تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال يكتب لكم: جامعةُ «لورنس العرب» لا تليقُ بالسوريين
نشر في الصريح يوم 08 - 03 - 2019

ما يُسمّى جامعة الدول العربيّة هي في الأصل فكرة إنقليزية عبّر عنها لأوّل مرّة أنتوني إيدن وزير خارجيّة بريطانيا في مطلع أربعينات القرْن المُنصَرم ، لأوّل مرّة في خطاب له بتاريخ 29 ماي 1941، ثمّ ألحّ ثانية على هذه الفكرة يوم 24 فيفري 1943 أمام مجلس العموم البريطاني، وَكُلِّفَ بترجمةِ أوّليّة لهذه الفكرة الأجنبيّة ذات الأغراض الاستعماريّة المصري مصطفى النحّاس والسوري جميل مردم بك واللبناني بشارة الخوري . اللجنة التحضيريّة لإقامة هذا الكيان المشبوه اجتمعت من 25 سبتمبر إلى 07 أكتوبر من سنة 1944، وتكوّنت من ممثّلين عن العراق وسوريا ومصر واليمن ولبنان وشرقيّ نهر الأردن، فالأمير عبد الله الأوّل كان من أوّل المتحمّسين لهذه الفكرة الأنقليزيّة . وفي 22 مارس 1945 أعلن عن إقامة ما يسمى "جامعة الدول العربية" من سبع دول هي : مصر، سوريا ، السعوديّة ، شرق الأردن ، لبنان العراق، اليمن. هي إذَن فكرة تجسّدت لتكون عبْر التاريخ المُعاصِر أداةً لتنفيذ استراتيجيّة بريطانيا تجاه المنطقة التي كان عنوانها الأبرز : لورنس العرب. بتفكيره التجريبي حاوَلَ الزعيم جمال عبد الناصر توظيفها لخدمة تطلّعاته الوحدويّة ،غيْر آخِذٍ في الحسْبان أنّ الأداة القذرة لا تصلح لتحقيقِ هَدَفٍ نبيل ، لكن في ذروةِ غيابه حَضَرَ نقيضُه أنور السادات، وانتقلَ مقرّ "الجامعة" العربيّة إلى حضن الزعيم النقيض عربيّا لعبد الناصر، إلى الحبيب بورقيبة في تونس. وهكذا يكون "الدرّ قد عاد إلى معدنه"، أي عادت الجامعة إلى دورها الديماغوجي (التضليلي) لاستيعاب زيارة حاكم الدولة العربيّة الأكبر إلى "الكنيست" الإسرائيلي في القدس المحتلّة.
وبذلكَ دشّن "أنوَرُ" هذا ، نَشْرَ خيمة الظلام الصهيوني على التاريخ العربي المعاصر. وَمِنَ المُفارَقات أنَّ بَداوَةَ الرئيس العراقي صدّام حسين في بُعْدِها العاطفي حَدَتْ به إلى تجريد تونس من مقرّ الجامعة العربيّة وإعادته إلى القاهرة (التي احْتَضَنَتْهُ طالباً...)، لتكون الجامعة في قاهرة حسني مبارك بوّابة الحصار فالعدوان فالاحتلال على بغداد صدّام وعراقه، بينما وَقَفَتْ تونس الرسميّة والشعبيّة بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي (بعيداً عن بوصلة الارتزاق التي تحدّد مَواقِف ما يُسَمّى النُّخَب الثقافيّة والسياسيّة ...) في الضدّ مِن المُتَوَقَّع، أي إلى جانب العراق بقيادة أبي عُدَيّ . وَبَعْدَ العراق تُسْتَخْدَمُ جامعة لورنس عَيْنها إيّاها لمُحاصَرَة ليبيا ثمّ غزوها وتدميرها وتكون الأوتستراد السياسي لعبور العدوان الإرهابي الصهيو غَرْبي الإخواني الخليجي التركي على الشعب السُوري ودولته الوطنيّة وكذلك للعدوان الوحشي الآخر الذي تقوده السعوديّة لتدمير اليمن وتقتيل وذبح شعبها. وَقَبْلَهُم جميعاً وَمَعهُم وَبَعدَهم للتآمر المتواصِل على الشعب الفلسطيني الذي لم تتمكّن سبعون سنة من مُعاناته المركّبة تحت الاحتلال وفي الشتات مِن إقناع "الجامعة العربيّة" بأن تتخذ بالإجماع قرارا واحدا يتضمّن آليات تنفيذه أويتمّ تنفيذه فعلا، نتحدّث هنا عن قرارات لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا والسياسيّة ودبلوماسيّا ولرفض التطبيع لا عن القرارات العسكرية لتحرير الأراضي المحتلّة فذلك خطاب لم يعد مسموحا مجرّد التفكير به أو التلفّظ بمفرداته ولو لأغراض ديماغوجيّة تضليليّة في النظام العربي الرسمي.
