أثار نشر فيديو لمنار السكندراني يظهر فيه والده وهو يحتضر ردود فعل متفاوتة اذ احتج البعض وتعاطف البعض الاخر.. هذا وقد فارق والده الحياة رحمه الله ورحم جميع المؤمنين تاركا وصية اراد منار السكندراني نشرها والتمس منا ذلك وها نحن ننشرها نزولا عند رغبته فتحت عنوان "هكذا أوصى أبي رحمه الله قبل موته" جاءت هذه الوصية وفيما يلي نصها: " "قدر التونسيون أن يعيشوا متوافقين" هي من الكلمات الاخيرة التي أوصى بها أبي محمد بن صالح السكندراني الذي لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الأحد 10 نوفمبرمن هذا العام في مستشفى من مستشفيات باريس التي قضى فيها سنواته الأخيرة هاربا من جحيم الرئيس المخلوع بعد أن ذاق مثل جميع أفراد عائلتي أنواعا من التنكيل بسبب تورط أبنه البكر في "الإنتماء إلى حركة الإتجاه الإسلامي ثم النهضة" وانخراطه في حسب زعم دولة البوليس "الارهاب العالمي". والتوافق الذي قصده أبي رحمه الله هو أن يعيش التونسيون –كما تعودوا- بجميع انتماءاتهم ومرجعياتهم عائلة واحدة في وطنهم الواحد ولا سبيل إلى اقصاء أي أحد منهم مؤكدا أنه لا يزال يذكر كيف أنه بُني حجرا حجرا من طرف جميع أبنائه خاصة بعد الإستقلال وما عليهم الا المحافظة عليه رغم كل الصعوبات والعوائق حتى لا يُستغل الضعف والغفلة للنيل منه. مات أبي رحمه الله وهو الذي كاد أن يدفن حيا في معركة الجلاء ببنزرت بعد أن اعتبر في عداد الشهداء لتكتب له الحياة من جديد. مات ذاك الرجل مؤمنا بتونس الوفاق والعيش المشترك معتبرا أن لا حل لتونس إلا في توافق أبنائها كان أبي رحمه الله يتألم لوجع بلاده وهو الذي حرم من أديم ترابها حين موته .كان رغم بهرج التقدم الغربي يقول لي إن تونس أفضل دول العالم وإن ما فيها أرقى ما في الدنيا . كيف لا يحب بلاده و هو أصيل مدرسة لا تربي أبناءها إلا على حب الوطن وبذل أغلى ما لديها لصالح الأوطان، مدرسة قدمت ولا زالت تقدم من أجل البلاد دماء شبابها وتسهر على حماية أمنه واستقراره،.مدرسة الحرس الوطني الذي عمل بها رحمه الله منذ سنة 58 لتنتهي به رحلة العمل في صفوفه قبل "انقلاب" بن علي بأسبوع واحد، وكم كان سعيدا بذلك أبي علمنا أن نكون عونا للأخرين وعلمنا التسامح والتآزر وحب الآخرين وكان بورقيبيا إلى النخاع ويعتبر "الشاتمين" في بورقيبة ناكري الجميل ولم يفهموا حقيقة التاريخ. فقد كان يحب بورقيبة مثل أغلب أبناء جيله و اعتبره أبا وباني تونس الحديثة وهو الذي وهبها عمره وشبابه. كما كان يكره اؤلئك الذين يتاجرون به اليوم مؤكدا أن من يحب بورقيبة عليه أن يحب بلاده و يضحي في سبيلها و يعمل من أجل نموها ورقيها ورفعة شعبها تحت راية المصالحة الوطنية في خدمة المصلحة الوطنية. فهذا ما قام به بورقيبة وهذا ما يجب أن يقوم به كل وطني مخلص. " اذا أردت أن تنجح فاعتبر نفسك صاحب العقل و أنظر الى البقية كمجانين" إحدى النصائح الذهبية التي علمني اياها رحمه الله وهو يدربني على سياقة السيارة والتي اعتمدتها كقاعدة ذهبية في مسيرتي المهنية وهي عنوان نجاحي. رحم الله أبي رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه كان عاشقا لتونس محبا لها وفيا لها كان في عمله لا يتوقف ليلا نهارا قدم الخدمات للكثيرين وخيره على من عرفه معلوم وكان كارها للفتنة محبا للسلام. لم يشأ الله أن يعود حيا إلى تونس ولكنه إن شاء ربي سيدفن في المنستير اليوم الجمعة. سيبقى أبي خالدا حيا في قلوبنا ونسأل الله تعالى أن نكون له من الأبناء الأبرار الذين يدعون لآبائهم ورزق الله كل المسلمين والصبر والسلوى. كان يقول لي " تبا لمن تصور أن بدونه لا تبنى تونس وتبا لمن تصور أنه بإقصاء الآخر تبنى تونس، فتونس التي عرفت كل الحضارات وتأقلمت مع كل العصور تصالحت وتعايشت مع الكل فلتبق تونس وفية لمبدئها فتونس تتسع للجميع.