قد نلقي نظرة على ما يدور بين شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء من تحركات التنظيمات الارهابية، في هذه المنطقة، لنجد أن العلاقة العملياتية التي تجمع هذه التنظيمات تدور حول نفس الأهداف وهي التأسيس لنواة "إمارة إسلامية". على الأقل ذلك أول ما أثبتته جميع التحقيقات التي تمت منذ تأسيس "القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" سنة 2007. إلا أن هذا التنظيم تعلّم جيدا من دروس أفغانستانوباكستان واليمن، و"خيبات" التي منيوا بها، بالتركيز على مركزية القيادة في إدارة العمليات الإرهابية التي تم على إثرها تصفية الزعيم الأول ل"قاعدة الجهاد العالمي" في باكستان وهو أسامة بن لادن. ومن هذه الدروس أن إعادة التنظيم والإنتشار ضمن فضاء جيوسياسي واحد يمكن من الافلات والمناورة. وبطريقة أسهل فإن "قاعدة المغرب" "فرخت" تنظيم "الملثمين" أو "الموقعين بالدم" وتم إرسالهم إلى جنوبالجزائر والصحراء الكبرى. هذا التفريخ جاء لتحقيق هدفين لتنظيم القاعدة في المغرب: أولهما غاية اقتصادية وهي توفير دخل لهذا التنظيم من تهريب المخدرات والسلاح عبر الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي إلى الضفاف الجنوبية للبحر المتوسط، وهذه العملية كانت من اختصاص مختار بلمختار أو كما تدل عليه كنيته "السيد مالبورو"، وكذلك عن طريق عمليات اختطاف الأجانب والمطالبات بالفدية وهو ما وفر كميات كبيرة من الأموال. ثانيهما الانتشار أكثر ضمن الفضاء الجيوسياسي المغاربي بما يسمح بتحقيق 3 أهداف: -/ التمكن من نشر خطر هذا التنظيم في بلدان المغرب العربي، بما يمكن من تجنيد أكثر عدد ممكن من الناس في الإطار المغاربي والإفريقي. -/ التمكن من إيجاد مناطق جديدة يتمكن من خلالها التنظيم ككل من إيجاد عديد مخابئ جديدة ضمن الفضاء المغاربي أو الفضاء الإفريقي في الصحراء الكبرى التي لا يمكن مراقبتها بسبب صعوبة التضاريس الصحراوية. -/ الدخول أكثر إلى الجنوب ومحاولة ارساء علاقات وتحالفات جديدة مع منظمات ارهابية أخرى في الفضاء الافريقي، أبرزها حركة التوحيد والجهاد في افريقيا الغربية، وكذلك جماعة بوكو حرام التي تتمركز في نيجيريا وتقوم بعمليات على مستوى غرب إفريقيا وصولا إلى الكاميرون، أو بالتعاون مع تنظيمات انفصالية أخرى في مالي ضمن طوارق أزواد (ما تحقق فيما بعد مع انفصالي حركة تحرير أزواد وتأسيس ما يسمى بحركة "أنصار الدين" وهي عبارة على "قاعدة الطوارق" غرب السودان في دارفور، وكذلك مع تنظيم "الشباب في القرن الإفريقي" الناشط في الصومال والمسؤول على عدة عمليات عبر قطرية. ولعل كل هذه الأهداف كانت مرسومة ضمن تنظيم القاعدة في "بلاد المغرب الإسلامي"، لتحقيق هدف منشود، إيجاد منطقة لتأسيس نواة "إمارة إسلامية"، كانت ستتحقق في شمال مالي، لو لا تدخل فرنسا وبعض بلدان الساحل والصحراء وبلدان افريقيا الغربية عسكريا ومنع هذا السيناريو بعد وصول طلائع التكفيريين على أبواب العاصمة المالية باماكو. ولعل مشاركة كل التنظيمات التكفيرية المذكورة آنفا في مالي هو الذي يدل على هذه التحالفات ذات البعد التنظيمي العسكري وما يبين وحدة الهدف المشترك بينهم في إطار التأسيس لهذا التنظيم. إن هذا التحليل يحيلنا سريعا إلى أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أعطى مرتكزا جيوسترتيجي للتنظيم ككل، وساهم في افلات التنظيم من احكام القبضة المحكم من قبل أجهزة الأمن والجيوش خاصة منها الجزائرية (التي تعتبر أكثر الجيوش انخراطا في محاربة هذه الآفة ضمن الفضاء المغاربي). في نفس التوقيت فإن هذا الإمتداد جنوبا ضمن تكتيك "التفريخ والإنتشار" قد ساهم في زيادة قوة هذا التنظيم ضمن استراتيجية جديدة واستراتيجية التسمية التي أصبح التنظيم المركزي للقاعدة في باكستان