سجل بداية العام الجاري نشاط التنظيمات الإرهابية في تونس انخفاضا ملحوظا مقارنة بالسنوات الفارطة بفضل النجاحات الأمنية والعسكرية المتواصلة في تعقب الارهابيين النشطين والخلايا النائمة المتبنية لفكرهم المتشدد والضربات الاستباقية في أعماق الجبال وداخل المدن ما ادى إلى القضاء على ارهابيين خطيرين والقبض على عدد آخر واحباط مخططات دموية في المهد اضافة الى تضييق الخناق على نشاط هذه التنظيمات المتحصنة اساسا بجبال خمس ولايات وغلق المنافذ امام خلايا الدعم اللوجستي والحاضنة الاجتماعية المتمركزة في محيط الجبال او في المدن المحاذية لها. ويتنافس اليوم تنظيمان إرهابيان على كسب النفوذ والتحركات داخل الجبال التونسية الواقعة على الحدود الجزائرية والاستقطاب لفائدتهما سواء من بين عناصرهما المتواجدة في الجبال او غيرها، وهما القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ممثل في كتيبة عقبة ابن نافع(اربع مجموعات) وداعش ممثل اساسا في كتيبة اجناد الخلافة الدموية(ثلاث مجموعات). فحينما تشرع في دراسة التوزيع الجغرافي الحالي لهذه الكتائب الارهابية ومناطق تموقعها في الجبال التونسية، فإنك تجد نفسك أمام خريطة معقدة بحكم التحالفات غير المستقرة التي تربطها وتعدد الانشقاقات في الاشهر الاخيرة، وبروز عناصر دموية تشابكت معها الاهداف التي تسعى هذه المجموعات الى تحقيقها. هذه الخريطة صارت متحولة وغير ثابتة لكونها تتغير بتغير التحالفات والانشقاقات بين العناصر الارهابية وتطور الوضع الأمني والعسكري داخل المناطق العسكرية المغلقة على الحدود التونسيةالجزائرية بشكل عام، وبدرجة اقل بتغير العلاقة بين تنظيمي القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وداعش. كتيبة عقبة.. فما تسمى بكتيبة عقبة ابن نافع الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي تعتبر أول نواة للارهاب في الجبال التونسية، انهكها منذ مدة نقص الموارد والضربات الموجعة التي تلقتها ابرز قياداتها قتلا او اعتقالا ما أدى إلى تراجعها الكبير ميدانيا ودفعها الى تغيير تكتيكها العملياتي من خلال صرف النظر عن العمليات النوعية والتي اصبحت عاجزة عن القيام بها والاكتفاء بعمليات ضعيفة تكتفي من خلالها بتسجيل حضورها ومحاولة زعزعة ثقة المواطنين في القوات الأمنية والعسكرية. اليوم، وبعد أن كانت تمتد على كامل جبال جندوبةوالكافوالقصرين تراجع تواجد كتيبة عقبة ابن نافع الجغرافي والعددي وتقلصت مساحات تحركها، حيث لم تعد تتحرك بولاية القصرين -وفق مصادر امنية مختلفة-الا في جزء من جبل السلوم بعدد بسيط من عناصرها وجبال الشعانبي وسمامة موقعها المركزي بما بين 60 الى 80 عنصرا وجبال بيرينو بما بين ثلاثين الى اربعين عنصرا اضافة الى جبال ورغة بالكاف بما بين عشرة الى 15 عنصرا وجبال جندوبة وعين سلطان بما بين عشرين الى ستين عنصرا او اكثر بقليل. وتعيش كتيبة عقبة ابن نافع على وقع حرب الزعامة بين قياداتها الجزائريةوالتونسية ما ادى الى تسجيل عدة انشقاقات في صفوفها او الاعلان عن احياء سريات اخرى لتهدئة الاجواء ووضع حد لهذه الحرب. أمراء عقبة.. ووفق مصادر مطلعة فان كتيبة عقبة ابن نافع الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يقودها الارهابي