فشل المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في تغيير أولويات الجيش الليبي في استعادة العاصمة طرابلس من قبضة الميليشيات بعد لقائه بقائد الجيش المشير خليفة حفتر أثناء زيارته إلى مدينة بنغازي شرق ليبيا. وأكدت مصادر ليبية ل"العرب" أن لقاء المشير حفتر مع سلامة في منطقة الرجمة بمدينة بنغازي، السبت، لم يغير من قناعات الأول بشأن أولوية استعادة طرابلس من قبضة الميليشيات المسلحة، وأن "أي تسوية سياسية للأزمة يجب أن تكون في المرتبة التالية". وشككت المصادر نفسها في تغيّر موقف سلامة من قائد الجيش الليبي، وقللت من أهمية لقاء الرجمة واجتماعات بنغازي، واعتبرتها محاولة للإيحاء بأن المبعوث الأممي على استعداد لتخفيف موقفه الداعم لحكومة فايز السراج، إذا وجد قبولا لائقا من جانب حفتر. وسبق أن عبّر حفتر عن عدم رضاه على أداء البعثة الأممية، واتهم سلامة صراحة بتأييد الميليشيات وأنه مبعوث أممي "غير نزيه، ولا صلة له بالواقع الليبي". وعقد سلامة لقاء سريا، الشهر الماضي، مع حفتر في باريس، أملا في إقناعه بوقف إطلاق النار في طرابلس، غير أنه وجد رفضا حازما لمقترحه. وحرص حفتر على لقاء سلامة في بنغازي بزيه العسكري، في إشارة إلى أنه في حالة حرب ومصمم على المضي في معركة طرابلس حتى النهاية، بعد إحراز تقدم على الكثير من الجبهات، وتدهور الحالة المعنوية للميليشيات المسلحة وهروب عدد من قياداتها إلى الخارج، وانفضاض بعض القوى المؤثرة عن حكومة الوفاق، ما يعني أن موازين القوى سوف تتغير في الفترة المقبلة. وأدى التفوق العسكري والسياسي التدريجي الذي يحرزه المشير حفتر إلى ضعف موقف فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، وتراجع دور غسان سلامة في العملية السياسية والذي دفعه إلى السعي حثيثا نحو طلب لقاء بعض قيادات الدول الداعمة لحفتر، لكنه تلقى إجابات بالرفض، بعدما أطلق تصريحات عديدة في جلساته السرية والمغلقة يتهمها ب"التخريب"، لمجرد أنها تطالب البعثة الأممية برفع الغطاء عن الميليشيات والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية. وعقد سلامة اجتماعا، الأحد، في مقر الأممالمتحدة في بنغازي مع مجموعة من المشايخ في المنطقة الشرقية، يمثلون قبائل المغاربة والعواقير والمعدان والفواخر والزوية والتواجير والفرجاني والعبيدات والمنفى، فضلا عن لقاءات مع شخصيات برلمانية. ويأمل المبعوث الأممي في تصحيح الأخطاء التي ارتكبها خلال الفترة الماضية، وتخفيف درجة الانحياز لحكومة الوفاق ومجلس الدولة والتيار الإسلامي عموما، من خلال التظاهر بالتوازن في مواقفه، وتعديل خطابه القريب من أفكار جماعة الإخوان الداعمة للميليشيات. وعزا الكاتب الليبي عبدالباسط بن هامل زيارة سلامة إلى بنغازي، إلى تيقنه من حدوث تحوّل كبير في موازين القوى الحقيقية على الأرض، ساعيا إلى الظهور بشكل المبعوث غير المنحاز بعدما ارتكب أخطاء كارثية، منها حرصه على بقاء الميليشيات ضمن الترتيبات الأمنية في طرابلس، والتمسك بدعم أطراف تسعى للهيمنة على السلطة في ليبيا. وقال بن هامل في تصريح ل"العرب"، "إن سلامة يحاول صناعة زخم سياسي مفتعل مؤيد له في شرق ليبيا، ويبعث برسالة إيجابية إلى الأممالمتحدة، بعد أن تورط ضمنيا في خطاباته السابقة أمام مجلس الأمن بدعم الميليشيات والقوى المتطرفة، ثم يأتي الآن ويزعم أنه يؤدي مهمته على أحسن ما يرام، أملا في إقناع القوى الإقليمية والدولية الرافضة والمتحفظة على دوره بأنه لا يزال يحظى بقبول في جميع أنحاء ليبيا، خاصة منطقة الشرق المؤيدة للمؤسسة العسكرية". إلى ذلك تستضيف روما اجتماعا بشأن ليبيا، الخميس المقبل، تحضره ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن هي: الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا، بجانب مصر والإمارات وإيطاليا، وهي الدول الرئيسية المعنية بحل الأزمة الليبية. ورجحت مصادر دبلوماسية أن يخرج الاجتماع بتوافقات بشأن ضرورة وقف تدفق الأسلحة التي يتم تهريبها للكتائب المسلحة، وغالبيتها تأتي من تركيا وبدعم مالي قطري، عقب مناقشة الخطوات اللازمة للتعامل مع الأزمة بعد تقويض دور المتشددين. وذكرت مصادر ليبية أن هناك اتجاها لنقل مقر المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط من العاصمة طرابلس إلى مدينة مصراته، ما يؤكد ظاهريا أن الأوضاع في العاصمة غير مؤمّنة، لكنه في الحقيقة يشير إلى تراجعات كبيرة قادمة في موقف مصراتة التي تشكل جبهة مهمة في معارك طرابلس. وأضافت المصادر أن المؤسسة العسكرية الليبية تخوض الحرب بحسابات تراعي تكوينات البيئة المحلية، لذلك لم يتجه الجيش إلى استهداف ميناء مصراتة الذي استقبل الكثير من المعدات وشحنات الأسلحة، ولم يقصف مطار الكلية الجوية بها، وهو الذي شهد استقبال عناصر متشددة قادمة من تركيا، ومنه قام طيارون مرتزقة ببعض الطلعات الجوية.