برحيل فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي رحمه الله واسكنه فراديس جنانه فقدت تونس احد القلة القليلة الباقية من شيوخها الذين بهم ظل السند العلمي الزيتوني متصلا حقيقة وواقعا تتلمذ لكبارشيوخ الجامع الاعظم وعلى راسهم سماحة الشيخ الامام محمد الطاهر بن عاشوررحمه الله وعلى ايديهم تخرج مستوعبا ومتمكنا من العلوم الشرعية في مختلف فروعها وتخصصاتها لينخرط في سلك التدريس وليتولى ادارة الفروع الزيتونية فرع بنزرت ولدى توحيد التعليم تولى نظارة معهد ابن شرف بالعاصمة ولم تشغله المسؤوليات الادارية التي تولاها و اداها على احسن الوجوه واتمها عن ان يظل موصولا بما اعتبره طيلة حياته مصدر تميزه اعني بذلك الاستزادة من التحصيل العلمي تمثلا لقوله جل من قائل "وقل رب زدني علما" مما بواه شيئا فشيئا المكانة العلمية الرفيعة وما شهد له بها الجميع وكان لزميله وصديقه فضيلة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة رحمه الله لما كان عميدا للكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين الفضل في الافادة من علمه وذلك بتكليفة بتدريس مادة الدراسات القرانية لطلبة الكلية الزيتونية في قسم الشريعة وقد نالني شخصيا الشرف شرف التتلمذ عليه والاقتراب منه وقد اكتشفنا نحن طلبة قسم الشريعة في الكلية الزيتونية في سبعينيات القرن الماضي في الشيخ محمد المختار السلامي غزارة علمه وسعة اطلاعه وشديد اهتمامه بدرسه فقدكان يعده اعداداجيدا ويكتبه من اوله إلى اخره ويتولى القاءه علينا وكنا نلاقي صعوبة كبيرة في متابعته لسرعة القائه مما يضطرنا إلى الاستعانة ببعضنا البعض لاكما ل أي نقص ففي تلك الفترة وازاء الفراغ العلمي الذي اصبحت تعيشه البلاد برحيل العلماء الواحد تلو الاخر اخذ نجم الشيخ محمد المختار السلامي رحمه الله يلمع وحاول و بالحاح من الشيخ الحبيب بلخوجة ان يناقش اطروحة دكتوراه ليلتحق بصفة رسمية بالكلية ولكن البعض حال دون ذلك مما دفعه الى تغيير وجهته ليتولى خطةمتفقد التربية الاسلامية في المعاهد الثانوية ومن حسن حظي انه رحمه الله هومن تولى ترسيمي بعد تفقدي عدة مرات وتحت اشرافه اعددت بحثي البيداغوجي وكان في موضوع التكامل والتمازج بين مادتي التربية الاسلامية والتربية والوطنية وهما مادتان ظل يدرسهما خريجوالكلية الزيتونية لتلاميذ التعليم الثانوي بمرحلتيه الاولى والثانية في هذه المرحلة من حياة الشيخ محمد مختار السلامي توطدت علاقتي به وكانت للشيخ انشطة متعددةمنها الامامةوالخطابة بجامع السلام بمتيال فيل والمشاركة في الندوات والملقيات العلمية التي تعقد دوريا في القيروان بمناسبة المولد النبوي الشريف وغيرها من المدن التونسية وبانتقال فضيلة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة رحمه الله من خطة الافتاءالتي كانت اثناءها صلته بالشيخ السلامي وطيدة إلى مجمع الفقه الاسلامي لتولي خطة امين عام تمت تسمية الشيخ محمد مختار السلامي مفت للبلاد التونسية وكان الوزير الأول في تلك الفترة الاستاذ مجمد مزالي والذي كان يكن للشيخ السلامي احتراما كبيرا وهو من كان وراء تسميته متفقدا عندما كان وزيرا للتربيةكما كان للشيخ الحبيب بلخوجة دور في ترشيحه لتولي خطة الافتاء بتزكيته ولم يكن أمر تسمية الشيخ السلامي مفت باليسير في تلك الفترة فقد ظلت هذه الخطة