الجزائري مراد الشايب المكنى بعوف أبو المهاجر وهو شقيق الارهابي لقمان ابو صخر(قتل)، شارك في مختلف العمليات الإرهابية منذ سنة 2013 وهو محل تفتيش للمصالح الامنية والقضائية الجزائرية منذ سنوات عديدة، وتردد عام 2017 مقتله الا ان الاجهزة الرسمية التونسية لم تؤكد الخبر، وهو يشرف ميدانيا اليوم على كل تحركات ومخططات الكتيبة في جبال ولاية القصرين. اما في الكاف فان للكتيبة خلية يطلق عليها اسم ورغة نسبة الى جبال ورغة تضم على اقصى تقدير 15 عنصرا وتنشط تحت قيادة الارهابي الخطير جدا صلاح القاسمي وهو من مواليد 23 جويلية 1984 انتمى إثر الثورة للتنظيمات التكفيرية وتسلل إلى الجزائر حيث تلقى تدريبات في مجالات صنع الألغام والعبوات الناسفة غير التقليدية ومسك واستعمال سلاح نوع «كالاشينكوف»، وهو يحذق اليوم عمليات التفخيخ وزرع القنابل. شارك القاسمي في عدة عمليات إرهابية في جبال ولايات الكافوجندوبةوالقصرين، تورط رفقة 48 متهما بينهم نبيل السعداوي وأبو عياض ومكرم المولهي وراغب الحناشي في ما يعرف بقضية خلية جندوبة الإرهابية التي ضبطت بحوزتها أسلحة وذخيرة وقنابل ومتفجرات وكانت تخطط لتنفيذ ضربات إرهابية، وهو اليوم من أخطر العناصر الإرهابية ومحل اكثر من ثلاثين منشور تفتيش وأربعة إجراءات حدودية إضافة إلى بطاقات جلب للقضاء. وفي جندوبة تتواجد كتيبة عقبة ابن نافع بخليتين في جبال عين سلطان بغار الدماء وجبال لحيريش بجندوبة تؤتمر بتعليمات الارهابي الجزائري الطاهر الجيجلي الملقب ب»امير جندوبة» وهو عنصر خطير شارك في عدة عمليات ارهابية داخل التراب الجزائريوالتونسي ومطارد من قبل الاجهزة الامنية والعسكرية والقضائية في البلدين. هذه الكتيبة التي مازالت تضم غالبية ارهابيي الجبال تلقت عدة ضربات قاسمة بعد القضاء على ابرز قياداتها وعناصرها، ما اصابها بالضعف وباتت عاجزة عن تنفيذ مخططاتها بفضل الوقفة البطولية لقواتنا المسلحة ولوحدات الحرس الوطني، بعد ان كانت نفذت سابقا وتحديدا منذ العام 2013 عمليات ارهابية في الجبال او حتى في المدن مستغلة ضعف الاجهزة الامنية في تلك الفترة واهتزاز الدولة. ومن ابرز الضربات التي استهدفتها القضاء على تسعة من اخطر قياداتها في عملية نوعية بسيدي عيش بينهم الشقيقان الحاجي المتورطان في الهجوم الإرهابي على منزل وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو في القصرين وزهير بن المولدي الذيبي ومحمد صالح بن عبد الله الذيبي وخالد بن فرج السويسي وخالد الشايب الملقب بلقمان ابو صخر وميمون الجزائري وناصر العاطري(جزائري)، ثم القضاء على الارهابي الخطير مراد الغرسلي واربعة من معاونيه في جبل عرباطة اضافة الى مقتل عناصر ارهابية اخرى على غرار عاطف الحناشي وراغب الحناشي وغيرهما في عمليات امنية وعسكرية. أجناد الخلافة.. اما ما يسمى بجند الخلافة او أجناد الخلافة فهي الكتيبة الموالية لتنظيم داعش الارهابي، عرفت ب»الدموية» وأعلن عن تأسيسها رسميا في ماي 2015 وتتكون وفق المعلومات الاستخباراتية من ما بين 20 و30 عنصرا إرهابيا انشق عدد منهم عما يعرف بكتيبة جند الخلافة بأرض الجزائر وتسللوا من الجزائر إلى تونس هربا من الحصار والهجمات العنيفة التي شنتها قوات الدرك والجيش الوطنيين في الجزائر