ولأنّ الجامعة العربيّة مِن أسماء الأضداد إلى حَدّ الكوميديا السوداء فإنّ اتفاقيات التعاون البينيّة داخلها كاتفاقيّة الدفاع العربي المُشْتَرَك جاوَزَت الكوميديا السوداء وأسماء الأضداد إلى أن أضحت بروتوكولاً صهيونيّاً بامتياز في مواجَهة دول عربية أعضاء بل ومن المؤسسين لها كما أسلفنا ، بينما كانت ولاتزال حبْراً على وَرَق وعنواناً تضليليّاً لكلّ ما يتعلّق بالعدوّ الصهيوني.
لذا ، كمواطن سوري لم أشعُر بذَرّةِ خُسْرانٍ عندما عَلَّقَتْ مَشْيَخَةُ قَطَر بأمْرٍ أمريكي إسرائيلي عضويّة سورية في الجامعة العربيّة التي بات مُجَرّباً أن لا دَور لها غيْر "شَرْعَنَة" العقوبات والحصارات والاعتداءات على هذه الدولة العربية أو تلك واحتلالها إذا لم تدخل بَعْد حظيرة الولاء لتل أبيب وواشنطن ومشاريعهما القديمة والجديدة في المنطقة والعالَم. ولذلكَ كُلّه حسبْتُ تعليق عضويّة سوريا في ّالجامعة العربيّة" مِن قَبيل الضارّة النّافِعة، وتمنّيتُ في الصفحة الأخيرة مِن كتابي "ثورات الفوضى الخلّاقة : سلال فارغة " الصادر في جوان/حزيران 2011 بتونس ، على الحكومة السوريّة أن تغتنمَ هذه الفرصة السانحة للانفكاك مِن عار الانتساب إلى الجامعة العربية والانضمام فورا إلى إطار الاتحاد الأوراسي الكفيل بحمايتنا سياسيا واقتصاديا وعسكريا وبالتالي اجتماعيا وثقافيّاً مِمّا يتهدّد وجود الدولة الوطنيّة السوريّة.
وعندما احتفى البعضُ بما سمّوه "عَودة سوريا إلى العَرب" أو "عودة العرب إلى سوريا" لم أكُن مِن المُتَحَمّسين لأنْ تنخرطَ حكومة دمشق تحت سقف "الجامعة العربيّة" في كرنفالات دبلوماسيّة لِغَسلِ الدم السوريّ عن الأيدي العربيّة الرسميّة دائماً وغير الرسميّة أحياناً ، كما انخرَطَتْ "تحت سَقف الوطن" في مُصالحات تُفرز المزيد مِن كمائن الغدر الإرهابي ضدّ مواطنينا الأبرياء وجيشنا الوطني الباسل.
