صدر قبل أيام عن دار "البرق " للنشر كتاب في 220 صفحة من الحجم المتوسط للزميل الاعلامي والباحث الجامعي كمال بن يونس تحت عنوان : " الاسلاميون والعلمانيون في تونس : من السجون والاضطهاد الى تحدي حكم البلاد ". الكتاب خصص حوالي نصف صفحاته ليناقش اشكالية الجدل في اوساط صناع القرار الوطني والدولي حول فرص نجاح التعايش في تونس وبقية "بلدان الربيع العربي " بين معارضين سابقين من التيارات الاسلامية والعلمانية نجحوا في استلام السلطة بعد الانتخابات التعددية وتشكيل ائتلافات سياسية . المسكوت عنه ؟ ولئن تعمد الكاتب اثارة اشكاليات متناقضة وتقديم سيناريوهات متباينة دون ترجيح كفة أي منها فانه دعا في فقرات عديدة من الكتاب الى الاجابة بوضوح عن الاسئلة المسكوت عنها والتي لها علاقة بالابعاد الجيو استراتيجية والامنية الدولية للثورات التونسية والعربية . وحاول الكاتب كمال بن يونس ان يفسر الاسباب التي دفعت صناع القرار في واشنطن وكبرى العواصمالغربية الى التصالح مع رموز الاسلام السياسي التخلي عن اولوياتهم الامنية التي راهنوا عليها خلال النصف قرن الماضي وخاصة منذ هجمات 11 سبتمبر . واعتبر الكاتب انه اذا كان " المحافظون الجدد" ( بزعامة الرئيس الامريكي الراحل ريغن ) نجحوا في موفى الثمانينات ومطلع التسعينات في الاطاحة بكل انظمة المعسكر الاشتراكي و الشيوعي بما في ذلك في موسكو وركزوا انظمة " ليبرالية موالية للغرب الراسمالي" تجسيما لاستراتيجية الرئيس ريغن في هلسنكي قبل ذلك باعوام ، فان الثورات في المنطقة العربية بصدد الاطاحة بانظمة "علمانية موالية للغرب وللعواصم الاستعمارية التقليدية " تنفيذا لجانب من وعود " المحافظين الجدد " عام 2003 بتغيير "الشرق الاوسط الكبير". خطوط حمراء وحاول الكتاب ان يستشرف مستقبل تونس في ظل تجربة التعايش الاولي بين الاسلاميين المعتدلين والعلمانيين بناء على ضوء اخضر دولي وتساءل : الي اي مدى ستبلغ التطورات الاستراتيجية التاريخية التي تشهدها المنطقة ومن الذي سيتحكم في خيوطها حاضرا ومستقبلا ؟ وهل ستشمل التغيييرات كل الانظمة المتهمة بالفساد والاستبداد أم ستبرز مجددا "سياسة المكيالين " في التعامل مع ملفات حقوق الانسان والحريات حسب المصالح التجارية والعسكرية لصناع القرار في دول الحلف الاطلسي وشركائه ؟ وهل الاسلاميون الذين عانوا طوال العقود الماضية ويلات القمع والتهميش سينجحون في تكريس ما وعدوا به من ديمقراطية وتنمية وشفافية وشراكة مع معارضيهم وخصومهم أم تبرز "ممالك استبداد وفساد جديد" على غرار ما حصل في بعض دول اوربا الشرقية بعد عقدين من سقوط رموزالظلم والفساد السابقين ؟ وهل سيوفق الاسلاميون الذين وصلوا الى السلطة في بلدان مثل تونس والمغرب وليبيا ومصر وجزئيا في الجزائر وموريتانيا في تحقيق المصالحة مع الذات والاخر وفي تشجيع التعددية الفكرية والثقافية والانفتاح على قيم الحداثة وعلى التيارات العلمانية الليبيرالية واليسارية أم يحصل العكس ؟ ثم هل سيقبل الاسلاميون الفائزون في الانتخابات او الذين يستلمون الحكم بعد ثورات مجموعات مسلحة ودعم عسكري اجنبي ، القراءات والمواقف المختلفة معهم من داخل المنظومة العربية الاسلامية والانتقادات بعيون اسلامية ام يتورطون في معارك " الاخوة الاعداء " وتصفيات" داخلية " على غرار ما يجرى من اقتتال بين " الجماعات الاسلامية " في افغانستان والعراق والجزائروالصومال والسودان ؟ دور ريادي لتونس ومصر يقول الكاتب :" هذه التساؤلات وغيرها تستحق اجابات عاجلة وتفكيرا هادئا في تونس ومصر رائدتا النهضة الفكرية والسياسية منذ مطلع القرن ال19 ومهد الثورات الشعبية العربية الجديدة و تستحق حوارا مفتوحا حولها بين العلمانيين الليبراليين واليساريين والاسلاميين بمختلف مدارسهم وتياراتهم في كامل شمال افريقيا والوطن العربي..بصرف النظر عن " الاجندات الظرفية" لبعض الدول والقوى الاستعمارية الجديدة والجهات المكلفة بالترويج لها بهدف اجهاض تطلعات الشعوب للاصلاح والتغيير الشامل ..ولمستقبل افضل .." شهادات من الداخل وحتى لا يختزل تناول هذه الاشكاليات في مقاربات تحليلية وقراءات نظرية واكاديمية وتاكيدا على حرص الكاتب على مخاطبة الجمهور العريض والنشطاء السياسيين العلمانيين والاسلاميين اثرى كمال بن يونس مؤلفه بمجموعة من الوثائق والشهادات الحية "من داخل البيت" . بل لعل من اكثر اجزاء الكتاب اهمية الشهادات التي قدمها الكاتب وقدم من خلالها تعريفا عن قرب لعدد من رموز الصحوة الثقافية والسياسية الاسلامية والعربية في تونس من العلامة محمد الفاضل بن عاشور الى قيادات التيار الاسلامي الجديد بمختلف مدارسه من محمد الصالح النيفر وعبد القادر سلامة الى راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وابرز اعضادهما وصولا الى رموز المراجعات الفكرية والسياسية من زعامات تياري الاسلاميين التقدميين والاسلاميين المستقلين ثم داخل حركتي الاتجاه الاسلامي والنهضة مثل الاساتذة احميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي والقيادات الطلابية السابقة للاتجاه الاسلامي مثل العجمي الوريمي وعبد اللطيف المكي وعبد الكريم الهاروني ..وغيرهم من النشطاء الذين اصبح بعضهم يتحمل مسؤوليات عليا في الدولة فيما اختار اخرون الاستقلالية او الانضمام الى احزاب منافسة لحزب النهضة وحلفائها في التريوكا.