على معاقلهم، كما انشق عدد آخر عن كتيبة عقبة ابن نافع الموالية لتنظيم القاعدة والتحق بها البقية ثم استقروا في جزء من جبل السلوم قبل أن يحطوا في جبل المغيلة الذي يمر عبر معتمديتي سبيبة وسبيطلة من ولاية القصرين ومعتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد، ومنه يحاولون منذ مدة الامتداد لجبل عرباطة بقفصة. تلهف عناصرها للذبح والقتل باستهداف امنيين وعسكريين وحتى مدنيين، ورغم انشقاق عدد من عناصر كتيبة عقبة ابن نافع والالتحاق بها فانها تعيش ضعفا ووهنا جراء الحصار الامني والعسكري المضروب على تحركاتها بين جبال ولايات ثلاث وهي القصرينوسيدي بوزيدوقفصة ما جعلها تعمد من حين الى آخر الى مهاجمة المنازل بالمناطق النائية للسطو على المؤونة. ووفق المعطيات التي تحصلت عليها»الصباح» فان هذه الكتيبة تضم ما بين عشرين الى ثلاثين عنصرا وربما اكثر بقليل، يقودها الارهابي الجزائري العكروف الباي المكنى ب»أبو سلامة» والمحكوم بالاعدام في الجزائر، وبها ثلاث مجموعات او خلايا الاولى في جزء من جبل السلوم بالقصرين والثانية في جبل المغيلة بولاية سيدي بوزيد والثالثة بصدد البحث عن موطىء قدم بجبل عرباطة بولاية قفصة. هذه الكتيبة نفذت عدة اعمال ارهابية سابقا، اذ تبنت الهجوم على متحف باردو يوم 18 مارس 2015 الذي خلف مقتل 21 سائحا وجرح 47 آخرين ثم الهجوم على دورية عسكرية يوم 7 افريل 2015 بمنطقة عين زيان من معتمدية سبيبة الذي استشهد إثره خمسة عسكريين وأصيب ثمانية قبل ان تشهد مرتفعات تلة السواسية بجبل مغيلة في جزئه القريب من جلمة مواجهات مسلحة بين القوات العسكرية وعدد من إرهابيي الكتيبة. إرهابيو هذه الكتيبة نفذوا ايضا الهجوم على دورية امنية بمنطقة بوصبيع بولاية سيدي بوزيد يوم 15 جوان 2015 ما ادى الى استشهاد عوني الحرس منعم الغرسلي ورمضان الخضراوي، وفي نفس اليوم قتل الإرهابيون عون الحرس الشهيد ايمن المسعودي، ثم هاجم الارهابي سيف الدين الرزقي المجند من»جند الخلافة» نزل امبريال مرحبا بحمام سوسة يوم 26 جوان 2015 ما خلف عشرات القتلى والجرحى من السياح، كما قامت يوم 12 أكتوبر 2015 باختطاف الراعي نجيب القاسمي وتصفيته في جبل سمامة بطلق ناري في الرأس، وفي نفس اليوم واثناء عملية تمشيط استشهد عسكريان واصيب اربعة بجروح، واختطفت يوم 13 نوفمبر 2015 الراعي مبروك السلطاني وذبحته ثم فصلت رأسه عن جسده. ويوم 24 نوفمبر 2015، عرف الارهاب تكتيكا اخر اكثر دموية، يعتمد على الذئاب المنفردة بعد قيام الارهابي المكنى بأبي عبد الله التونسي التابع لنفس الكتيبة المباعية لما يعرف بتنظيم داعش الارهابي بالصعود الى حافلة لنقل اعوان الامن الرئاسي وتفجير نفسه ما ادى الى استشهاد 12 عونا واصابة عدد آخر، ويوم 5 نوفمبر 2016 اغتال عدد من افراد هذه الكتيبة الجندي الشهيد سعيد الغزلاني في منزله بمنطقة الخرايفية بسبيبة ثم اختطف اربعة منهم بتاريخ 2 جوان 2017 الراعي خليفة السلطاني شقيق الشهيد مبروك السلطاني واعدموه ذبحا في عمق جبل مغيلة. كما ارتكبوا جرائم اخرى في حق المدنيين آخرها في شهر فيفري الفارط بعد اعدامهم المواطن محمد الاخضر مخلوفي أصيل منطقة المخالفية من عمادة العيون بمعتمدية السبالة من ولاية سيدي بوزيد وقطع رأسه. صابر