ومع ذلك يبدو أنّ الحكومة السوريّة رَضِيَتْ بالهمّ ولكنّ هذا الهمّ العربي لم يَرْضَ بِها . فالعواصم العربيّة التي بادرت إلى قَطْع العلاقات العربيّة مع دمشق وتجميد عضويّتها في ما يسمّى "جامعة الدول العربيّة " بأمْر صهيوأمريكي خليجي ، وبَعْدَ أن ألحَقَ الجيش العربي السوري وحلفاؤه الهزيمة تلو الأخرى بالإرهابيين الذين كانت ولاتزال الكيانات الخليجيّة مصدر تمويلهم وتسليحهم وتدريبهم وزجّهم في الحرب ضدّ سوريا وفوق أرضها، وفي خطاب مُكابر يزعم أنّ سوريا باتت الآن "بين نفوذين تركي وإيراني" ، وعلى خلفيّة خلافاتها المزدوجة مع تركيا وقطر من جهة وإيران من جهة ثانية ناورتْ الكيانات الخليجيّة ومعها أنظمة وحكومات حوّلت بلدانها إلى كيانات وظيفيّة كما هو الآن حال الأردن ومصر وتونس مثلاً لا حَصْراً ، مُبديَةً مُرونة كاذبة إزاء الدعوات الروسيّة لإعادة "دمج سوريا بمحيطها العربي"، بالحديث عن رغبتها بإعادةِ سفاراتها إلى دمشق وَعَوْدَة الأخيرة إلى الجامعة التي طُرِدَتْ منها كما طُرِدَ سفراؤها مِن معظم عواصم الكيانات العربيّة بأمر مِن واشنطن وتل أبيب وباريس ولندن . خاصّة وأن لُعاب هذه العواصم بدأ يسيل ويساوم لاستثمار أموالها في "إعادة إعمار" ما أنفقتْ هي نفسها المليارات لتدميره في سوريا كما اعترف بعضهم…
وَما أنْ بدأت وسائل الإعلام تتناقل التكهّنات بحضور السيد الرئيس بشار الأسد "القمّة العربيّة" التي تنعقد في تونس هذا الشهر واستعدادات الدول التي أغلقت سفاراتها في دمشق لإعادة فتحها حتى بدأت هذه الوسائل بالحديث عن شروط عربيّة على الحكومة السوريّة مِن قَبيل أن تُقَدِّم دمشق طلبا لاستعادة عضويّتها (وكأنّها هي التي انسَحَبت أو استقالت مِن جامعة لورنس العرب – ويا ليتها فَعَلت) ، أو المُطالبة بتخلّي سوريا عن حلفائها الإقليميين الذين انتصروا لها سياسيا وعسكريا واقتصاديّاً وآزَروها ميدانيّا ضدّ الحرب الإرهابيّة الإباديّة المُتَوحّشة التي استهدَفَتْها، لِيَتَبَيَّن بَعْدَ رَفْض القيادة السوريّة شروطَ العودة وإعادة العلاقات، أنَّ الهَدَفَ مِن وَراء كُلّ ما أشيعَ كانَ في الأساس مُحاوَلَة دَقَّ الأسافين واختلاق مناخ جديد مِن الشكّ وانعدام الثقة بين دمشق وحُلفائها في طهران وبيروت وموسكو خاصة. وَقَد جاء نبأ سحْب القاهرة طلب إلغاء تجميد عضويّة سوريا في الجامعة لا ليُؤكِّد المدى الذي وصَلَ إليه النظام المصري في وظيفيّته ، بل ليَدعَمَ حقيقةَ أنّ كلّ ما حَصَلَ كان التفافاً على المساعي الروسيّة الصادقة لاستثمار الانتصارات الميدانيّة التي أنجزها الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأراضي السوريّة في إنهاء التوتّر في المنطقة بدءاً مِن سوريا تمهيدا لإيجاد حلول سياسيّة عادلة للمسألة الفلسطينيّة والمسألة السوريّة والمسألة الليبيّة والمسألة اليمنيّة تفضي إلى استقرار المنطقة وبالتالي التقدّم على مستوى السلام وإنهاء التوتّر في العالم. ذلك أنّ نجاح المساعي الروسيّة يعني حكماً فَشَل المشروع الصهيو أمريكي في إقامة شرق أوسط جديد على أنقاض الدول الوطنيّة من " إسلام آباد" إلى "مراكش" بإشاعة "الفوضى الخلاقة " صهيو أمريكيّا وإقامة دويلات فاشلة على أسس دينيّة طائفيّة وعرقيّة تدور جميعها في فلك "دولة إسرائيل اليهوديّة الكبرى وعاصمتها القدس الموحّدة إسرائيليّاً"، وفي السياق تصفية المسألة الفلسطينيّة تحت عناوين من قبيل "صفقة القَرْن".
ولذلك كان طبيعيّا أن "تتوقف عجلة تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، بعدما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، وطلبت من حلفائها إيقاف إحياء العلاقات مع سوريا، مهددة إياهم في حال استمروا بالتطبيع"، بحسب ما ذكره تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة.
فالهدف مِن تلك "الهبّة التطبيعيّة" الخليجيّة مع دمشق جاءت بالتوازي مع "هبّة تطبيعيّة" خليجيّة أيضا مع الكيان الصهيوني ترمي الأولى إلى بناء جدار من عدم الثقة بين دمشق وطهران وترمي الثانية إلى تحالف مُعلن بين العواصم الخليجيّة وتل أبيب ضدَّ طهران وموضوعيّاً ضدّ دمشق أيضا ، وهكذا يتمّ إجهاض كلّ نتائج تضحيات وإنجازات الشعب السوري وجيشه و حلفائه ضدّ الغزاة وأدواتهم الإرهابية الوهابية والإخونجية والسائرين في ركابهم. وبالمقابل أجهضتْ زيارة السيد الرئيس بشار الأسد الأخيرة إلى طهران هذا الرّهان الذي كان رهاناً أمريكيّاً كما يؤكد ترامب عندما أمر أدواته في المنطقة بالتراجُع عنه.
