من الطبيعي في مجتمع يعيش في ظل حكم ديمقراطي أن يكون هناك تنافس وفق الدستور حول السلطة باعتبار أن التداول السلمي على الحكم والسلطة هو أهم ميزات الأنظمة الديمقراطية لكن كما أشرنا فان هذا يبقى مشروطا بعدم خروجه عن الأطر القانونية والدستورية بمعنى أوضح ان المحدد والفيصل في ذلك هو صندوق الاقتراع. ما يمكن ان نطرحه في خصوص هذا هو : هل وصلت الطبقة السياسية عندنا لهذا المستوى أي حصر التنافس في مجاله الدستوري؟ في الظاهر فان الأمر يسير في هذا الاتجاه وهنا نحن لا نتحدث عن منصب رئاسة الجمهورية فقط بل وعن السلطة التنفيذية التي تنبثق عن الانتخابات التشريعية . لكن ما يعنينا أولا هنا هو منصب رئيس الجمهورية باعتبار أن هذا المنصب له رمزية خاصة عند التونسيين حتى وان كانت صلاحياته الفعلية محدودة وفق الدستور فالنظرة وفق ما بني من وعي سياسي منذ 1957 يقوم اساسا على ايلاء رئيس الجمهورية القيمة الأهم باعتباره رمز السلطة ومن ورائه فان قصر قرطاج هو السلطة في الأذهان وليس من السهل تغيير ذلك فتقبل كون رئيس الحكومة هو الأكثر صلاحيات يحتاج وقتا طويلا ليتكرس. لكن ماذا يحصل اليوم؟ ما يحصل اليوم هو أن بوصلة الأحزاب والسياسيين متجهة مباشرة نحو قصر قرطاج فهناك اعتقاد كون الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي لن يجدد ترشحه لفترة رئاسية ثانية بسبب عامل العمر والسن وعلى هذا الأساس فالجميع عينه على كرسي السلطة في قصر قرطاج . الطرفان الأكثر اهتماما وحتى انشغالا بهذا حتى وان لم يعلنا ذلك صراحة هما النهضة والنداء وهما الى الآن لم يظهرا شخصية منهما سيراهنان عليها للوصول الى قصر قرطاج والتربع على كرسي الرئاسة هناك. لكن مع هذا هناك مؤشرات يمكن ان نفهم بها ما يحصل. بالنسبة للنهضة فان قيادات منها صرحوا كونه لا مانع أن يرشح رئيس الحركة أي راشد الغنوشي نفسه لمنصب الرئاسة فيما تقول قيادات أخرى أن الأمر لم يفصل فيه بعد لكن المرجح هو أن النهضة هذه المرة سترشح شخصية لهذا المنصب ان كانت متحزبة منها أو محسوبة عليها . بالنسبة للنداء فان الأمر سيكون أصعب فان تم اتخاذ القرار بترشح ثان للباجي قائد السبسي فان عامل العمر لن يكون مساعدا وان تم اختيار شخصية أخرى فهذا صعب أيضا ونقصد هنا ضمان الفوز لأن النداء لا يمتلك مرشحا مفترضا له شعبية باستثناء رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد الذي تعارضه قيادات كثيرة في حزبه. لكن باب الترشحات لن يغلق هنا بل سينفتح على مصراعيه بل سنجد العشرات يعلنون ترشحهم أكثر مما حصل في 2014. الأمر الآخر الذي نشير اليه هو أن سباق الوصول لقصر قرطاج بات يطرح حتى داخل قصر قرطاج ذاته أي أن هناك من يبحث عن الخليفة والمرشح القوي وهي مهمة صعبة في ظل غياب الشخصيات التي لها كاريزما.