رياح قوية في الساحل.. شنوة لازم تعرف قبل ما تعوم    انطلاق اعمال الايام العلمية العربية الثانية للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي    خبير يُحذّر: تركيبة خطيرة في مياه مجهولة المصدر تفتك بالتونسيين    15 جويلية 2025 آخر أجل للتمتع بالمنحة الإستثنائية للتسليم السريع لكميّات الشعير والتريتكال المقبولة بمراكز تجميع الحبوب    الترجي الجرجيسي يتعاقد مع اللاعبين خليل القصاب وحسين الرفاعي    بكالوريا 2025: نجاح 56 تلميذا من بين مكفولي وزارة الأسرة في دورة المراقبة    سامية الشعري مصدق تتحصّل على البكالوريا في سنّ ال64 عاما وئؤكد أن التجربة أحيت فيها روح الشباب وعلّمتها أن لا حرج مع العلم    تونس : تغيّرات في حالة الطقس    المنستير: 20 عرضاً متنوعاً في الدورة 52 لمهرجان المنستير الدولي من 19 جويلية إلى 14 أوت 2025    قابس : برمجة ثقافية صيفية ثرية    برنامج الدّورة 52 لمهرجان المنستير الدولي    عاجل/ ترامب يفرض رسوما ب30% على الاتحاد الاوروبي    وفاة عامر غديرة، كاتب دولة أسبق لدى وزير الداخلية    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    محمد المديمغ يمضي مع نادي كرة اليد بجمال    تشيلسي ولا باريس؟ شكون يرفع الكأس....الموعد والقنوات الناقلة    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    عروض متنوعة وثرية في برمجة مهرجان باجة الدولي    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    القصرين: تواصل تنفيذ برنامج "العطلة الآمنة" للتوعية المرورية خلال الصيف    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    عاجل/ بعد زيارة الرئيس: تدخّلات ميدانية في سواحل قليبية    عاجل/ تراجع بنسبة 50% في كميات اللحوم الحمراء بالمسلخ البلدي لهذه الولاية    عاجل/ اصطدام سيارة بمحل حلاقة وهذه حصيلة المصابين    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    عاجل - تونس: أمطار بين 20 و40 ملم متوقعة اليوم في هذه المناطق    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    طيران الإمارات تتصدّر الترتيب العالمي لأقوى العلامات التجارية    ليفربول يحجب رقم 20 الخاص بجوتا إلى الأبد    27 سفيرا أوروبيا سابقا يدعون لتعليق الشراكة مع اسرائيل    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني يواجه اليوم منتخب جمهورية الدومينيكان    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    فرنسا : ترحيل تونسي محكوم ب132 عاما بتهمة الإرهاب    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    البنتاغون يقرّ بإصابة قاعدة العديد في قطر بصاروخ إيراني    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    بالقفطان والبرنس.. نجل زيدان وزوجته يحييان التراث المغربي    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    جلسة بوزارة التجهيز لمتابعة تقدم تنفيذ مشاريع الجسور والطرقات لسنة 2025    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    الحكومات العربية باتت مهتمة بالاستخدمات السلمية للتكنولوجيات النووية    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    أزمة ديون جديدة تهدد انطلاقة النادي الإفريقي قبل موسم 2025-2026    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب لكم : إلى متى ستظل الولايات المتحدة ماضية في غيّها ؟!
نشر في الصريح يوم 27 - 12 - 2018

لقد قال حكيم يوناني يوناني قديم: ‘في بعض الأزمنة المريضة يصبح الخراب سيّدا ‘
فهل قدّر علينا أن نعيش اليوم أشياء كثيرة من هذا القول البصير!؟
أقول هذا،بعد أن أنهكتنا كلمة السر الجديدة/القديمة التي تتداولها صناعة التاريخ في هذا الراهن السياسي الكوني:الإرهاب والحرب على الإرهاب! مما يعني تسويق الشعار الإنتقائي: من ليس معنا فهو مع الإرهاب-
وهذا يعني بدوره مواصلة اجبار العالم والضعفاء بالخصوص على النظر بعين الرضا إلى المسعى الأمريكي الذي ما فتىء يحثّ الدول جميعا على تحالف دولي مناهض للإرهاب دون أن يحق لأحد البحث عن الإناء الذهبي المتمثل في صياغة تعريف توافقي لهذا الأخير..
