ألقى اليوم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي كلمة بمناسبة الذكرى 86 لوفاة رائد الحركة النقابية التونسية محمد علي الحامي . ووفقا للصفحة الرسمية لاتحاد الشغل وفيما يلي نص كلمة العباسي : "نُحَيِي اليوم في خشوع وإجلال لإحياء الذكرى 86 لوفاة رائد الحركة النقابية التونسية "محمد علي الحامي" باعث أوّل تنظيم نقابي حرّ ومستقلّ في بلادنا. فلنقف دقيقة صمتٍ ترحُّما على روحه الطاهرة واحتراما وتقديرا للمبادئ الذي ناضل وضحّى من أجلها وللأفكار الذي أسّس لها. إنّ استحضارنا لتاريخ روّادنا، أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، هو من قبيل الوفاء والعرفان لِما قدّموه من تضحيات ومن اسهامات في إعلاء كلمة الحقّ وفي الدفاع عن قِيم الحرية والعدالة والمساواة، وهو الطريقة الأفضل التي دَأَبنا عليها لتقييم الذات والوقوف على ما حقّقنا من إضافات وعلى ما سجّلنا من انتكاسات. فهو موعد متجدّد لاستخلاص العِبر ولِشَحذ الهِمم لمعاودة الانطلاق من حيث انتهينا ونحن مدركون لنقاط قوّتنا ولِمكامِن ضعفنا... مدركون للتحدّيات التي تتربّص بنا وللفرص المتاحة أمامنا. الأخوات والإخوة، كما تعلمون جميعا، فقد وُلد محمد علي الحامي بهذه المدينة المعطاءة وزاول تعليمه الابتدائي بها بداية من سنة 1896 ولمّا نَزَح والده إلى تونس العاصمة، في عام 1899، أخذه معه فقضى شبابه هناك حيث كان يشتغل نهارا ويدرس ليلا ليرفع من مستواه المعيشي والعلمي. وقد صادف أن تعرّف في مقتبل شبابه على أنور باشا الضابط التركي فصاحبه إلى ليبيا سنة 1912 عند الغَزْو الإيطالي لها، ثمّ انتقل معه إلى تركيا حيث واصل دراسته هناك قبل أن يستقرّ في ألمانيا بعد ان تحصّل على مِنحةٍ لمواصلة تعليمه العالي ونَنْهَلَ الكثير من الفكر الاشتراكي الذي كان شائعا هناك وتأثّر بتجربة الاقتصاد الاجتماعي الذي كان قائما على الوحدات التعاونية. وإثر حصوله على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، عاد إلى تونس حيث التقى بابن بَلدته الطاهر الحدّاد الذي كان هو الآخر قد أنهى دراسته بالجامعة الزيتونية والذي كان ينشط ضمن اللجنة التنفيذية للحزب الدستوري القديم كَمُكَلَّفٍ بتأطير الشباب والدعاية للحزب. لقد أدرك محمد علي الحامي أهمية العمل التعاوني والتضامني في الصمود أمام المستعمر فبادر بالدعوة إلى تأسيس شركات تعاونية زراعية وصناعية وتجارية ومالية يتولّى إدارتها شُبّان وطنيون من المزارعين والتجّار الصغار والحرفيين. لكن أفكاره ومبادراته اصطدمت بمعارضة المُتَنَفِّذِين في الحزب القديم فاتّجه فِكرُه إلى تنظيم العمّال حيث سارع بإنشاء أوّل تنظيم نقابي تونسي مستقلّ عن النقابات الفرنسية تمثّل في جامعة عموم العملة التونسيين وذلك بمساعدة ثلّة من الشبّان التونسيين المخلصين. وقد لاقت هذه المبادرة تجاوبا كبيرا لدى العمّال التونسيين فأقبلوا على الانخراط فيها وكان في مقدّمتهم العمّال المنحدِرون من الجنوب ومعظمهم من "المْطَاوَة والحْوَامِيَّة" الذين كانوا يعملون في المطاحن و"فَبْرِيكَاتْ" السميد والعجين و"هَبَّاطَةْ" المواني وسكّة الحديد بجبل الجلود. لكن الاستعمار الفرنسي كان بالمرصاد لهذا العمل فتحرّكت الآلة القمعيّة لتُوْدِع أغلب قادة هذا التنظيم النقابي الأصيل الناشئ في السجون ولِتَحْكُمَ على محمد علي