- تونس مجرد محطة لأغلبهم.. وحلمهم "الحرقة" إلى أوروبا - استغلال.. معاملة لا إنسانية.. والعمل ل 16 ساعة بأجر زهيد أخذت العمالة الإفريقية في بلادنا منحى تصاعديا في السنوات الأخيرة فقد ارتفع عدد العمال الأفارقة بشكل لافت في مختلف القطاعات إذ يفوق عدد الأفارقة في تونس حوالي 65 ألف بين لاجئ من ليبيا أو قادم من موطنه الأصلي بحثا عن العيش الكريم. وأدت هذه «الهجمة» إلى اكتساح العمالة الإفريقية جل القطاعات تقريبا إذ باشر أكثر من ¾ العمل في مجالات عدة حسب تقديرات رسمية على غرار قطاع البناء والفلاحة والخدمات كالمقاهي والحراسة وهذا لا يقتصر على الذكور فقط بل وحتى الإناث اللاتي يشتغلن معينات منزليات وفي مصانع النسيج ومحلات الحلاقة وغيرها. إقبال الأفارقة من الجنسين على العمل في شتى المجالات أرجعه كثيرون إلى عزوف التونسيين وخاصة الشباب ورفضهم العمل في مهن تحتاج إلى الجهد والعمل لساعات طويلة مقابل أجر يرونه زهيدا وهو ما دفع ببعض أصحاب المشاريع للجوء إلى العمالة الإفريقية التي تعمل في ظروف صعبة لساعات طوال دون أية تغطية اجتماعية ودون أي احترام لقواعد الصحة والسلامة المهنية في التشغيل الهش والذي لا يتماشى والمواثيق الدولية مما أدى أحيانا إلى حصول حالات وفاة بسبب الإجهاد نتيجة الاستغلال المفرط . وقد شهدت السنة الجارية وفاة أحد العمال ‹›الأفارقة›› بصفاقس وهو حامل للجنسية الإيفوارية بسبب الإجهاد في العمل والاستغلال المفرط واحتجازه في مكان الشغل. وللوقوف على واقع تشغيل الأفارقة في تونس قامت «الصباح الأسبوعي» بالتحقيق التالي الذي يتضمن عدة شهادات من عمال أفارقة من الجنسين كما اتصلت بجمعيات ومنظمات بالإضافة إلى وزارة التشغيل، التي وعدت بالإجابة إلا أنها أخلت بذلك، وذلك للوقوف على أسباب تفشي هذه ظاهرة والإطلاع على مدى تأثيرها على سوق الشغل . تذمر من الاستغلال الفاحش.. وقد تحدثنا إلى عدد من العاملين الأفارقة في تونس، حيث أفادنا مامادو (30 سنة) من السينغال لجأ إلى بلادنا خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ 2014 هربا من الحرب الدائرة في ليبيا. وأفادنا مامادو وهو عامل بناء أنه انتقل من جرجيس إلى صفاقس ومنها إلى العاصمة بحثا عن عمل يضمن له الكرامة، إلا انه عانى حسب قوله من سوء معاملة مؤجريه كما سائر العمال الأفارقة، حيث بين أن هناك تفرقة في تعامل المشغل بين العامل التونسي الذي يعمل ل6 أو 7 ساعات على الأكثر مقابل ساعات عمل تفوق ال10 ساعات يوميا للأفارقة مقابل أجر زهيد يصل أحيانا إلى اقل من نصف ما يتقاضاه العامل التونسي. وابرز محدثنا أن اليد العاملة الإفريقية القادمة إلى تونس من إفريقيا جنوب الصحراء تتعرض إلى استغلال اقتصادي وسوء معاملة، مؤكدا انه في بعض الأحيان تم إجبار بعض العمال الأفارقة على العمل لمدة 16 ساعة من العمل المتواصل ومع ذلك يقبلون من أجل ضمان لقمة العيش. العمل في جني الزيتون لكن.. «مورال»، شاب يبلغ من العمل 27 سنة يعمل الآن حارسا في مدينة الحمامات قدم من بلده الكوت ديفوار منذ ما يناهز 3 سنوات، حيث تم جلبه من قبل شركة توظيف من أجل العمل في مزارع الزيتون، وأبرز ان ضعف العمالة في تونس في مجال جني الزيتون كان سببا في قدومه الى تونس رفقة عدد من أبناء وطنه، فتنقل في بداية الأمر بين ولايات الجمهورية في إطار التزامه مع شركة التوظيف وعمل في مجال جني الزيتون في بادئ الأمر لكنه وبسبب سوء المعاملة وخاصة استحواذ المشغل على راتبه قرر الهرب والعمل