انطلقت الحملة الانتخابية، والجميع يترقب تصورات المستقبل، والوصفة التي يجب اتباعها، لوضع حد للمرض العضال الذي اصاب تونس، منذ عشرات السنين، وذلك هو المطلوب من ستة وعشرين مرشحا للاضطلاع بقيادة الامة، وتوفير لها الرفاهة والاطمئنان، والسؤال الذي يطرح نفسه،ليس قدرة الخطابة اوالمراوغة الخبيثة في الاجابة عن الأسئلةالمصيرية،بل المهم ما اعده هؤلاء المرشحون لمواجهة الوضع، بكل حزم وشفافية،وقد اثلجت صدورنا، منذ الثورة،الوعود الظرفية،التي بقيت حبر على ورق، ويمتاز الوضع اليوم لعدم جعل الاولية للاقتصاد بتراكم المشاكل مع الايام،وازدياد فقدان الثقة في السياسة واهلها، ومعاودة الحنين الى الدكتاتورية وزبائنها، ويبقى في الخفاء من عبث بتونس ومصيرها، وهم شرذمة من لبيات المال، ومن رجال اعمال اندسوا منذ عهد المخلوع،وسيطروا على مفاصل الدولة، وعاثوا فيها فسادا، بمعية سفارات اجنبية، واصبحوا من جراء ذلك يتمتعون بحماية مطلقة، ولا تفوتهم انتخابات الا وكانوا من ورائها، يدعمونها بكل الوسائل في الخفاء المطلق، والتاريخ لا يرحم من استهتر بمصير امة، وعمل على بث الحقد و الضغينة في ارجائها، طال الزمن او قصر،فمن كان المستفيد من تأزم وضع البلاد عدة مرات، ولم تثر الزوابع لتتبعهم، وهم يجولون البلاد شرقا وغربا، لتكوين انصارا لاستعمالهم عند الحاجةوعند الازمات المفتعلة، وكانوا وراءها، يؤثرون فيها عن قرب، واليوم يعيدوا الكرة، وعوضا عن الامل بان تؤخذ النقابة والمجتمع المدني والحكومات المتتالية في الحسبان الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وان تقوم بدورها الوطني، لان فقدان الدولة، والمس من هياكلها، لا يوفر المناخ المناسب لتحقيق الاهداف التنموية، والواجب يدعو الى فهم الوضع، والعمل على عدم تصعيد الاحداث، والبحث من جميع الاطراف على وجود الحلول واستنباطها، وعدم جر البلاد الى الافلاس،كما هو الحال اليوم، ويكون ذلك مع تشريك أهل الذكر، وكل المؤسسات الاقتصادية التي بإمكانها ان تلعب دورا رئيسيا في الانقاذ، وللمنظمات النقابية والمجتمع المدني وهم، حسب رايي، اكبر قوة، موازية للأحزاب تساعد باستمرار تفادي صدام مع الحكومة، وتعمل على التناغم بينها وبين بين عمل الدولة و في بداية المباريات الوطنية التي انطلقت، والتي تبدو نتائجها مخيفة في الافق، لا تبشر بخير،لأنه لا يمكن لاحد التوقع لمن له الغلبة فيها، فضلت، بكل تواضع، المساهمة من خلال قلمي في انارة السبيل، والاستدلال بالماضي، فهناك تاريخ نضالي وطني، من اجل تحرير البلاد، ساهم فيه اناس عرضوا حياتهم للموت من اجل الثبات على الموقف، وهم شخصيات اثبتت قدرتها على تحمل المسؤولية وطرحوا مسبقا المشكلة التي نعاني منها اليوم، والتي يمكن حصرها كالآتي ماهي السياسة التي يجب اتباعها لتحقيق التنمية؟ وهذا السؤال لم يجد الحل الذي يساعد الوصول الى النتائج المرجوة من المبوبين للرئاسة بأصنافهم، وانتماءاتهم العقائدية،يزعمون جلهم ان بلادنا سائرة في طريقنموها نحو الافضل، باعثة الامل في النفوس، وفاتحة ذراعيها لكل كفاءات ابنائها، متعهدينبان يكون الولاء لتونس ولا لغيرها، وفي هذا الباب، وجب الرجوع الى التاريخ واستنباط الحلول من التجارب التي اعطت اكلها، لان من استولى على الحكم بعد الزعمين الحبيب بورقيبة و الباجي فائد السبسي، بصفة مباشرة او غير مباشرة، حاول، بكلدهاء، محو كل الانجازات، و تشويه سمعتها، وهو غالبا ليس من اهل الذكر في ميدان السياسة، مسيرته مشكوك في مصداقيتها، رفضه الشعب عند توليه الحكم، لأنه اختار السياسة الحزبية الضيقة، وازدواجية الخطاب الممل،فمنهم من انتهج التباهي بدوره في التأثير في موقع القرار،ولجأ الى انتقاء الاحداث، لتنوير ماضيه، وتلميعه،وكم دعونا بإلحاح، وضع حدلتشويه التاريخ من الذين لم يكن لهم نصيب فيه
