تجاذبات حول المناخ، تدفع ببعضهم الى حب الظهور على الشاشة السياسية من جديد،لاكتمال ما قاموا به من دمار وتشويه، لمسيرة تونس، تناسوا انهم اعتلوا العرش بالصفر الفاصل، اي ببضع الاف من الاصوات، نتيجة تخمينات الثورة، التي هزت اركان المجتمع بأكمله، ورمت به في احضان الرجعية، فتعطلت مصالح المواطن، وتدهورت قدرته الشرائية الى ابعد حدود، وكل من تحمل مسؤولية الحكم خلال السنوات الماضية يتملص اليوم منها، ويرمي بها على الآخر، لان جلهم لم يكونوا أكفاء لتحملهابجدارة، ولم يأخذوا بيد تونس الى شاطئ الامان، فتبا لهؤلاء السياسيين الجدد، ولمن عبد لهم الطريق، و مكنهم من المسؤولية، وان كانت لهؤلاء دراية، واخلاق سياسية،لما هبوا الى الاعلام بأنواعه، طالبين المعذرة من الشعب، الذي افلسوه،وسلبوا امواله باسم نضالهم المفقود،الذي لم تثبته العدالة في مرحلة من مراحلها من البديهي، وأيضا من المسؤولية، ان يطالب المواطن دائرة المحاسبات مراقبةو تثبيت تصرف كل من تمتع بتمويل من الدولة، و من الاسف أن يلاحظان أغلب الاحزاب والجمعيات لم تلتزم بوعودها، ولم تسلط عليهم بعد، العقوبات المنصوصة في القانون، و توالت الانتخابات وكل يترقب التقارير المالية المرجوة، لكن وعود الاستظهار بالوثائق المطلوبة كانت باطلة، وبفقدانها تزداد الشكوك في مصداقية اهل السياسة ومن حولهم،وذلك خطر على بناء الديمفراطية التي نادت بها، وضحت من اجلها اجيال، كان حلمها البناء والتشييد، في كنف الحرية والشفافية في السلوك، واليوم وقد تبعثرت المبادئ وسيطر على الساحة السياسيةو المال الفاسد، والاقتصاد الموازي، و الاحزاب والجمعيات الفاقدة للمرجعية،و التي تعمل جلها في الخفاء،لأجندات وجب على الحكام كشفها، والتنديد بها،لأنها تهدد، يوما بعد يوم، استقلال قرارنا،اذ أصبح الاجنبي يتدخل بكل قواه في مسارنا الداخلي، بأقنعة مختلفة،حتى في اروقة الحكم بالذات تسللوا، لان بلادنا فقدت مناعتها، واستولى على قيادتها اصحاب الازدواجية، في اللغة والسلوك،ومهما يكن من أمر فلا يمكن لمن ليس له تاريخ يذكر، او من اتى لمسايرة الركب، واغتنام الفرصة ليصبح سيدا،وان يستمر في تغليط المواطن،بتلميع صورته، او ذكر آفاقه المستقبلية، او التنكر لما جناه من تقهقر للبلاد، لعدم نضجه وقلة خبرته، ولارتباطه العضوي بمن مد له يد المساعدة بالمال الرخيص، والابهة المزيفة، أغلبهم يلجأ عادة الى المظاهر الخداعة للتمويه عن النوايا الحقيقية، لانهم عاجزون عن بيان الاهم من المهم، و لذلك فقدوا التقدير والاحترام،فالتجأوا للحصانة واخذوها سبيلا، ليفلتوا من العدالة، التي هي ضرورة لا مفر منها لمن عبث بمسيرة البلاد، وحاول تشويه صورتها، والحط من أهمية تاريخها،وتجرأ على نكران انجازاتها،وتملص من الانتماء الى حضارتها، واختار ازدواجية الجنسية للتمتع بفضلها و بمزاياها، وصحافتنا بأنواعها لم تعتن بالمواضيع الحساسة وهو من دورها ومن مهامها، بل اصبحت تطمئن للمجهول، وتدق مزامير من خان تونس وتلوح بعودته الى الميدان وهي مدينة بمزاياه ومحاولة لإرضائه تعمل بكل ما قدم لها من أموال الشعب نفض الغبار عن مساره، والرجوع به الى ما كانوا عليه وازلامه، من مقام وهيبة تحت غطائه، والكتاباتبالأمس تشهد على فقدان الصواب، والسجل مليء بالخدمات والطاعة لأولي الامر، فمنهم من كانمن الدعاة"لتونس الغد" و حتى المشاركة في اعداده، ولا غرابة لوجودهم اليوم في الصف الاول،اذ تناسوا تاريخ ولائهم المفرط، واصبحوا من المؤيدين للثورة، حماية لمصدر ثروتهم، وتأمينا لاستمرار مواردهم، وذهبت صحف ممولة من جباية المواطن، الى غلق منافذ الادلاء بالرأي، واركان النقاشفي مسيرة الامة من صفحاتها، وذلك تعبيرا للولاء للحكام الجدد وازلامهم، وهو خرق فادح لما أتت به الثورة من حرية للتعبير، ودفاع عن الرأي المخالف، وحتى لقانون المهنة،والمطلوب في بلادنا اليوم هو البحث عن الحلول التي تشفي من الدمار المتواصل، ورئيس الدولة بنفسه يقر بمرض البلاد، لكن العلاج لم يأت بعد،لفقدان اللحمة المفروضة لإخراج البلاد من الوحل التي هي فيه، وصدق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، طاب ثراه، لما تنبا ان "التكالب على الحكم لايهيئ للحكم وان مؤهلاته هي القول الصادق والعمل المخلص والنظر البعيد مع الكفاءة والمقدرة والتفاني في خدمة صالح البلاد" (14 اكتوبر 1971 المنستير).