انخفاض في جرحى حوادث المرور    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    الاحتلال الإسرائيلي يغتال عائلة مدير مجمع الشفاء في غزة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ ترامب يُمهل السوريين 60 يوما لمغادرة أمريكا    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصدق الشريف يكتب لكم : لماذا لم تأت عزائم اليسار التونسي على قدر عزمه فكانت قسمة ضيزى؟
نشر في الصريح يوم 08 - 10 - 2018

المتتبع اليوم للساحة السياسية في بلادنا يلاحظ أنه لا حديث إلا عن الإستقطاب الثنائي للمشهد السياسي و كيف أن دواليب الدولة و سلطة القرار في قبضتيهما و نعني بذلك حزب حركة النهضة و حزب نداء تونس و من المفارقات أيضا أن رئيسي الحزبين و نعني الشيخين الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي قد شاءت الأقدار أن يعتليا سدرة الحكم في حين أن الرجل الأول يحسب على النظام النوفبمري و البورقيبي و الرجل الثاني لم يناضل من أجل البلاد و العباد بقدر نضاله من أجل الدفاع عن رؤيته للدين و تطبيق الشريعة من خلال إرتباطه الوثيق بحركة الإخوان المسلمين ، في حين أن مناضلي اليسار الذين ذاقوا الويلات من أجل الدفاع عن المحرومين و المضطهدين على مستوى لقمة العيش و حرية الرأي و الكلمة نراهم في آخر الترتيب ممن يحكمون البلاد اليوم و لذلك فإننا نرى أنه من الضروري أن يعرف هذا الجيل هذه الحقائق و كيف أن اليسار التونسي لم تكن حصيلة نضالاته الشاقة منذ أكثر من نصف قرن تساوى منزلته اليوم في المشهد السياسي و قد شدتنا رواية "نظارات أمي" التي صدرت أخيرا كما شدت العديد من السياسيين و النقابيين في بلادنا و خارجها و هي بحق تترجم عدم التكافؤ الذي حصل بين نضال اليسار في الأربع عقود الأخيرة في القرن الماضي و العشرية الأولى للقرن الحادي و العشرين و مدى فاعليتيه و وزنه في القرار السياسي بعد 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 .
هذه الرواية التي قال عنها الأستاذ الجامعي فتحي بالحاج يحيى : " و أخيرا في هذا النص أو في هذه النصوص أكثر من فرصة للهروب من السجن يحملنا فيه عز الدين إلى صباه و شبابه و قريته و أقربائه و لقاءات الصدفة في حياته و المناخات و الأجواء التي كانت سائدة في البلاد في السبعينات و في صفاقس بالخصوص فتنشأ عن ذلك رواية متكاملة تترك في ذهن القارئ شهادة حية عن حقبة تاريخية مثلت أوج اليسار التونسي في حيويته و إمتداده و نضالاته . . . و مآسيه و طبعت أجيالا متعاقبة . "
و نتوقف عند ما أدلى به المفكر و الشاعر المتفقد العام في مادة التربية ( اختصاص فلسفة ) محمود بن جماعة حول هذا الأثر :
" ينتمي كتاب "نظّارات أمِّي" إلى ما يسمى بأدب السجون، حيث سجل عز الدين الحزقي ذكرياته عن الفترة السجنية التي قضاها فيما بين 14 نوفمبر 1973 وماي 1979 ،وتطرق في الأثناء إلى بعض مراحل حياته داخل العائلة وفي قرية الحزق والمدن التي انتقل إليها، ولاسيما صفاقس وقفصة وتونس. وبذلك يمتِّن ذاكرة فصيل هام من فصائل اليسار التونسي- انتمى إليه - ، وهو "تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي" (المعروف عادة ب"آفاق" أو "برسبكتيف"، وهي المجلة التي كان يصدرها هذا التجمع). ومع تأثري الشديد بما تعرض إليه عز الدين ورفاقه من تعذيب واضطهاد، ومع إعجابي بالصمود الذي أبدوه طوال سنوات الجمر، مما أجبر إدارة السجن على الاستجابة للعديد من مطالبهم، اكتشفتُ أثناء القراءة قدرة عز الدين على الحكي والكتابة بمعناها الأدبي، وهي خصلة من شأنها أن تشد القارئ وتبعث فيه الحاجة إلى المتابعة ومزيد الاطلاع. وإلى جانب روح الدعابة التي تبرز من حين إلى أخر في السرد ، مما يؤدي لبضع ثوان إلى تقلِّص الإحساس بالضغط والضيق الذي ينتاب القارئ أمام معاناة السجن، لم يَخْلُ كتاب "نظارات أمي" من عناصر نقدية، سواء تعلقت بأسلوب العمل (المتمثل في التعبئة