ولو عدنا الى المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم بكل مرارة، وكأننا في سوق عكاظ، تجلى فيه السباق على كرسي الحكم، و التناشد لبلوغه، وظهرت الخفايا لأهل المال،اذ اصبحوا في المدارج الاولى، للدفاع عن مكتسباتهم المشروعة، وغير المشروعة، واغتنموا الفرصة للانضواء تحت احزاب لم يكونوا قط من المنتمين اليها، ويكفي القاء نظرة على القوائم، وتركيبتها، حتى يتبين لنا المسار المظلم الذي ندفع فيه، وليس لنا اختيار سوى المطالبة باجتناب العنف، في تغيير الاوضاع، حتى لا تنجم من ردود الفعل نتائج وخيمة، من شانها ان تنال من وحدة كيان وطننا وانسجامه. فالمنطق المبني على الغلبة، والمقارنة بما يجري حولنا، طريقة غير آمنة، لكنها تستهوي الافكار السطحية، التي لم تشارك في تطوير الامة من بعيد او قريب، و اختارت جنسية ثانية، وبنت حياتها في وطنها الثاني، مما افقدها ذلك الشعور والاحساس بالانتماء، ولو بذلوا اليوم اقصى جهودهم واموالهم في الاشهار، والظهور بمظهر الانسجام مع الاوضاع العصرية، تلك هي في الحقيقة مغالطة، يجب على الاحرار الانتباه اليها، والتصدي لها ببطاقة الانتخاب وما يحدث اليوم في خضم الصراعات لدخول قصر قرطاج، لدليل قاطع على تدهور المشهد السياسي الذي حاكه المجلس التأسيسي، ومما زاد في تأزم الوضع، وتعميق فقدان مصداقية السياسة عند الشعب، تعاقب الحكومات ومئات مستشاريها تميز جلهم بعدم معرفتهم للإدارة، وعدم قدرتهم على تسييرها، وخلطهم بين مسؤولياتهم الحزبية والادارية، فكان نتيجة كل ذلك سوء الاداء، وفقدان ثقة المواطن، وزج البلاد في التداين المريب، لكن الحدثالملفت للانتباه هو خروج المرأة ثانية على الساحة السياسية، ودخولها معركة التنافسحتى على القصر، آمنة بالفوز، لقدرتها على تسيير البلاد، وتمثيله احسن تمثيل في المحافل الدولية، مؤهلة لإخراج البلاد من المأزق التي هي فيه، صادفني الحظ ان اكون رئيس ديوان الوزير محمد الصياح لعشرات السنين، وهو الرجل المخلص لأفكار بورقيبة ومبادئه، وهو العبقرية السياسية بدون منازع، كما ارد الله تعالى ان اكون، لسنوات عدة، رئيس ديوان وزيرة الصحة، الاستاذة في الطب سعاد اليعقوبي، وهي كذلك من شعلة النظام البورقيبي، امرأة مميزة ايضا بالحنكة والاستنباط، اردت بهذه المقارنة، وانا اعرف ما لا يعرفه المتطفلون عن السياسة، ان المرأة كالرجل لها من الكفاءة والقدرة لإنجاز الوعود، ولا تختلف عليه في هذا الباب، والسيدة العبقرية المحامية عبير موسي من طينة هؤلاء الزعماء، واكاد اجزم ان لها واقعية في ادارة الشؤون العامة، اعطت الدليل، في المناظرة الجارية،على سعة صدرها، وقوة برهانها، ومعرفتها الدقيقة لوضع البلاد، وما يمليه من جهد لإخراجها من المأزق، التي وضعت فيه من جراء عدم سياسة المراحل في التفكير، ولو ان البعض من هؤلاء الحكام، يعيدون الكرة، بدون اللجوء الى تحليل المضرة التي الحقوها بالبلاد،والغريب ان لهم الجرأة بالتقدم للناخب من جديد، كأن شيئا لم يكن، وكان من الاجدر بهم الاعتراف بفشلهم الذريع، لما اعطاهم الشعب ثقته، ومكنهم من مقود السفينة، فكانت خيبة المسعى من حكمهم، والتجربة اظهرت اليوم، انهلا خوف اذا من ان تكون المرأة تنافس الرجل في اعلى مناصب الدولة، وهي كفيلة، وجديرة بذلك، الصدق ديدنها، والنجاح في المهمة غايتها، ولا حسابات شخصية تذكر امام التضحية في سبيل الغير، وهنيئا لتونس ان تكون لها نساء مثل السيدة عبير موسي تراهن على الفوز بقصر قرطاج وتلك هي ثمرة أخرى من زرع بورقيبة ورفاقه طاب ثراهم