بدأت أزمة الحكومة الحالية تصل الى نهايتها بعدما تحرك بعض نواب الشعب أخيرا وأمضوا على لائحة تطلب من مكتب المجلس اعادة النظر في الثقة التي سبق ومنحوها لهذه الحكومة بأغلبية موصوفة لما كان الود قائما بين قطبي الحكم النهضة والنداء والشقوق التي خرجت من هذا الأخير وشكلت أحزابا بقيت تدور في فلك السلطة على أمل الرجوع اليها بعدما ذاقها البعض منهم وبقي آخرون ينتظرون دورهم فيها. كان ذلك بعد أزمة طالت أكثر مما تتحمله الحالة التونسية وبعد اشتعال كل المؤشرات بالأحمر وانهيار الدينار واختلال الميزان التجاري ونزول المخزون من العملة الصعبة عن الحد الأدنى المتفق عليه دوليا. لم تنفع مبادرة قرطاج الثانية ووقف حمار الشيخ في عقبة النقطة 64التي تتعلق باستقالة أو اقالة الحكومة على نمط الطريقة السابقة التي أنهت حكومة الحبيب الصيد التي سبقتها وأتت بيوسف الشاهد رئيسا لهذه الحكومة. من وقتها بقيت تونس تعاني أزمة حكم أكثر منها أزمة حكومة وظهر ذلك خاصة بعد الانتخابات البلدية وعزوف الناخبين عنها ونجاح المستقلين بأكبر نسبة وزادها افتكاك النهضة لأغلب البلديات المهمة ومنها حاضرة تونس ومدن صفاقس والقيروان وبنزرت وغيرها من المدن والقرى الأخرى المهمة. لقد باتت حكومة الشاهد هذه معزولة تتلقى الضربات يميناً وشمالا وتخلى عنها نداء تونس الحرب الذي ينتسب اليه رئيسها وهو من رشحه لتلك المهمة، ولكنه الآن بات يكيل له الضربات بمساندة المنظمة الشغيلة التي باتت تنذره بالوبال والثبور اذا أقدم على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي اشترطها عليه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي مقابل منح تونس بعض القروض اللازمة لتدوير العجلة وخلاص أجور الموظفين. لقد شعرت هذا الأسبوع باشتداد الأزمة وحدة التصاريح المنسوبة للنداء واتحاد الشغل واتهام الحكومة بالمناورة وطلب تبيضها بواسطة وكالة اشهار بريطانية مختصة وتأكيد ذلك الخبر من طرف سفيرة صاحبة الجلالة بعدما وقع تكذيبه رسميا من الحكومة. انها في نظري محاولات يائسة يقوم بها يوسف الشاهد رئيس الحكومة، وقد سبق أن كتبت يوما في هذا الموقع وقلت له بصراحة بأنه سوف يخرج من الباب الذي دخل منه لأنه لم يكن له في رصيده شيئا يحميه سوى رضاء من أتى به من فوق رؤوس المجتمعين في مبادرة قرطاج الأولى. لذا كان عليه أن يقبل بقانون اللعبة التي لم تكن طبيعية ولكنها كانت محمية بفعل الأمير كما نقوله نحن رجال القانون في القوة القاهرة والأمر الطارئ وفعل الأمير تبريرا لبعض الجنح والجرائم في دفاتنا أمام المحاكم القضائية، واترك له الرأي والحريّة لأني لن أستفيد من بقائه ولن أبكيه اذا سحبت الثقة منه، ولكن ذلك سيؤثر كثيرا على تونس التي نالت من الركلات أكثر ممن كانت ثارت عليه. وأقول بالمناسبة وبمسؤولية تامة بأن مقومات الحكم عندنا في تونس باتت فاشلة لأن القائمين عليها لم يحترموا الحد الأدنى من الوعود التي قطعوها على أنفسهم وبان عجزهم وانفضح أمرهم وكان عليهم أن يذهبوا الى التقاعد ليتركوا المكان لجيل غير جيلهم يفهم أكثر في الحوكمة واستعمال الادارة الرقمية التي باتت وحدها تسير الدنيا. كما كان علينا الإدراك بأن التغني بأمجاد الماضي والحنين الى المنظومات القديمة لن نجني منه شيئا الا الخسران المبين والدفع بأبنائنا وأحفادنا الى نصب مقدمين علينا ويحجرون علينا وقد يضطرون لوضعنا في دور العجز لنكمل ما تبقى لنا من حياة في هذه الدنيا.