خلال الندوة الفكرية التي نظمتها مؤسسة التميمي مؤخرا حول أي نظام سياسي وأي دستور نريد والتي أثثها أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ دار نقاش مهم بين حسين الديماسي وزير المالية الأسبق في حكومة الترويكا الأولى والصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري ومدار هذا النقاش هو كيف نقطع الطريق على حركة النهضة حتى لا تنفرد بالحكم في الانتخابات القادمة خاصة و كل نتائج سبر الآراء الأخيرة قد أوضحت تقدم حركة النهضة على كل الاحزاب الأخرى وبعد أن اتضح أن القوى الحداثية تشقها خلافات جمة ويصعب عليها الالتقاء في جبهة سياسية واحدة . في تعقيبه على ما جاء في مقاربة الأستاذ أمين محفوظ بخصوص ضرورة ادخال تعديلات على دستور 2014 وتغيير النظام السياسي بما يجعل منه نظاما واضح المعالم ويخضع لقواعد التصنيف الدستورية النمطية في تعريف أنظمة الحكم، قال حسين الديماسي في تعقيبه على ما جاء في مقاربة الأستاذ أمين محفوظ بخصوص ضرورة ادخال تعديلات على دستور 2014 وتغيير النظام السياسي بما يجعل منه نظاما واضح المعالم ويخضع لقواعد التصنيف الدستورية النمطية في تعريف أنظمة الحكم إذا تواصل الوضع على ما هو عليه اليوم وإذا ابقينا على نفس طريقة الحكم ونفس النظام السياسي فإننا سوف نجد أنفسنا أمام خمس سنوات أخرى أسوء من سابقتها وسوف نجد أنفسنا أمام كم هائل من الأخطاء الجسيمة والتي سوف تتكرر وتتراكم مع من سوف يتولى الحكم وأظنه حركة النهضة التي أتوقع أن يكون لها حظوظ وافرة للفوز في الانتخابات المقبلة وهذا يعني أن عملية الاصلاح سوف تكون صعبة خاصة إذا ابقائنا على نفس القانون الانتخابي الذي لا يخدم إلا حركة النهضة حتى وإن قالوا أنه جعل لكي يحقق شيئا من التوازن الحزبي وحتى لا تنفرد حركة النهضة بالأغلبية المطلقة. بهذا القانون للاقتراع فإن حركة النهضة سوف تحصل على أغلبية بسيطة لذلك فإن النهضة لا نريد مستقبلا أن تحكم بمفردها وإنما الذي نريده هو تشريك غيرها معها حتى لا تحاسب بمفردها وحتى تمارس السلطة من وراء ستار والحال أنها هي الحاكمة الوحيدة ولتفادي هذا السيناريو السيئ فإني اقترح حلين : الأول : هو الاتفاق على حكومة انقاذ وطني مكونة من كفاءات وطنية تتولى إدارة الشأن العام لفترة مدتها سنة واحدة يعهد إليها مهمة إصلاح ما تم افساده ذلك أنه في مثل هذا الواقع المتعفن بكم كبير من المشاكل فإنه يصعب على أي حكومة حزبية أن تنجح في مهامها . الثاني : هو ضرورة تغيير القانون الانتخابي حيث لا مخرج لقطع الطريق أمام حركة النهضة من دون تغيير لطريقة الاقتراع ووضع بديلا عنه يبنى على فكرة الانتخاب على القوائم في دورتين لإفراز أغلبية مطلقة وبذلك نعرف من نحاسب ولكن حتى هذه الطريقة التي اقترحها فإن هناك حظوظ وافرة لتفوز حركة النهضة و في هذه الحالة تكون مجبرة على الحكم بمفردها وعندها يمكننا أن نحاسبها .. ما هو مطلوب اليوم إلى جانب تغيير القانون الانتخابي إعادة النظر في الدستور وتغيير النظام السياسي نحو تبني النظام الرئاسي " المراقب " والسبب في ذلك هو أن الشعب التونسي غير جاهز لتطبيق النظام البرلماني فالموروث الثقافي للشعب التونسي مازال يميل إلى فكرة الزعيم والرئيس الأوحد. يتفق الصادق بلعيد مع حسين الديماسي في توصيف المشهد السياسي و في اعتبار أن الحالة سيئة وأنه لا أمل في المستقبل وبأن القادم لن يكون أفضل في ظل الوضع الحالي الذي يحكمه الدستور الحالي الذي يحتوي على نص قانوني لا يفرز إلا الأزمات ويحمل في طياته عوامل ضعفه وفي ظل النظام السياسي المطبق الذي لا ينتج إلا الهروب إلى الأمام والتفصي من المسؤولية واستنساخ الفشل والقانون الانتخابي الحالي الذي تحتكم إليه الأحزاب لا يفرز إلا فسيفساء حزبية ومع ذلك يجب أن نفعل شيئا لإنقاذ الوضع وإيقاف حركة النهضة ولكن الحل ليس فيما قاله الديماسي بخصوص اعتماد حكومة للإنقاذ الوطني فهذا الحل غير ممكن في الوضع الحالي وهو خيار تم اتخاذه في فترة معينة في زمن حكومة الترويكا الثانية حينما تم إجبار حكومة علي لعريض عن التنحي بغير الطريقة الديمقراطية وهي الحكومة المنتخبة لتحل محلها حكومة المهدي جمعة وهو تصرف انقلابي - العبارة للبعيد - ويعد انقلابا على المنتخبين - في اقرار صريح على أن الذي حصل مع حكومة الترويكا الثانية سنة 2014 هو انقلاب على الشرعية - لا يمكن إزاحة الموجودين والمنتخبين بمثل ما حصل مع المهدي جمعة وهذا الحل هو غير ممكن وصعب التحقيق. وحتى الحل الثاني والمتعلق بتغيير النظام السياسي فهو صعب أيضا لأن النهضة اقتنعت أنها ليس بمقدورها أن تحكم بمفردها نتيجة عدم امتلاكها للنخبة المثقفة القادرة على القيادة وتسيير الحكم وهذا ما يفسر اعتمادها بكثرة على المستقلين . كان هذا أهم ما جاء في النقاش الذي دار في مؤسسة التميمي بين حسين الديماسي والصادق بلعيد وهو نقاش مهم يثبت التخبط الذي تعرفه النخبة السياسية والفكرية في الإجابة على سؤال ماذا نفعل حتى نقطع الطريق أمام حركة النهضة ؟ أو كما قال الرفيق لينين ما العمل أمام سيطرة الأفكار البورجوازية في المجتمع ؟ وهو نقاش يؤكد مرة أخرى أن النخبة السياسية تفكر بعقلية كيف نهزم الخصم السياسي وليس بعقلية كيف ننتج الحلول والبدائل الاقتصادية والاجتماعية والتفكير في مصلحة الوطن والتخلص من كل المعوقات التي تمنع البلاد من الاقلاع وتخطي مرحلة الانتقال الديمقراطي والصعوبات الاقتصادية .. ما لحظناه في هذا النقاش وفي كل التدخلات التي رافقته هو أن الايدولوجيا هي التي كانت طاغية على التفكير وأن العداء الايديولوجي كان حاضرا بكثافة وقوة وأن النخبة السياسية المسيسة تحكمها الايدولوجيا أكثر مما يشغلها مصلحة الوطن ومصلحة الشعب.