لقد اتفق السياسيون التونسيون المختلفون والمتصارعون في كثير من الشؤون على ان كل الطبخات السياسية التي تسير هذه البلاد التونسية اصبحت بعد انتخاب الرئيس الباجي قائد السبسي رئيسا للبلاد تطبخ بالتشاور و بالتخطيط و بالاتفاق بينه وبين الشيخ الغنوشي حتى اصبح التونسيون يسمونهما بالشيخين المتفقين والمتحالفين في المرحلة الحالية ويشبهون علاقتهما الوطيدة المتينة براسين في شاشية ولكن في الحوار الاخير المحير الذي اجراه سي الباجي في قناة الحوار اعلن بإيجاز وباختصار ان علاقته بالشيخ الغنوشي وبحركة النهضة قد انقطعت وقد انتهت وقد نزل عليها الستار ولم يعد لها وجود ولا معنى ولا مبنى ولا اعتبار ولكن في الوقت نفسه فان سي الباجي لم يعلن ولم يفصح ولم يفصل القول في عرض وتحليل الأسباب التي ادت الى هذه القطيعة التي اصبحت حديث الخواص وحديث العموم وقد طال حديثهم عنها ولكن دون وقوفهم حقيقة على سبب واضح مقنع معلوم باعتبار ان السبب او الاسباب الخفية الحقيقية لا يعلم حقيقتها الا هذان الشخيخان والمقربون منهما في دائرتهما الشخصية و السياسية ولئن كان الشيخ السبسي قد اجرى حواره واختار الا يفصح عن اسباب القطيعة بينه وبين الشيخ الغنوشي دون ان يذكر الاسباب والحيثيات والعلل والمسببات فانه لم يبق للتونسيين الا ان ينتظروا خروج واطلالة الشيخ الغنوشي في حوار تلفزي كحوار الشيخ الباجي الذي بثته قناة الحوار ليوضح للتونسيين ما وقع وما حصل بينه وبين الشيخ الباجي خفية وفي الكواليس ومن وراء الستار ولو بشيء من الايجاز وبشيء من الاختصار اوليس من واجب الزعماء والرؤساء وقادة الاحزاب الا يتركوا الناس في حيرة وفي ضيق وفي قلق وفي اكتئاب ؟ ومما لا شك فيه ان للشيخين في بورقيبة رحمه الله قدوة واسوة سياسية حسنة باعتبار انه كان باتفاق جميع السياسيين والمؤرخين والعرفين من السياسيين الناجحين والمذكورين في قيادة وزعامة التونسيين فقد كان بورقيبة رغم كل عيوبه صريحا مع التونسيين وكثيرا ما كان يخرج عليهم من حين الى حين لتوضيح بعض النقاط والأحداث السياسية الهامة التي يعلم ويشعر انهم كانوا في فهمها وتحليلها من الحائرين ومن العاجزين ولعل كبار التونسيين ما زالوا يذكرون الى اليوم كيف خرج بورقيبة يوما على الشعب وعلى الجمهور ليشرح لهم اسباب فشل سياسة التعاضد واسباب الزيادة في اسعار الخبز التي ضج وهاج وماج في شانها وعلتها واسبابها التونسيون فهل سيخرج الشيخ راشد الغنوشي على التونسيين في قناة من القنوات التلفزية ويشرح ويفسر لهم اسباب قطيعته وفك ارتباطه وانهاء تحالفه مع سي الباجي رئيس الجمهورية وقد ربطتهما وجمعتهما في فترة ليست بالقصيرة صداقة ومصالح سياسية ظاهرة وخفية؟ ام سيلازم الشيخ الغنوشي على الدوام الصمت ويؤثر السكوت وعدم الكلام؟ فان اختار الخيار الأول فسيكون عند التونسيين بلا شك نعم الراي ونعم الاختيار اما اذا اختار الخيار الثاني فليتاكد ان كثيرا من التونسيين سيعتبرون سي الباجي افضل من الشيخ الغنوشي واشجع باعتباره قد اعلن صراحة عن هذه القطيعة التاريخية التي سيكون لها بلا شك اثر بليغ في مستقبل حياة التونسيين السياسية كما انهم سيعتبرون الشيخ الغنوشي قد كان اقل صراحة واقل شجاعة وهما لعمري صفتان اذا نقصا او انعدما في زعيم فان من حق شعبه ان يقولا له لا فضل لك عندنا ولا مكانة ولا سمعا ولا طاعة ولعل الشيخ الغنوشي قد تعلم في قراءته وبحكم تجربته السياسية قسوة الشعوب في الحكم على القادة وعلى الزعماء اذا تأكدوا انهم ليسوا من الشجعان وليسوا من العظماء الذين لا يخافون لومة لائم غير حساب رب الأرض ورب السماء وها اني قد نصحته والنصيحة كما يعلم الشيخ قبل غيره قد امر بها وحث عليها جميع الرسل وكل الأنبياء ولا شك انه يعلم ايضا ان الناصحين الصادقين قد قلوا في هذه السنوات الاخيرة بينما كثر المنافقون الذين يتكلمون بما لا يعلمون ويقولون ما لا يفعلون ولله في خلقه شؤون