يتولاها ابناء تونس العاصمة في بداية تولي الشيخ السلامي لخطة الافتاءكنت اتردد عليه في مكتبه وكان يعبر لي عما لاحظه لدى مشاركاته الاولى لما دعي إليه من لقاءات ومؤتمرات من تحيز من الشيوخ من البلدان الشقيقة لبعضهم حتى في اعطاء الكلمة لبعضهم البعض ولكن شيئا فشيئا وبما بذله الشيخ السلامي من مجهود علمي جاد فرض نفسه ولفت الانتباه إليه وكان لصديقه فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة رحمه الله فضل في ذلك فقد اصبح الشيخ محمد المختار السلامي عضوا ممثلا لتونس في المجمع ومن خلال دورات المجمع السنوية المنتظمة ومن خلال لجانه ومن خلال الهيئات المتفرعة عنه ومن خلال المنظمات المتعاونة مع المجمع الهيئات الشرعية للمصارف الاسلامية وبيوت الزكاة ومنظمة الطب الاسلامي وغيرها توالت مشاركات ومساهمات الشيخ السلامي وكانت تتميز بالجدية والصرامة العلمية و لمع نجم الشيخ محمد مختار السلامي في المحافل العلمية والدينية وفي تونس تولى الشيخ محمد مختار السلامي إلى جانب خطة الافتاء رئاسة المجلس الاسلامي في تشكيلته الأول قبل تحول السابع من نوفمبر وحافظ على الجمع بين هذين الخطتين بعد ذلك إلى ان اسندت رئاسة المجلس الاسلامي إلى الدكتور التهامي نقرة رئيس جامعة الزيتونة رحمه الله وظل الشيخ محمد مختار السلامي محافظا على خطة الافتاء لسنوات عديدة ظل يحظى فيها بالاحترام إلى ان ترك هذه الخطة ليتولاها فضيلة الشيخ محمد كمال الدين جعيط رحمه الله وهو صديق للشيخ السلامي رحمه الله واشهد لله ان الشيخ جعيط رحمه الله لم يسع إليها بل اؤكد انه فوجئ بتسميته في خطة الافتاء وكان انذاك نائبا بالبرلمان حتى انه لما دعي يوم تسميته للتوجه للقاء السيد الوزير الأول الدكتور جامد القروي لم يكن يعلم لماذا هذا اللقاء وقد مر قبل اللقاء بمكتب صديقه الشيخ السلامي في دار الافتاء واجتمع بهما السيد الوزير ليعلمهما بالامر وتلك سنة الحياة لم يؤثر ترك الشيخ السلامي لخطة الافتاء على انشطته الخارجية فقد ظل يشارك في دورات المجمع ولجانه وفي المؤتمرات والندوات التي يدعى إليها بل ازداد نسقها وحافظ الى اخريات حياته على عضوية الكثير من الهيئات الشرعية للبنوك الاسلامية في دول الخليج وفي تونس اثر الشيخ محتار السلامي رحمه الله ان يقضي بقية عمره المديد في مدينة صفاقسمسقط راسه واليها والى ابنائها ونخبتها اهدى مكتبته العامرة لينتفعوا بها ولتكون مركز اشعاع بما تحتويه من ذخائر جمعها طيلة مسيرته العلمية الطويلة تفرغ الشيخ محمد مختار السلامي رحمه الله في اخريات حياته إلى تاليف تفسير للقران الكريم في ست مجلدات صدرت طبعته الثانية اخيرا بعد ان نفذت الطبعة الاولى يحمل عنوان نهج البيان في تفسير القران وكان صدر له قبل ذلك كتاب ضم فتاويه ابان توليه خطة الافتاء اضافة إلى كتاب في مجلدين يحمل عنوان الهداية الاسلامية تضمن خطبه الجمعية التي القاها على منبر جامع السلام في متيال فيل وكتاب اخر تضمن مساهماته في الابحاث ذات الصلة بالطب "التبرع بالاعضاء..الاستنساخ الهندسة الوراثية بداية الحياة ونهايتها وغير ذلك" وللشيخ كتب ومؤلفات وابحاث ودراسات اخرى في علوم القران وغيرها من المواضيع رحم الله شيخنا واستاذنا الجليل محمد مختار السلامي واسكنه فراديس جنانه والهمنا جميعا جميل الصبر والسلون وانا لله وانا إليه راجعون