في ميادين شتى كالبناء وفي المقاهي والمطاعم قبل العمل كحارس في ملكية خاصة لإحدى العائلات في الحمامات. وأبرز «مورال» أنه رغم ما يتقاضاه من أجر جد متدن إلا أن العائلة التي يعمل لديها تعامله جيدا إذ توفر له المسكن والأكل ما حثه على البقاء إلى حين تحقيق حلمه وهو الإبحار في اتجاه السواحل الإيطالية، وأضاف أن تونس باتت بلد عبور للعديد من الأفارقة الذين يتحملون الاستغلال الفاحش وسوء المعاملة والإجهاد إلى أن تسنح لهم الفرصة للعبور نحو أوروبا. توفر العروض للمعينات «تيما» ذات 23 سنة التقيتها في محطة المترو «الجمهورية» بالعاصمة اعتقدت في بادئ الأمر أنها طالبة في إحدى الجامعات الخاصة في بلادنا وذلك بالنظر إلى المظهر اللائق الذي تميزت به إلا أنني اكتشف بمجرد الحديث معها أنها معينة منزلية لدى إحدى العائلات القاطنة في المنازه . «تيما» من بوركينافسو قدمت إلى تونس عبر شركة توظيف رفقة عدد من الفتيات أيضا إذ قالت ل» الصباح الأسبوعي» أنه لم يكن من الصعب بالنسبة إليها الحصول على عمل كمعينة منزلية خلال السنتين اللتين قضتهما في تونس بحكم توفر العرض في هذا المجال. لكنها في المقابل، واجهت صعوبات في الحصول على راتب منصف، وأبرزت انها تعمل معينة مقيمة لذا فهي تعمل على مدار اليوم وجزء كبير من الليل ما يشعرها بالإرهاق وحتى بالاستنزاف، وكل هذا مقابل أجر متدن مقارنة بما تتقاضاه المعينات التونسية العاملات في منازل الاجوار، وأفادت انها لم تغادر منزل مشغلتها منذ ما يزيد عن 3 أشهر اذ تغادره فقط لشراء لوازم المنزل وقالت أنها ترضى بهذه الظروف لأنها في حاجة لتأمين معيشة عائلتها الفقيرة والتي ترسل لها جزءا كبيرا من راتبها، وأبرزت أنها استأذنت من مؤجرتها للقاء مواطنتها التي تعمل في قاعة حلاقة بالعاصمة فرافقتها للقائها وهي «امينتا». شعور بالغبن والضيم تبلغ «امينتا» 24 سنة متوسطة القامة نحيلة، التقيناها بالقرب من احد مقاهي العاصمة أين كانت في انتظار «تيما» ، «امينتا» أكدت أنها عملت معينة منزلية لدى سيدة لها قاعة حلاقة فكانت ترافقها وهذا ساعدها على إتقان المهنة. وقالت أنها وبسبب المعاملة اللإنسانية التي كانت تلقاها من المشغلة ومن حريفاتها بالإضافة إلى الأجر الزهيد فضلت المغادرة والبحث في الأثناء عن عمل إلى أن قبلت صاحبة قاعة حلاقة توظيفها بأجر أفضل لكنه يبقى دون المستوى الذي سعت من أجله، وبينت «امينتا» ان أغلب العمال الأفارقة ممن تقاسمهم السكن لا يتقاضون ذات الأجور التي يتقاضاها نظراؤهم من التونسيين، مما ولد لديهم شعوراً بالاستغلال من قبل أرباب العمل ولكن رغم ذلك يقبلون بالعمل رغم قسوة الظروف. وهنا لابد من الإشارة إلى أن العيينات التي تحدثنا إليها لم تتحصل ولو لمرة على عقد شغل قانوني أو ضمان صحي، وهذا ما يشترك فيه الذين يتمتعون بإقامة قانونية في تونس وحتى غير القانونيين، بل إن أغلب الأفارقة في تونس يعملون دون تصاريح عمل، والعديد منهم يتعرضون إلى الاستغلال بسبب عدد ساعات العمل المرتفعة، فضلاً عن حالات الاحتجاز التي قد يعرفها البعض منهم من قبل أصحاب العمل. الوضعية الهشة للأفارقة وقبولهم العمل لساعات طوال دون أية تغطية اجتماعية وإنتاجيتهم المرتفعة جعلهم يلقون رواجا في سوق الشغل المحلية مقابل رفض التونسيين العمل في ظروف مماثلة أو أفضل من ذلك بكثير، فعزوف الشباب عن العمل في المجالات الشاقة من قبيل مجالات البناء والفلاحة.. فتح الباب على مصراعيه للإقبال على العمالة الإفريقية. حنان قيراط