لذا غدت البشرية جمعاء مجبرة على تعديل أزمنتها على التوقيت الأمريكي طالما أنّ ‘العدوّ' هو ذلك الذي تضعه الولايات المتحدة في قفص الإتهام حتى إذا لم تكن تملك الدليل الكافي الذي يدعم مزاعمها،كما أنّ كذلك بواعث هذا ‘العدوّ' هي تلك التي ترى أمريكا أنّها بواعثه ولا دليل يدعم ذلك هنا أيضا..
وهكذا تبدى الطابع الزلق-لمفهوم الإرهاب بشكل واضح في استخدامه الإنتقائي الإزدرائي، وأصبح الأقوياء تبعا لذلك هم سادة المفاهيم القادرون على تقسيم العالم إلى قطبين: قطب البربرية وقطب الحضارة تاركين الضعفاء يرثون ضعفا مضافا إلى ضعفهم وإستجداء متواترا لن يقيم قرابة أبدا بين الضعف والحقيقة.
إذن هل يمكن لسياسة القوّة والهيمنة المحضة أن تكرّس الإئتلاف الواحدي وتلغي الإختلاف التعددي في سياسات ومصالح الأمم والشعوب؟
وبسؤال مغاير أقول:هل تروم الولايات المتحدة بسياستها التوسعية وضع العالم تحت جناحيها بإسم ‘نهاية التاريخ'وصراع الحضارات'ومنطق القوّة والغلبة وصولا إلى سيطرة قطبية وأحادية على العالم؟
أم أنّ هذا العالم قد بدأ ثورة جديدة ضد'أسياده'ليلج مرحلة مغايرة يستردّ عبرها أحلامه المهدورة ويجسّد من خلالها رغباته التوّاقة إلى الحرية والإستقرار والسيادة؟
يبدو أنّ الأسئلة لا تنتهي خصوصا بعد الإنتقال- الدراماتيكي- للمجتمع الأمريكي من قمة الطمأنينة التي جسدها-نظامه-منذ نهاية الحرب الكونية الثانية،إلى نظام أشباح يطارد أشباحا في حرب مفتوحة على إرهاب لا تخوم له،حيث يصبح كل ما صوّرته هوليوود في أفلام العالم الخيالي حقيقة معاشة على شاشة الحياة الأمريكية وتحت عنوان عار:انهيار الحلم الأمريكي..
ماذا يعني هذا..؟
هذا يعني أنّ منطق الهيمنة الذي جعل الولايات المتحدة تغتصب الإرادة الدولية وتعبث بالأمم المتحدة،قد كلّف الأمريكيين اخفاقات كبرى ماضية في فيتنام وأمريكا الوسطى، والصومال في إفريقيا وكذا في بيروت وفي بقاع أخرى من العالم..وهناك وفي عقر دارهم ارتجّت الأرض تحت أنقاض البرجين اللذين سقطا مثل قلاع من الرّمال الجافة،وسط ذهول العالم ودهشة الأمريكيين أنفسهم بإعتبارهم لم يشهدوا ذاك الحجم من العنف والرعب والدمار،وبطريقة فاجأت الجميع سياسيين وعسكريين ورجال استخبارات،ذلك أن أمريكا قد ظلّت في اعتقاد هؤلاء جميعا وكذا في خيال مختلف الأنظمة على السواء،قلعة من الصعب اختراقها من الداخل أو الخارج.. وهي'صانعة التاريخ'والقادرة دوما على اشعال فتيل الحرب وفرض السلام بما يتلاءم ومصالح الأمّة الأمريكية..
