قربت ذكرى يوم رحيل بن علي وهو التاريخ الذي حدد رسميا كعيد للثورة التونسية وخلاله ستقام مراسم رسمية وكما العادة في السنوات الأخيرة لن يحضر الرؤساء الثلاثة احياء هذه المناسبة في المناطق الداخلية بل قد يكتفون ببعض الصور للذكرى أو لتسجيل الحضور بمعنى" هانا معاكم لتنسونا". تذكر ما حصل بين 17 ديسمبر و 14 جانفي ليس المهم فيه الاحتفالات وثرثرة السياسيين واستعراض بطولات الثورجيين ولا ذكريات الثوريين فكل هذا مضى واليوم علينا أن ندرك أننا تجاوزنا فعل الثورة في حد ذاته ودخلنا في مرحلة ما بعد الثورة لأن الأهم من الثورات هو ما بعدها فإنجاز نصف ثورة معناه حكم بوضع أسوأ وأردأ مما كان لكن والحمد لله في تونس لم تنجز نصف ثورة بل ما حصل هو رحيل نظام مستبد ظالم وتغير الوضع السياسي ككل . صحيح أن الأزمات في البلاد خانقة وأن القلوب بلغت الحناجر من المعاناة والغلاء وهذا أمر مفهوم ويعانيه الجميع من متوسطي ومحدودي الدخل لكن علينا أن نتساءل هنا: هل العيب في الثورة أم فيمن ركبوا عليها ومدوا سيقانهم وأيديهم وألسنتهم؟ بالتأكيد العيب ليس في الثورة في حد ذاتها بل في السياسيين الذين جاؤوا خلالها وبعدها بل العيب في النخبة التي تحولت الى نكبة ولم ترتقي مطلقا ولا بأي شكل من الأشكال الى مستوى الحدث والتغير الذي حصل وعوض الانطلاق في البناء وفق مشروع واضح فانهم ركبوا موجة الرداءة والاسفاف وهذا لا يشمل عالم السياسة فقط بل الاعلام أيضا فالحرية تحولت الى فوضى وتسيب بل ووقاحة و"تشليك" الجميع للجميع والكل للكل فلم تعد هناك حواجز ولا ضوابط بل استهتار واستسهال لكل شيء حتى وصلنا مرحلة صار فيها الغث هو القاعدة . العيب ليس في الثورة بل تحميلها ما لا تحتمل فالثورات لا تأتي بالمن والسلوى والرفاه والثروة بل هي أرضية لتحقيق هذا والآلية هي العمل والكد لا التقاعس وعقلية "هات ". العيب ليس في الثورة بل في عقلية "كول ووكل" التي انتشرت في مجتمعنا حتى غدا الفساد والتجاوزات ذكاء وفطنة . العيب ليس في الثورة بل في مشهد سياسي مريض غث ورديء جاء لنا بألف زعيم كل واحد منهم يرى أنه المهدي المنتظر والمنقذ . العيب ليس في الثورة بل فينا نحن.