بعد انتخابات 2011 بفترة أدرك من انتخبوا أنهم كانوا مخطئين في اختيارهم ولو نسبيا والأمر كان حينها طبيعيا فهي أول تجربة انتخابات حقيقية على خلاف ما يحصل سابقا حيث كان الجميع تقريبا ينتخب من دون أن يغادر منزله فمكاتب الاقتراع كانت بعد إغلاقها تتحول إلى مكاتب تصويت سريع عشوائي حتى يحقق للزعيم الفذ والملهم و"صانع ربيع تونس" نسبة 99 أو 98 بالمائة. ما حصل في المجلس حينها أي بعد انتخابات 2011 لم يكن غريبا في بلد تجربته الديمقراطية وليدة لكنه اعتبر فلتة قد لا تتكرر. في 2014 تطور الأمر أكثر وبدأ الناخب ينظر للبرامج والمشاريع ووفق ذلك صوت الكثيرون لنداء تونس كمشروع بديل مقابل مشروع آخر يرفضونه لكن مع الوقت تبين كونهم أخطأوا مجددا لأن الحزب الذي نظراليه كونه بديل أو مشروع بديل لم يكن في مستوى الرهان وعوض تفعيل مشروع وطني حداثي آنغمس في خلافاته ومصالح قياداته والصراعات من أجل الزعامة. مجددا لا يمكن اعتبار ما حصل إلا كونه درس جديد لتعلم الديمقراطية لكنه للأسف كان درسا قاسيا ومكلفا جدا. هنا علينا ان ننظر إلى مجلس نواب الشعب كما جاءت به الانتخابات ثم كما هو الآن فبلا مبالغة يمكن اعتبار أننا نتعامل مع مجلسين مختلفين وهنا يحضر مفهوم السياحة الحزبية كمعضلة كان من الضروري التعامل معها دستوريا أي وفق القانون الداخلي للمجلس قبل انتخابات 2014 لكن هذا لم يحصل كما لم تحصل أشياء كثيرة ومنها كيفية التعامل مع ملفات الفساد من قبل نواب والتي وصلت حتى القضاء والقطب القضائي المالي. هذه المعضلة اي السياحة الحزبية قلبت التوازن السياسي رأسا على عقب إلى درجة ان الكتلة الوحيدة التي بقيت صامدة هي كتلة النهضة وتفسير هذا كون ما يربطها هو ايديولوجيا قبل أن يكون برامج وإقتناع. بالنسبة للمعارضة فإنها كثيرا ما تحول المجلس إلى ساحة حرب لكن من دون تأثير بسبب تشتتها وغلبة الجانب الشعبوي في الأداء والسياسة هي قبل كل شيء فن الممكن وفن التفاوض وأيضا معرفة الظرفية المناسبة للتنازل والتصعيد وهذا ما لا يحصل. نتيجة كل هذا هو مجلس نواب شعب تغلب عليه الشعبوية وأيضا التدخلات من خارجه ان كان من أصحاب النفوذ المالي أو السياسي بل هناك تحذيرات من تأثيرات خارجية وهو ما جعل المواطن فيه رقما ثانويا وخير مثال على ذلك مضمون قانون ميزانية الدولة للعام 2019 وما مرر فيه من فصول تخدم طبقة وتزيد الأعباء على المواطن.