ولكن ما يجب التنبُّه إليه أنّ مَن تفْتَرَض طهران أنّهُم "حلفاء " لها كَقَطَر وتركيا والإخوان المسلمين ليسوا أبعَدَ مِن الرياض وأبي ظبي والقاهرة وعمّان عن تل أبيب ولا هُم أقلَّ حماسة لإبعاد طهران عن دمشق ، فَجَميعهم – على الرغم مِن الخلاف داخل خندقهم الواحد- يقودُهُم المايسترو الأمريكي الصهيوني نفسه.
كما أنّ افتراض موسكو بوُجود هامش لجرّ الحكومات الخاضعة لإرادة الإدارة الأمريكيّة بعيدا عن سياسات واشنطن بإغراءات اقتصاديّة (كالاستثمار في إعادة إعمار سوريّة) هُوَ في الحقيقة على ذات الدرجة مِن الوهم الخليجي بإبعاد موسكو عن طهران ودمشق بإغراءات مالية في الاستثمار وشراء الأسلحة الروسية.
لكن الأخطر أن تتراخى موسكو في حماية الدولة السورية التي لا تزال هَدَفاً للتآمُر المسلّح وغير المُسَلَّح ، فَعَزْلُ سوريا الآن هي خطة أمريكيّة صهيونيّة يُنَفِّذها عملاء واشنطن وتل أبيب في المنطقة والعالم. وإذا نجحت فستكون هزيمة الاستراتيجيّة الروسيّة مُدَوِّية بعد كلّ الجهود والتضحيات الروسية الناجعة والمثمرة حتى الآن في سوريا. فالعلاقة القائمة بين واشنطن والكيانات الخليجيّة وبقيّة الأتباع هِيَ علاقات حماية. فجميعها محميّات أمريكيّة. بينما العلاقات السوريّة – الروسية هي علاقات تحالف قائمة على حماية القانون الدولي وصيانة السيادة الوطنيّة للدول المستقلّة ، وبالتالي فإنّ أي انكشافٍ للدولة السوريّة لصالح أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أوتركيا أو إسرائيل أو الكومبارس العربي ستدفع موسكو ثمنه غالياً.
فلتحصين الدولة السوريّة ومصالح حلفائها يجب أوّلا تنظيف الأراضي السوريّة مِن الإرهابيين بمسمياتهم كافّة ومن جميع خلايا المشروع الصهيوأمريكي النائمة، وتأمين وحدة الجغرافية السياسيّة السوريّة تحت سيادة الدولة السورية في مواجهة أية أطماع أجنبيّة دوليّة أو إقليميّة تحت أي شعار أو ذريعة، وَ مِن ثمَّ تشكيل حكومة وحدة وطنيّة لإرساء أسس استقرار سياسي وأمن اقتصادي واجتماعي وصحّي وبيئي وتربوي و ثقافي وعلمي وإعلامي وصولا إلى بناء نظام سياسي وطني ديمقراطي علماني بعيداً عن التسويات التوافقيّة الحبلى بالقنابل والألغام المؤقّتة. وذلك يكون بإشرافٍ روسيّ يُراعي مصالح بقيّة الحلفاء عندما لا تمسّ السيادة الوطنيّة وحقوق المواطن السوري ونمط عيشه وخاصّة كرامته الإنسانيّة .
لقد عاشت كوبا عقوداً في خاصرة أعتى إمبرياليات العصر على الرغم مِن مُختَلَف العُقوبات وأشكال العزْل ، ولم يُغيّر ذلك مِن مَواقِفِها كما لم يؤثّر سلبا في علاقة الشعب الكوبي بقيادته ، بدعم أصدقاء الشعب الكوبي عبر العالم وفي مقدمتهم موسكو السوفياتية، ولكن بالتأكيد كان قبل ذلك بتماسُك القوى الحيّة داخلَ المُجتَمَع الكوبي ووضع المصلحة العليا للوطن الكوبي في مقدّمة ولاءات كل مواطن بَدْءاً مِن رئيس الدولة .