الحامي بالنَّفْي خارج البلاد التونسية حيث توفِّي في حادث سير مشبوه بالسعودية التي خيّر الإقامة بها. الأخوات والإخوة، يَكفي اليوم أن نَتمعَّن في واقعنا الحالي لنتبيّن مدى الحاجة إلى الاستلهام من تجارب الروّاد ومن معاني نضالاتهم وتضحياتهم. فتاريخ حركتنا حافل بها ومسيرات المؤسّسين مدارس لا تَنْضَبْ لكلّ من يريد أن ينهَل منها. إنّنا أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، نواجه اليوم تحدّيات في حجم التحدّيات التي عاشها محمد علي الحامي ورفاقه مع بداية القرن الماضي، تحدّيات بناء المجتمع على قواعد تختلف على تلك التي أرادها لنا نظام الحزب الواحد والرأي الواحد والقرار الواحد... تحدّيات التأسيس لنموذج جديد للمواطنة المسؤولة القائمة على حقّ المشاركة وعلى حرية المبادرة والاختيار. لقد وضعتنا ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية أمام مسؤولية المساهمة في إنجاز مهمّة الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وأمام واجب السهر على حماية أهدافها والدفع نحو الاستجابة لاستحقاقاتها. لم تُثْنِينَا دعوات المناوئين ولم تُرْبِكْنَا حملات التشويه والاعتداءات التي استهدفت مقرّاتنا ومناضلينا. ولم نستسلم لحمّى التجاذبات والصراعات التي وصلت إليها الحياة السياسية ولا لتردّي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي آلت إليها البلاد وعلى امتداد السنوات الثلاثة الماضية. لقد راهنّا على الحوار الوطني وعلى التمشِّي التوافقي سبيلا لمعالجة خلافاتنا بأنفسنا وأثبتنا للعالم بأسره أنّنا جديرون بما أنجزناه على درب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... جديرون بما رسمناه من أهداف واستحقاقات على درب التأسيس لمجتمع الديمقراطية. ويكفينا فخرا أنّنا سعينا من موقعنا، وبكلّ صدق، في إطار مبادرة الحوار الوطني لِلَمِّ شَمْلِ الفُرَقَاءْ، في وقت بلغت فيه التجاذبات حَدّ العِداء، فكان أن سَرَّعنا في صياغة الدستور والمصادقة عليه، وفي انتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وفي التوافق بشأن تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وبشأن القانون الانتخابي. يَكفينا فخرا الاعتراف المشهود والتاريخي والتقدير منقطع النظير الذي يَلْقَاهُ اتحادنا كلّ يوم في الداخل والخارج من نُخَبٍ وطنية ونقابات وشعوب ودول العالم لعلّ أبرزه التعاطف التلقائي مع مبادرة ترشيح منظمتنا لنيل جائزة نوبل للسّلام. لِنَكُن أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة، في مستوى الأحداث التي تمرّ بها بلادنا، وَلْنَبْقَ دوما أوفياء أوفياء لدماء الشهداء، ولنجعل من انجازاتهم وتضحياتهم البطولية مَنْهَلاً لِشَحْذِ هِمَمِنَا وَشَدِّ عزائمنا حتّى نكون أحسن خلف لخير سلف. ولنجعل من مبدأ استقلالية العمل النقابي الذي غرس محمد علي الحامي بذرته الأولى وترسّخ على أيادي حشّاد وأحمد التليلي والحبيب عاشور في أعماقنا وفي وجداننا، الخيط الرفيع الذي يقود خُطَانَا في الدفاع عن مصالح عمّالنا ونصرة قضايا شعبنا والذَّوْدِ عن عزّة وطننا. المجد والخلود لرائد الحركة النقابية التونسية عاش نضال الحركة العمالية من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عاش الاتحاد العام التونسي للشغل حرّا مستقلاّ ديمقراطيا ومناضلا"