتبة العاشرة عربيا والمرتبة 53 عالميا من مجموع 125 دولة من حيث ارتفاع نسبة الجريمة سنة 2017 وقد شملت الجرائم القتل والاغتصاب والسرقة.
اضطرابات سلوكية
الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد تحدث ل»الصباح» عن الجرائم العائلية وقال إن فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية تمثل عادة بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية، وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة، وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية، لسببين رئيسيين على الأقل:
أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية.
وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان، ومثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته، رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا.
وقد لاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستفز والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات الاجتماعي منقطع النظير، انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية وبالتالي تتميز فترات التحول والانتقال في السياقات الثورية إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى التونسي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل وتمثيل بالجثث.
ثقافة الموت..
ثقافة الموت والتخريب والتنكيل تتسع يوما بعد يوم وتغذيها مشاهد الموت والتنكيل الوحشية التي تعج بها المواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار وفق قراءة الباحث طارق بالحاج محمد موضحا أن سلوك التونسي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب وبدون موجب.
هذا السياق العدواني وهذه البيئة العدائية لم تقتصر على الفضاء العام بل وصلت حتى الفضاء الخاص ومست علاقة أفراد الأسرة الواحدة. فحجم الضغط النفسي والاجتماعي المسلط على أفراد المجتمع من الشباب والكهول اخترق آخر وأهم حصن للتنشئة الاجتماعية السليمة والمتوازنة وهو مؤسسة العائلة وأكبر ضحاياه هم الأطفال.
هي عدوانية في سياق سياسي واجتماعي عدواني ويأخذ أشكالا ومضامين متعددة تعدد السياقات. تزداد الأمور تعقيدا مع تراجع سلطة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون مما يعطي رسالة للمجتمع بضعف الدولة ويفتح باب التجاوزات.
غياب مفهوم «الطلاق الآمن»
يعتبر الزواج من أقدم وأعرق وأقدم المؤسسات الاجتماعية وإذا نظرنا له من زاوية أخلاقية نقول أنه رباط مقدس، وإذا نظرنا له من وجهة نظر علم اجتماع نقول عنه أنه مؤسسة تجمع بين شخصين تربط بينهما علاقة وجدانية في إطار اجتماعي مقبول وشرعي، وإذا نظرنا له من وجهة نظر قانونية نقول أنه عقد تترتب عليه التزامات.
والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل هذا الرباط وهذه المؤسسة وهذا العقد عاجزا عن الاستمرار بحيث نصل إلى الطلاق وفض هذه الشراكة وبشكل عنيف؟
قال الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد غالبا ما تتحول في مجتمعنا حالات الفراق أو الطلاق من مجرد تجربة إنسانية واجتماعية فاشلة إلى معركة ضارية يراد بها تدمير الطرف الآخر وتحطيمه والتشفي منه وليس مجرد الانفصال عنه..
معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية وتحضر محلها مفردات الكره والتباغض والإيذاء وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالآخر. فنحن لا نعرف كيف نتزوج ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام، فالزواج مثله مثل الطلاق اليوم أصبح تجربة محفوفة بالمخاطر.
ففي مجتمع استعراضي يقدس المظهر أكثر من الجوهر، ويعطي الأولوية للصورة أكثر من المشروع ويشترط الوليمة قبل العزيمة ويدعو للحق وهو ليس من أهله ويدعي الحكمة وهو ليس منها في شيء، وتحكمه النزوة أكثر من الجدوى، ليس غريبا أن تنهار مؤسسات الزواج بهذا الشكل المدوي.فعادة ما يسبق حالات العنف بين الازواج فترة تسمى بالطلاق الصامت الذي سرعان ما ينفجر في شكل عنف عندما يبلغ مداه..
والطلاق الصامت هو نوع من الطلاق غير المعلن يبقى بموجبه عقد الزواج ساريا شكليا بين الزوجين لكن كل منهما يعيش بمعزل عن الآخر في جميع مناحي حياته.. إنه نهاية غير رسمية وغير معلنة للعلاقة الزوجية يقع التعايش معه، إما حفاظا على الصورة الاجتماعية، أو رغبة في الحفاظ على استقرار الأبناء، أو خوفا من صفة مطلق أو مطلقة في المجتمع.
وهذه الظاهرة لا تقل حجما عن الطلاق الناجز، بل تؤسس فيما بعد لحالات فراق وطلاق أكثر عنفا وعدوانية تغيب فيها ثقافة «الطلاق الآمن» الذي يضع نهاية لعلاقة زوجية وليس نهاية لعلاقة إنسانية. يترافق ذلك مع بروز ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة الموت والقتل، قتل الجسد وقتل الوعي وقتل النفس وقتل الآخر.
النتائج..
يمثل العنف الأسري ومشاهده الاعتداء البشعة على وجدان الأطفال وحرمتهم ومصادرة لحقهم في العيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي ونلمس ذلك عندما نرصد آثاره على توازنهم النفسي، فقد أثبتت الملاحظات العلمية والدراسات الاجتماعية والنفسية (في تونس وخارجها) أن هذا السلوك يدمر البنية النفسية الهشة للطفل ويغير حتى الإيقاع من حياته.
وتتراوح ردود فعل الأطفال تجاه هذا العنف بين الخوف والانسحاب والعزلة والانطواء والاكتئاب والتوتر والعصبية.... كل حسب تركيبته وقدرته على التحمل ونوعية محيطه الأسري والاجتماعي. كما يحدث أن تتغير سلوكياتهم وعاداتهم الغذائية والحياتية لتتراوح بين فقدان الشهية وقلة النوم والكوابيس أو ظهور أعراض العدوان والعنف والتمرد كتعبير عن عدم السواء والتوازن أو كنوع من المحاكاة لصور المعتدين.
مفيدة القيزاني
جريدة الصباح بتاريخ 21 نوفمبر 2018


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.