أمّا ما يُسَمّى "الجامعة العربيّة" فهي تقوم بالدّور الذي أنيطَ بها منذ تأسيسها ، ووجود سوريا داخلها لن يُغيّر شيئاً مِن هذا الدور البريطاني سابقا والبريطاني الأمريكي الصهيوني حاليا . وحقائق اليوم وخبرها اليقين الذي عند جهينة العربية يردده أبناؤها الجهيناويون مشرقاً ومغربا ، وخلاصته أنّ لا مكان لسوريا في جامعة لورنس العرب مادام يقودها رئيس وطني يرفض الانصياع لإملاءات السياسة الصهيو أمريكيّة ، ويرفض التطبيع بأشكاله كافّة مع العدوّ الصهيوني ، ويتمسّك بسوريّة كل شبر من الجولان المحتلّ، كما يتمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، كما يرفض أن تُنْعَتَ إيران الحليف في مواجهة الإرهاب التكفيري والاحتلال الإسرائيلي بالعدو الجديد وأن يجري التجييش ضدّها بقرار إسرائيلي-أمريكي.
فالقول إنّ إعادة فتح السفارة السورية في هذا البلد أو ذاك ومشاركة السيد الرئيس بشار الأسد في القمّة العربيّة مشروطان بإجماع عربي يُضمِر حقيقةً تُردِّدُها الشعوب العربية قبل غيرها وهي: "اتفق العرب على أن لا يتفقوا" ، وبالتالي فإنّ كلّ القرارات في الجامعة العربية وفي مجالس الحكومات العربية ، حتى المتعلقة بالسياسات الداخلية ، تُمْلى على الجامعة العربيّة وعلى الحكومات العربيّة . وهذ ه هي الخلفيّة الجاثمة في "لا وعي" مملكة آل سعود عندما " تُؤكد على ضرورة الإسراع في تشكيل لجنة دستورية في سوريا" (علما أنّ المملكة بدون دستور)، وأيضا الخلفية ذاتها لتأكيد وزير خارجيّة ما يُسمّى "الإمارات العربية المتحدة" الشيخ عبد الله بن زايد على "اختلاف الإمارات مع منهج الحكومة السورية في انتهاج الكثير من الخطوات داخليّاً" ، فهؤلاء البدو الذين ترسم لهم واشنطن سياسات حكوماتهم الداخليّة والخارجيّة يردِّدون كالببغاوات ما يقوله أمامهم أسيادهم الأمريكان والإسرائيليون غير مُدركين أنّ ذلك اعتراف بجريمة يُعاقِبُ عليها القانون الدولي ، أعني جريمة التدخُّل في السياسة الداخليّة للدول المستقلّة ذات السيادة.
أنا المُواطن السوري أرى وألمس أنّ السيّدَ الرئيسَ بشار الأسد سُوريٌّ سيّدُ نفسِه ، يوصلتُه مصلحةُ شعبِه وكرامتُه، ملتزِمٌ بالقانون الدولي الذي أقرّه العَقْلُ البشري وغيْرُ مَعنيّ بأولئكَ الذين لم يغادروا عقليّا ووجدانيّا قانون الغاب الذي يريد رعاةُ البقر باعتمادِهِ أن يهيمنوا على العالَم، أعني أولئكَ المملوكين والمأمورين والمرؤوسين الذين عادوا في لقاءاتهم الخاصّة إلى الحديث الخرافي عن التريّث بشأن إعادة العلاقات مع دمشق إلى أنْ "تنعَمَ" سوريا "بفَضْلٍ" مِن عزلها ومقاطعتها برئيسٍ مِن طرازِهم القطيعي، هكذا عادَت أسطوانة "ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد" تتصدّر أمنياتهم التي يأخذونها مأخذ الواقع .
وإذا صَحَّ القول الذي حضرَني سابقا ويحضرني الآن: "رُبّ ضارّة نافعة" ، فإنّ أمامَ السوريين فرصة سانحة للتخلّص مِن أيّ عبء أيديولوجي يجمعنا بالقوّة إلى أولئك المُتَرنّحينَ على كثبانِ الصحراء بين الحجَر الأسود والبيت الأبيض ، وأن نعيدَ بناء ليس الحجر السوري فقط بل وقبله الإنسان السوري وروحه وهويّته الوطنيّة من المُعطيات التي أكدتها هذه الحرب الشاملة التي استهدفت إلى جانب دورِ السوريّ السياسي الإقليمي وحضورِه الإنساني، وُجُودَه كذات حضاريّة أصيلة وَمُبْدِعَة الآن وَمستقبلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.