والسؤال:
من الذي تحاربه أمريكا؟
وكيف يحقّ لها أن تضع العالم على-عتبات الجحيم-بحجة مكافحة الإرهاب؟
وكيف يمكن كذلك لهذا العالم أن يفهم الحجة الأمريكية دون تحديد واضح لمعنى الإرهاب،وفهم صريح لأطروحاته النظرية،وتحليل دقيق للسبل التي تجعل منه استمرارا لإتجاه تاريخي وظاهرة فريدة من ظواهر عصرنا في آن معا..؟
إنّ مثل هذه الأسئلة-ليست مجرد لعب على الكلام-أو التعبير عن راهن كوني تراجيدي بكلام بارع-فالأحداث تؤكّد يوما بعد يوم أنّ البشرية قد ولجت مرحلة تاربخية موسومة بالذعر ومحكومة بالفوضى والعنف وايديولوجيا القوّة والسديم،حيث يظلّ الضعفاء محرومين تبعا لأكثر من قرار دولي من العدالة والديمقراطية وحقوق المواطنة والسيادة،وحيث يظلّ كذلك الفلسطينيون قابعين في إحدى زوايا التاريخ ينظرون بعين الرضا إلى وجودهم البيولوجي البائس بما يؤمّن استمرار الإحتلال الإسرائيلي ويدعم أسس الصهيونية ويزيدها امتدادا سرطانيا كثيفا في الجسد العربي..
ما أريد أن أقول..؟
أردت القول أنّ الحملة الأمريكية على الإرهاب لم تبلغ نهايتها السعيدة في عهد-المحافظين الجدد-من قاطني البيت الأبيض،رغم ما وزّعته الولايات المتحدة من قنابل هنا وهناك على كابول.. وبغداد.. وباكستان..كما لم يركع العالم العربي تحت أقدام واشنطن ولم يمسح أحذية المارينز بدموع الخوف والإنهزام..
وهذا يعني أنّ الحرب التي خاضها-صقور الإدارة الأمريكية-لم تحلّ مشكلة الإرهاب ولم تجبر الغاضبين على السياسة الأمريكية على تعديل مواقفهم من سياستهم المتحالفة مع الإستبداد والإحتلال،بقدر ما أضافوا إلى لائحة المظالم الطويلة بنودا جديدة ملطخة بالدماء..
أقول هذا لأنّ غطرسة القوّة وكذا ايديولوجيا الإستضعاف قد غدت صفة متوالدة للولايات المتحدة التي-تعتبر-العالم كلّه مجرّد ولايات أخرى تابعة لها،هذا في الوقت الذي غدا فيه الوطن العربي مسرحا لمسلسل الإعتداءات الأمريكية الذي لا تنتهي حلقاته وهو بذلك يعاني سياسة إستعلائية ظالمة هي مزيج من غطرسة القوّة والنزعة الصليبية القديمة التي تساوي ضمنا بين الفلسطينيين مثلا والهنود الحمر الراقدين في مقابر لا عدد لها مما يفسّر ما ترسّب في الذاكرة الأمريكية التي ترى في الصهيوني في فلسطين على حد تعبير الراحل- إدوارد سعيد- امتدادا ‘لرواد الغرب الأمريكي' القديم..
وهنا أضيف:لكن ما أقرب الشبه وما أبعده بين ما تمّ في أمريكا الشمالية وما يراد انجازه في بلادنا، لذلك فرغم أية الارتباطات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بين ‘إسرائيل' والولايات المتحدة ورغم كذلك أفة النسيان التي تنهشنا،علينا أن نتذكّر دائما،المنشأ الإستعماري الإستيطاني لكليهما،ذلك أنّ الإسرائيليين كالأمريكيين الأوائل، وأكثر، إنّهم قطعان من المهاجرين من أوروبا مثلهم،وهم ‘شعب مختار'لأرض موعودة،مثلهم وهم يحملون ‘هوية حضارية بديلة' كالرسالة المقدسة مثلهم..هذه الرسالة لا تتوقّف بهم عند حدود الإستيطان والتوسع العسكري واحتلال الأرض،ومن الأرض لا تتوقّف عند حدود فلسطين..
