في محاولة لتطوير أجوبة لبعض الإشكاليات التي هي اليوم مدار بحث وسؤال وتقديم حلول لجوانب كثيرة من القضايا التي لا يلقى عليها الضوء بالقدر الكافي ولا نجد من يشتغل عليها بكثافة بغاية دفع الدولة والحكومة وكل من يهتم بالشأن العام إلى مزيد بذل الجهد حتى تعالج إحراجات البلاد وحتى نجد الحلول المناسبة لهواجس الناس وتخوفاتهم ، نظم حزب التيار الديمقراطي ندوة فكرية حول حاضر ومستقبل الطاقات المتجددة في تونس احتضنها نزل " نوفوتال " بالعاصمة صبيحة يوم السبت 23 فيفيري الجاري أثثها كل من السيد منجي مرزوق وزير الطاقة السابق والسيد الطاهر العربي الرئيس المدير العام السابق للشركة التونسية للكهرباء والغاز والسيد أحمد بوعزي الأستاذ السابق للطاقات المتجددة بالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس وعضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي. في هذه الندوة تم التذكير بجملة من الحقائق تمثل مخاوف تهدد تونس في راهنها ومستقبلها منها أن البلاد تعرف عجزا طاقيا يقدر ب 50% وعدم قدرة ما ننتجه من طاقة على مواكبة ما نستحقه من استهلاك وهذا العجز يضطر الدولة إلى تعويض النقص الحاصل في مصادر طاقة من خلال التوريد الذي يكبد ميزانية الدولة خسائر مالية يقع تسديدها بالعملة الصعبة. الحقيقة الثانية هي أن العالم اليوم متجه نحو التخلي عن مصادر الطاقة الملوثة المضرة بالإنسان والبيئة وتعويضها بطاقات جديدة أقل ضررا بالمحيط توجد في الرياح والمياه والشمس بما يعني أن هناك اليوم خيارا دوليا في التخلي عن استعمال الطاقة النووية وتقليص من استعمال النفط والغاز والفحم الحجري لتوليد الكهرباء لاستعمالها في المساكن والمصانع وإضاءة الطرقات ووسائل النقل . الحقيقة الثالثة هي أن مصادر الطاقة الأحفورية أو ما يسمى بالطاقة التقليدية من نفط وغاز وفحم حجري سوف تنضب بحلول سنة 2070 وأن مخزون العالم من هذه المصادر للطاقة سوف يختفي إذا ما واصلت البشرية في تكثيف الاستهلاك والزيادة في توليد الكهرباء من الطاقات التقليدية. الحقيقة الرابعة هي أن العالم بأسره يشهد منذ سنوات تقلبات مناخية تمثلت في زيادة الحرارة صيفا والبرودة شتاء وهذا يحتاج إلى استعمال المزيد من مصادر الطاقة واستهلاكها لتوفير حاجيات الانسان من التدفئة ومن التبريد وهي حاجيات تشهد ارتفاعا مطردا من سنة إلى أخرى إلى جانب ذلك يشهد العالم ازيادا في عدد مواليده ونسبة الانجاب بما يعني ازدياد في عدد سكان الكرة الأرضية وبالزيادة في عدد العائلات والأسر فإن العالم يحتاج الى مزيد من الطاقة لتوليد الكهرباء التي يحتاجها العالم. الحقيقة الخامسة هي أن احتياجات سكان العالم من الطاقة التقليدية يصطدم بارتفاع سعرها المتواصل وهي معضلة تعترض البلدان التي لا تتوفر على مخزون طاقي يقدر على تلبية حاجياتها مما يضطر الحكومات إلى تعديل النقص بالتوريد وكذلك البلدان التي لا تتوفر على احتياط من الطاقة ما يضطرها إلى شراء كامل حاجياتها من الطاقة وأمام ارتفاع أسعار النفط والغاز فإن التفكير متجه نحو البحث عن مصادر بديلة وعن مصادر للطاقة من خارج المصادر التقليدية تكون كلفتها أقل . إن هذه الهواجس الخمس التي يشترك فيها الجميع وتونس من هذه البلدان التي دخلت منذ سنوات في هذه الحيرة من وراء هذه المعطيات وازداد التخوف بعض الثورة بعد أن صعب على الانتاج المحلي من النفط والغاز على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية حاجيات الشعب في مجال النقل وتوليد الكهرباء للاستعمال المنزلي والصناعي هي التي دفعت إلى التفكير والبحث عن مصادر بديلة عن مصادر الطاقة التقليدية والاتجاه نحو وضع مخطط وإستراتيجية لتحصين البلاد طاقيا ومعالجة العجز الطاقي الذي يكلف ميزانية الدولة نفقات معتبرة كان من الأولى أن تذهب إلى قضايا التنمية وفي نفقات اجتماعية ملحة. وهذا يعني أنه أمام هذا الوضع الذي لم يعد خافيا على أحد وأمام الإقرار بضرورة التوقي من مخاطر ارتفاع اسعار النفط والغاز عالميا وضرورة معالجة عدم قدرة الموارد الذاتية من الطاقة الاحفورية على تحقيق الاكتفاء الذاتي وفي الاستعداد من الآن إلى إحلال طاقات بديلة نتيجة اختفاء