يتبعها وخاصة بعد انتقال الزعامة إلى أيمن الظواهري. فالملاحظ ضمن هذه الإستراتيجية أن التنظيمات المتفرعة من "قاعدة الجهاد العالمي" المنبثقة عن حركة "الأفغان العرب" إبان انتهاء الحرب السوفياتية في أفغانستان، أن التنظيمات أضحت تسمى بعدة أمثلة "أنصار الشريعة" وهو اسم تداول في تونس وليبيا واليمن، أو مجلس المجاهدين في مصر وتحديدا في سيناء، أو جبهة النصرة في سوريا، كذلك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (كان اسمه قبل مقتل أبو مصعب الزرقاوي القاعدة في بلاد ما بين الرافدين)، ثم أصبحت "داعش" أو الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد انخراطه في الصراع الموجود في سوريا، كذلك كتائب عبد الله العزام (مؤسس تنظيم الأفغان العرب والمنظر الأول للقاعدة وأستاذ أسامة بن لادن)، تنظيم الشباب في القرن الإفريقي المتمركز في الصومال، أو أنصار الدين، أو حركة التوحيد في مالي، بوكوحرام في نيجيريا. والملاحظ أن هذه الإستراتيجية أي استراتيجية التسمية أتت في نفس الوقت الذي بدأت فيه "القاعدة في المغرب الإسلامي" في اتباع استراتيجية اعادة الإنتشار والتمدد، والتي مثلها بامتياز المختار بالمختار مع تنظيم "الموقعين بالدم" والمبايع لاسامة بن لادن. لكن بنفس الطريقة فإن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أرادت التمدد شرقا في اتجاه تونس، وجنوب في اتجاه ليبيا، وكان هناك محاولات خاصة في سنة 2007 في تونس ضمن ما سمي بأحداث سليمان في تونس، والتي أبرزت هذا الإمتداد وكذلك في الغرب في المغرب، وفي موريطانيا التي تمركز فيها التنظيم في الشمال الشرقي. لكن ما يميز كل هذه الإختراقات أنها تمت بصمت تام، وحاولت في وهلة أولى التمركز بالجبال والمناطق ذات التضاريس الصعبة والتي يصعب على الأمن التعامل معها. إلا أنها وجدت مواطئ قدم ضمن المدن في شمال افريقيا بعد قيام "الربيع العربي"، والذي بدأ بما يمكن أن نطلق عليه "الإختراق الصامت" للمدن في هذه البلدان التي كانت صعبة الإختراق قبل قيام الثورات. إلا أن الانفجار الذي حصل في ليبيا مكن هذه التنظيمات من "كنز" كبير، مضمونه مصدر سلاح كبير ومكنونه أراض جديدة للتدريب خاصة في الجنوب الليبي وفي بعض المدن الساحلية التي يتمركز فيها خاصة تنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا وبالتحديد مدن بنغازي في الشرق وبرقة في شرق ليبيا. إن هذه الإستراتيجيات التي مكنت من أن يكون للتنظيمات مرونة كبيرة في التحرك والمناورة، لم يمنع هذه التنظيمات من الحفاظ على تكتيك "الهجرة والتكفير" وهو المحور الذي تدور عليه فكرة "الجهاد العالمي"، لذلك نجد مثلا في المجموعات التي قامت بعمليات في تونس وخاصة في سليمان والشعانبي جنسيات أخرى مثل النيجيريين والجزائريين والموريطانيين، بمثل ما نجد تونسيين في عملية عين أميناس في الجزائر، وكذلك تونسيين وليبيين في سوريا، وهي نفس الفكرة التي بني عليها تنظيم القاعدة في أفغانستان إبان الحرب السوفياتية، والتي أسماها بن لادن ب"دار الهجرة"، وبنفس الطريقة يسمى الأجانب الذي يحاربون في سوريا ب"المهاجرين". إن هذه الفكرة هي التي توفر للتنظيمات الإرهابية التحكم على كافة تفريعات التنظيم مهما كان اسمها، فالمجند يذهب للتدرب ثم الجهاد ثم العودة ل"تطهير المجتمع من الرجز" حسب ما تقتضيه الشريعة حسب اعتقادهم، وعلى ما استند عليه الحديث النبوي "من رأى منكرا فليغيره بيده..". إن مختلف التكتيكات والإستراتيجيات التي أتينا على ذكرها، مكنت "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من اختراق المدن وتمكنت من مواصلة تجنيدها للمقاتلين، والاستفادة من التنسيق غير المنظم لاجهزة المخابرات الاقليمية، وعدم الذهاب لإيجاد حلول جدية تبني على استيباق الارهاب في قمقمه.