العدالة الانتقالية قامت على إجراءات وقواعد استثنائية للبت في القضايا موضوع التعهد، والتي جعلها الدستور مُعَطِّلَةً - بصفة مؤقتة - لمبادئ أساسية في أصول المحاكمات العادلة وضمان استقرار الأوضاع، كمبدأ اتصال القضاء ومبدأ عدم رجعية القوانين ومبدأ انقراض الدعوى بمرور الزمن. فالمبادئ الإجرائية تعتبر إذن جزء لا يتجزّأ من منظومة العدالة الانتقالية، بمعنى ان نهاية مدّة العدالة الانتقالية تؤدّي منطقيا الى نهاية شرعية المبادئ التي أرساها الفصل 148 من الدستور. إذا حدّد الدستور مدّة العدالة الانتقالية بأربع سنوات - وبغضّ النظر عن قضية شرعية التمديد بسنة إضافية من عدمه - فإن المنطق القانوني المستمد من الدستور واضح في ضبط مدة محددة للعدالة الانتقالية وبانقضاء تلك المدة تنتهي الصبغة الانتقالية للعدالة، وينتهي مفعول تعطيل المبادئ الاساسية في أصول المحاكمات الجزائية التي بينّاها سابقا. وبناء على ذلك يصبح القول بأن اختصاص الدوائر القضائية المتخصصة المحدثة في نطاق منظومة العدالة الانتقالية يمكن ان يتواصل بعد انقضاء المدة المحددة دستوريا للعدالة الانتقالية، قولا واهيًا وضعيفًا، لأن أساس نظر تلك الدوائر قائم على الاستثناءات الاجرائية التي أوردتها منظومة العدالة الانتقالية، والتي ضبطها الفصل 148 من الدستور ولاسيما النقطة التاسعة منه، وبدون تلك الاستثناءات تفقد الدوائر المتخصصة كل شرعية في التعهد بالملفات المحالة عليها من هيئة الحقيقة والكرامة، إذ ستكون تلك الدوائر ملزمة بالتقيد بالمبادئ الأساسية في أصول المحاكمات الجزائية، وسيتعين عليها احترام مبدأ اتصال القضاء ومبدأ سقوط التتبع بمرور الزمن، وغيرهما من المبادئ التي عطّلها - مؤقتا -النص الدستوري المومئ اليه. ولمّا كانت مدة سريان ذلك النصّ الدستوريّ محدّدة بأربع سنوات، فإنه بانقضاء تلك المدة لا يجوز للدوائر المتخصصة مواصلة اعتمادها على الاستثناءات المؤقتة، وتفقد حينئذ اختصاصها ومشروعية انتصابها.