الطاقات الاحفورية مع حلول سنة 1970 فإن التفكير في الانتقال إلى نوع آخر من الطاقة يكون مهما وإن وضع الإستراتيجية لتحقيق هذه الانتقال من الطاقات التقليدية إلى الطاقات المتجددة أضحت اليوم ضرورة ولم تعد خيارا ومسألة متأكدة وحيوية لربح الوقت حتى لا يداهمنا الخطر وحتى نستعد جيدا للتحولات المرتقبة في مجال ندرة ونضوب الطاقات المستعملة. كل من حاضر كان متفقا على هذه المقاربة ومتفقا كذلك على ضرورة وضع خطة طاقية لتحقيق هذا الانتقال نحو الطاقات المتجددة لاستعمالها في توليد الكهرباء الاحتياج الأكبر الذي يعاني منه المواطن ومتفقا أخيرا على أهمية مصادر الطاقة البديلة في توليد الكهرباء وهي الرياح ومياه البحر والشمس في التخفيف على المقدرة الشرائية للمواطن غير أن المشكل الذي وقف عليه المحاضرون هو أن مصادر الطاقة البديلة على خلاف مصادر الطاقة التقليدية هي متقطعة وغير متواصلة بما يعني أن الرياح والشمس مثلا غير متوفرة على مدار كامل السنة فضلا على أن استعمالهما في انتاج الطاقة له اعراض جانبية يجب أن تعالج تقنيا وخاصية أن هذه المصادر تقتضي عملية تخزين للطاقة المنتجة أثناء وقت الذروة لاستعمالها في زمن تضائل قوتها وقدرتها على انتاج الطاقة لتحويلها إلى كهرباء أي أن من ننتجه من الطاقة الشمسية يجب أن يخزن جزء منه لاستعماله في وقت اختفاء الشمس ونفس الشيء ينطبق على طاقة الرياح وعملية الحزن هذه تتطلب تقنية مكلفة . ولكن عملية الخزن هذه والتي تتطلب تقنية خاصة وكلفة مالية مرتفعة لا يجب أن تثني الدولة على عدم التوجه إلى الطاقات البديلة المستقبلية ولا يجب أن تحول دون الذهاب إلى نوع جديد من الطاقات النظيفة التي هي توجه العالم في المنظور القريب وهذا فعلا ما نلمسه في الاستراتيجية التونسية للطاقة التي وضعت هدفا يتمثل في بلوغ 30% من توليد الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية خلال سنة 2030 وإنتاج حوالي 3800 ميغاواط من الكهرباء باستعمال الطاقة الهوائية وهذا التمشي الذي اختارته تونس في مجال الطاقات المتجددة وتحديدا استغلال الشمس في توليد الكهرباء يمكن اعتباره تمشيا عقلانيا لأنه راعي خاصية هذا النوع الجديد من الطاقة لكونها متقطعة وغير متواصلة مما يحتم التدرج في الانتقال الطاقي والإبقاء على جزء من الطاقة التقليدية لاستعمالها وقت الحاجة حتى لا يحصل الانقطاع الكهربائي في فترة تضائل الطاقة الشمسية وهو خيار عقلاني كذلك حتى يتم التأقلم التدريجي مع تقنية الخزن التي تتطلب تمويلا كبيرا وهي مسألة تتطلب توفير الاطارات الكفأة لتركيز صناعات متطورة في مجال تحزين الطاقات المتجددة وفي هذا الاطار يمكن الاستفادة من تجربة دولة المانيا ودولة الصين . ما يمكن الخروج به من هذه الندوة التي قدمت فيها معلومات غزيرة حول موضوع الطاقة ومعلومات أخرى حول أهمية الطاقات البديلة والانتقال الطاقي والطاقات المتجددة وخاصة استغلال الشمس في توليد الكهرباء والتخلي عن مصادر الطاقة التقليدية الاحفورية بمصادر طاقة نظيفة هو أن تونس اليوم تحتاج إلى استراتيجية عملية لتحقيق الانتقال الطاقي الذي نحتاجه لتحقيق السيادة الوطنية وفك الارتباط مع الأجنبي بتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الطاقي بعد التحكم في انتاج الكهرباء وتوليده من الطاقة الشمسية التي تتوفر عليها بلادنا بكميات كبيرة وعلى مدار أشهر طويلة وبتركيز الطاقة الشمسية من خلال " ألواح لاقطة " في الصحراء التونسية تتحقق من وراءها صناعة كبرى توفر يد عاملة متنوعة وبأعداد كبيرة في مجالات عديدة لها علاقة بالطاقة الشمسية وهذا يعني أن البلاد يمكن أن تعرف نقلة نوعية بمثل هذه المشاريع الكبرى التي هي وحدها القادرة على تحقيق صناعة كبيرة وتنمية واعدة ومواطن شغل عديدة . لقد اتضح اليوم أن البلاد لا يمكن لها ان تتقدم إلا بالمشاريع الكبرى التي تحقق الاستثمار وتوفر مواطن الشغل وتحدث حركية اقتصادية وتجارية بإحداث مهن صغرى ومتوسطة مرتبطة بمشروع استعمال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر لاستعمالها في الفلاحة والاستهلاك المنزلي. وبمثل هذه المشاريع العملاقة يمكن أن نحقق تقدما ونهضة للبلاد.