والتحريض) او بالخط السياسي حين تحوَّل "تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي" (الذي ظل ينشط داخله في الزنزانة مع رفاقه) إلى "العامل التونسي"، وهو تنظيم لم يجد عز الدين نفسه في شعاراته اليسارية المتطرفة ولا في طريقة تسييره الفوقية، فابتعد عنه في حين واصل رفاقه العمل في صلبه. وفي هذا الجانب، يلتقي عز الدين الحزقي مع المرحوم الهاشمي الطرودي في كتابه "أضواء على اليسار التونسي" إذ أكد أن هذا التحول كان إيذانا بفشل تجربة " آفاق" أو "برسبكتيف". هذا وبالنظر إلى التضحيات الجسام التي أقدم عليه هذا الفصيل من اليسار وكذلك غيره من الفصائل اليسارية الأخرى، ولو بدرجات متفاوتة، ومختلف النضالات التي خاضها كلٌّ من جهته في سبيل الحريات والتقدم الاجتماعي، لا يسع المحللين إلا أن يلاحظوا ضعف الحصيلة التي أحرز عليها اليسار عموما من حيث المواقع في المجتمع والسياسة، ولاسيما بعد "ثورة" 14 جانفي2011 . فلا بد من الوقوف على كل من مواطن القوة ومواطن الضعف في تجربة اليسار بجميع فصائله - قبل "الثورة" وما بعدها -، والتفكير في كيفية تجميعه بهذا الشكل أو ذاك إلى جانب القوى الديمقراطية الأخرى من أجل مشروع ديمقراطي اجتماعي حداثي يخرج البلاد من الأزمة المستفحلة التي تردت فيها. وليسمح لي عز الدين بتوضيحات جزئية تخص مجالا من مجالات الثقافة في بداية السبعينات بصفاقس، وقد حظيتْ في كتابه بالاهتمام والتنويه، وهو نشاط نادي السينما للشباب الذي شهد آنذاك ازدهارا ملحوظا حتى إن هيئته ( الذي كان رئيسها المنصف ذويب، وكان تلميذا آنذاك، وكاتبها العام محمود بن جماعة، أستاذ الفلسفة) قررت في اجتماعها بتاريخ 22/1/ 1973 تخصيص حصص سينمائية لفائدة الشغالين. وتقدمتْ بمشروع في ذلك إلى الفيديرالية التونسية لنوادي السينما للشباب، فاستجابت على الفور. فكانت تجربة ما سمي آنذاك بنادي السينما للشغالين، تسندها لجنة موسعة ممن كانوا يعملون في مؤسسات مختلفة، وهم من الأعضاء النشطاء في النادي، الأمر الذي ضمن للتجربة صدى طيبا وإشعاعا (المصدر. مجلة "نادي السينما"، عدد 1، مارس 1973). غير أن التجربة لم تدم إلا بضعة أشهر لأن الإقبال على عروض نادي السينما للشغالين كان في البداية مشجعا، ثم بدأ يتراجع حتى أصبح غير كاف لتغطية المصاريف، مما أربك ميزانية نادي السينما للشباب وأصبح يهددها بالعجز. ناهيك أنه في الأثناء، أنشئ نادي السينما للشبيبة (التابع للشبيبة المدرسية المذيلة بدورها للحزب الحاكم) لمزاحمة نادي السينما للشباب وتقليص تأثيره في أوساط التلاميذ. ولا شك في أن الجو السياسي الضاغط والمنذر بحملة قمع جديدة في تلك الفترة كان سببا مُهِمّا في انكماش المقبلين من العمال على عروض نادي السينما للشغالين، لاسيما وأن النقاش كان يتخذ أحيانا منحى سياسيا لا ترتضيه السلطة الحاكمة، حتى وإن كان على سبيل الإشارة والإيحاء. إن القارئ للمقاطع من "نظارات أمي" حول الثقافة في بداية السبعينات بصفاقس قد يحصل لديه انطباع بأن منظمة "أفاق" أو 'برسبكتيف" كانت وراء ما حصل آنذاك من حراك في نادي السينما للشباب وغيره من الفضاءات مثل نادي القصة... والحال أن الفاعلين في مجال الثقافة كانوا من مشارب مختلفة. "
حين أتممت قراءة مؤلف " نظارات أمي " انتابني شعور بأنه لا سبيل إلى أن يزايد أحد على اليسار التونسي بجميع تلويناته فيما تعرض له من قمع و اضطهاد جراء جرأته في معارضة النظام البورقيبي و النوفمبري و لكنه في المقابل لم يجن الحضوة السياسية التي من المفروض أن تكون في مستوى مسيرته النضالية الشاقة و المريرة من أجل الديمقراطية بمعنييها السياسي و الاجتماعي . و على العموم فإننا نعلل النفس بالآمال نرقبها خاصة أننا نقاسم الاستاذ عزالدين الحزقي صاحب رواية "نظارات أمي" الرأي في أن الانسان هو الصانع للمصير و الفاعل في الاحداث و الازمات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.