لم يصادفني وانا اطلع على برامج الاحزاب الرئيسية في البلاد اي تصور او رؤية لما ينادي به جل الامنيين وغالبية التونسيين منذ سنين للامن الجمهوري والمحايد عن التجاذبات الحزبية والصراعات السياسية ان الامن الجمهوري ,هو بالاساس قناعة و خيار دستوري و قانوني و سياسي, يتطلب اجماع اصحاب القرار في الحكم او في المعارضة,دون لبس او نفاق ,و هو كذلك ليس من المسائل التقنية او الفنية التي لا يحق الخوض فيها الا لاهل الاختصاص . تقوم فلسفة الامن الجمهوري على الولاء الحصري للجمهورية و الوطن ,و على انفاذ القوانين على الجميع دون تمييز او استثناء, و على احترام القانون و حقوق المواطنين و المواطنات , و على اليات داخلية مظبوطة و علمية ومنطقية و منصفة في تعيين المسؤولين و القيادات المركزية او الجهوية او المحلية, و على رفض جميع التدخلات الحزبية او السياسية ,و على الخطط و الاستراتيجيات و التكتيكات الامنية كصلاحيات حصرية للخبراء و الفنيين و اصحاب الاختصاص صلب الوزارة الامنية ,و على نظام اساسي يحدد حقوق وواجبات عون الامن ,و على حماية قانونية له اثناء او بعد اداء مهامه ,و على الحق في العمل النقابي و في المطالبة بتحسين ظروف العمل او المنح او الامتيازات و غيرها من الحقوق الشغلية المشروعة ... كما يقوم الامن الجمهوري, على وزير مشرف مستقل, على الاقل في الظروف الحالية ,عن الاحزاب السياسية , اضافة لخصاله الشخصية الملائمة لما تتطلبه المسؤولية الامنية . يحدد الاولويات الامنية و مسؤول عن النجاعة و المردودية و القيادة و رفع الروح المعنوية ,و في نفس الوقت, مراقب و محاسب للتجاوزات او الخروقات او التقصير التي لا يخلو منها اي قطاع , عن طريق مصالح التفقدية العامة و هياكلها المركزية و الجهوية و المحلية ,و متخاطب اساسي مع جميع الاطراف السياسية او الاعلامية او الجمعياتية او الحقوقية او المواطنية ...,فيما يتعلق بالتبليغ عن تجاوزات محتملة او البحث عن تنسيق مطلوب في كنف الحيادية و الشفافية . ان الامن الجمهوري ,هو قبل كل شيء عقلية تكتسب بالممارسة الفعلية ,و التي يوم ترسخ صلب المؤسسة الامنية ,مثل ما ترسخ الحرية الاعلامية صلب المؤسسات الاعلامية او الاستقلالية القضائية صلب السلطة القضائية ,فلن تقدر اثر ذلك,اي جهة سياسية او حزبية ان تنتزعها او تحرفها مهما فعلت او مكرت, و لو وصل الامر لتعيين وزير متحزب مسيس حامل لاجندا و مخطط لضرب حيادية و جمهورية المؤسسة الامنية ,فلن يفلح في ذلك ابدا . و يبقى تعيين وزير مدني على راس الوزارة الامنية في رايي, افضل الخيارات المتاحة من اجل تكريس الامن الجمهوري ,على عكس وزير من سلك الامن يمكن ان يغض النظر عن التجاوزات الامنية المحتملة في حق المواطن او غيرها من الخروقات المرتكبة من زملائه السابقين ,و نظرا ربما لتاقلمه مع وضعيات بحكم ممارسته الامنية الفارطة لم يعد يراها من المنكرات,و هي ليست خصوصية لقطاع الامن بل تشمل كل القطاعات المهنية . و كذلك ,لا اعتبره مناسبا تعيين عسكري على راس المؤسسة الامنية ,حفاظا على الفصل مع التنسيق في نفس الوقت بين المؤسستين العسكرية و الامنية . كما اني اعتقد ,انه من اجل تحييد المؤسسة الامنية عن التجاذبات السياسية ,يكون من الانجع و الافضل ,فصل المهام الامنية عن الجماعات العمومية و المحلية ,و بالتالي سحب الصلاحيات الامنية من ولاة الجمهورية, الذين هم معينون من الاحزاب السياسية المشكلة للحكومة ,كما سبق ان قرره وذهب فيه السيد الحبيب الصيد سنة 2016 و تم التراجع عنه اثر رحيله عن السلطة . و بذلك ,نؤسس لوزارة خاصة بالامن الجمهوري, يشرف عليها وزير, يا حبذا ايضا ,لو يتم تعيينه من طرف رئيس الجمهورية ,الذي بحكم الدستور, يتخلى عن صفته الحزبية بمجرد فوزه في الانتخابات, ليصبح شخصية مستقلة غير متحزبة و رئيسا لكافة مواطنيه من دون استثناء . من اجل كل هذا ,و لانه كما كتبت سابقا ,لا اتوقع ان يكون بيدقا في يد الاحزاب السياسية مثل كثير مما وقع تعيينهم سابقا, و لانه حامل لرؤية و تصور للامن الجمهوري ,و لانه مستقل حزبيا, و لانه صاحب خبرة ,و نظرا لخصاله القيادية, فاني اقترحت شيخا تسعينيا ,مستقبله وراءه, لتولي منصب وزير داخلية, عله يجسد داخلها العقلية الجمهورية المطلوبة, و الهيكلة الناجعة الضرورية و غيرها من المهام التاسيسية و الاساسية لمدة زمنية و من ثمة فلا مفر, في ان ياخذ المشعل بعده,من هو ربما اكثر منه نشاطا و حيوية و تلك سنة الحياة و التداول . كما اؤكد مرة اخرى, اننا لا زلنا في مرحلة انتقالية و تاسيسية و ان تبلورت مظاهرها في عدة قطاعات ,فانها لم تلامس بعد المؤسسة الامنية ,التي بقيت رهينة التجاذبات السياسية و الحزبية, لمن يريد التوجيه او التوظيف او ربما ضمان عدم عدائها له ...على حساب النجاعة و المردودية و امن التونسيين و التونسيات . فما راي الاحزاب السياسية و رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية, خصوصا مع تصاعد المطالب المشروعة للنقابات الامنية و لجل الامنيين و المواطنين الشرفاء, في تحييد المؤسسة الامنية عن الصراعات السياسية و التجاذبات الحزبية ? و ان اخترتم غير السيد الطاهر بلخوجة ,و الذي اكرر, انه لا تربطني به اي علاقة سياسية او عائلية لا من قريب و لا من بعيد , و الذي ربما يكون منزعجا من اقتراح اسمه لتولي هاته المسؤولية ,و لكن ذلك بحكم انه شخصية عامة ووطنية ,فرجاءا ,ان يقدم للشعب و مجلس نوابه و قبل مباشرة مهامه ,تصوره و رؤيته للمؤسسة الامنية و كيفية تحييدها عن التجاذبات و الصراعات السياسية و ماذا ينوي فعله ازاء مختلف المطالب النقابية و الاستحقاقات المهنية و القطاعية, ليس بالوعود او الكلام المعسول, بل ببرنامج مكتوب , يلتزم بتطبيقه امام الشعب ,الذي تقف غالبيته العظمى في صف واحد مع قواتنا الامنية و العسكرية ,في مواجهة مختلف التحديات الامنية و الوطنية . عاشت الجمهورية ,عاش الامن الجمهوري المحايد, و المجد للشهداء .