ماذا بقي أن أضيف..؟
ربّما لن أضيف جديدا إذا قلت أنّ-الأمّة الأمريكية-قد قامت على فيضانات من المآسي:
قتلوا الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين في سلسلة مجازر كادت أن تنهي شعبا بكامله بتاريخه وتراثه وحضارته،واليوم يقتلون بدم بارد شعبا آخر في العراق بإعتماد سياسة الحديد والنّار وكذا يدعمون كيانا صهيونيا غاصبا ما فتئ يؤسس لتحويل الفلسطينيين إلى'فلكلور'بشري و بالإضافة إلى هذا فإنّهم يعتقدون دوما أنّه مازال في العالم العربي ما ‘يستحقّ'الردع والعقاب.. !
والنتيجة:
هي أنّنا مازلنا حسب-الإعتقاد الأمريكي-متهمين بالإرهاب بإعتبارنا نقبل ب ‘العنف' الصادر عن الفلسطينيين ضد جيش الإحتلال،كما أنّنا ننظر بإرتياب إلى دور الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب،هذا في الوقت الذي تبارك فيه الإدارة الأمريكية إرهاب اسرائيل ضد شعب يقاتل بالظفر والناب..
والخلاصة:
هي أنّ الولايات المتحدة ماضية في غيّها وهي على غرار- نابليون-لا تنفك عن محاولة السيطرة على كل مكان يقع تحت الشمس،وهي تنظر إلى البلدان العربية وايران بإعتبارها ‘خطرة' بالضرورة، وذلك بسبب نزعتها القومية المناهضة للغرب،كما أنّ الرأي العام الأمريكي(والغربي)حول هذه الدول ليس منتوجا مصطنعا،وإنّما هو يطابق واقعا فعليا، ألأمر الذي يجعل الصهيونية تستغلّ هذه الوضعية إلى أقصى حد محاولة خلق مناخ من الحقد الحقيقي لدى الغربيين تجاه العرب والمسلمين بصفة عامةلذا،فنحن جميعا نتموضع في خانة الشبهة والإتهام،وما علينا والحال هذه إلا أن ‘نبارك'حربهم ضد الإرهاب حتى ولو ظننا أنّ حربهم قد بدأت منذ عقود مضت..فهم قصفوا- ملجأ العامرية-وحوّلوا أطفاله ونساءه إلى كتل متفحمة..وأمطروا عام98 الخرطوم بصواريخ كروز ولم يكن الهدف الإرهابي الذي طالته الصواريخ الأمريكية في السودان إلا مخبرا كيميائيا ينتج أدوية لشعب تفتك به أمراض كثيرة..كما لم يستثنوا عام 89 العاصمة الليبية ونالت هذه الأخيرة'منابها'من القصف الصاروخي وغدا قد تنهمر القنابل: ‘الذكية'على دمشق أو بيروت أو طهران والقائمة أطول من أن يتسع لها المقام..فهل من مزيد.. !؟
على سبيل الخاتمة:
وقع أحد القراصنة في أسر الإسكندر الكبير الذي سأله:'كيف تجرؤ على ازعاج البحر،كيف تجرؤ على ازعاج العالم بأسره أيّها اللّص؟'
فأجاب القرصان:'لأنّني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أُدعى لصا، وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم، تدعى امبراطورا'!؟
بهذه القصّة المعبّرة التي بدأ بها-نعوم تشومسكي-كتابه*..أترك المتلقي الكريم يلتقط بدقة معينة العلاقة الراهنة بين اللاعبين الكبار واللاعبين الصغار على مسرح الإرهاب الدولي..

محمد المحسن
*نعوم تشومسكي -قراصنة وأباطرة،الإرهاب الدولي في العالم الحقيقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.