بوروسيا دورتموند يهزم مونتيري و يضرب موعدا ناريا مع ريال مدريد في ربع نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    برنامج مباريات ربع نهائي كأس العالم للأندية    تونس – تأجيل محاكمة قضية "المؤامرة 2"    موسم الحبوب: تجميع 8.325 مليون قنطار    ترامب يتوقع وقف إطلاق النار في غزة الأسبوع المقبل    ترامب.. إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما في غزة    انقلاب بارجة بحرية بخليج السويس والسلطات المصرية تتابع الإنقاذ    وزيرة المالية.. تسجيل فائض في ميزانية الدولة بنحو 2 مليار دينار مع نهاية مارس    حقوق الاطباء والاطار شبه الطبي وعمال الصحة محور لقاء سعيد بالفرجاني    بومهل البساتين.. الحرس الوطني يطيح بمروع المواطنين قرب "ازور سيتي"    بنزرت: وفاة عامل كهرباء بصعقة كهربائية    كيف تؤثر حرارة الصيف على مزاجنا وسلوكياتنا اليومية؟    الملعب التونسي : الياس الجلاصي يعزز الصفوف    كرة اليد بالنادي الافريقي .. منير حسن يجدد والعياري وبوبكر أول المغادرين    بسبب الأسلحة الصينية: مصر... في مرمى الصهاينة    بنزرت: حجز 2,4 طنّا من البطاطا على متن شاحنة متجهة من معتمدية غزالة نحو العاصمة    تاريخ الخيانات السياسية (2)... قصّة أبي رُغال في هدم الكعبة    وزير الاقتصاد يؤكد أن المنشور عدد 12 المتعلق بالسباح المنقذ بصدد المراجعة    منظمة الاطباء الشبان تعبر عن استنكارها لقرار الزام الاطباء المقيمين بمواصلة العمل بمراكز تعيينهم الحالية    عاجل/ حادث مروّع يودي بحياة رجلين في العقد السادس والسابع من العمر    عاجل/ قريبا.. هذا موعد الإنتهاء من مشروع "جسر الطاقة" بين تونس وإيطاليا    وزير خارجية سلطنة عمان يؤدي زيارة عمل الى تونس الإربعاء    مع تفجر الخلاف.. هل يقوم ترامب بترحيل ايلون ماسك إلى جنوب إفريقيا؟    عاجل/ البرلمان: التوصّل الى صيغة توافقية لتنقيح هذا القانون    استدعاء أطباء مغاربة لإسعاف شيرين عبد الوهاب    إطلاق إستشارة عمومية حول مشروع كُرّاس الشروط المتعلق بممارسة نشاط خدمة شحن السيّارات الكهربائية    الحرارة تصل 34 درجة هذه الليلة    لسد الشغور.. بلدية قليبية تنتدب 25 سباحا منقذا    ترامب يهدد ماسك... ولا يستبعد ترحيله إلى مسقط رأسه في جنوب إفريقيا    إنتقالات: السد القطري يضم متوسط ميدان برشلونة    هدى بوسيف رئيسة جمعية تواصل بايطاليا: " نعمل على تعليم أطفال المهجر و علاج أطفال الداخل "    عاجل/ موجة حر غير مسبوقة تجتاح أوروبا والبحر المتوسّط يسجّل أعلى درجات حرارة على الإطلاق    عاجل/ أوّل تصريح من وليد التونسي بعد شائعة وفاته    عاجل/ إحباط محاولة تهريب 43 كلغ من "الكوكايين"    إعصار "قنبلة" يضرب أستراليا.. #خبر_عاجل    الحماية المدنية تحذر من السباحة عند رفع الراية الحمراء بالشواطئ    مجموعة من مكاتب البريد تؤمن حصة عمل مسائية    لمكافحة الأمراض.. أفضل وقت لشرب الشاي الأخضر..    الدكتورة بن فرج: ''هزّان الحلق خطير برشا...الّي يُخرج من فم صغيرك هي سوائل طبيعية مش بلغم''    مؤثر: آخر كلمات للطفلة "مريم" قبل غرقها…    رباعي يمثل تونس في بطولة العالم للرياضات المائية    صبّ المال وهات"... أغنية جديدة للفنانة زازا "    "نغمات 3" في مدينة الثقافة:الدخول مجاني لسهرة الطرب و"الربوخ"    أشغال صيانة على الطريق السيارة أ1: دعوة إلى الحذر وتخفيف السرعة    تقوم من النوم تاعب؟ هذا الحلّ    مونديال الأندية : مدرب مونتيري يطالب لاعبيه بالدفاع للتأهل أمام دورتموند    مهرجان مالطا السينمائي لأفلام البحر المتوسط : الفيلم التونسي "وين ياخذنا الريح" لآمال القلاتي يفوز بجائزة النحلة الذهبية لأفضل فيلم طويل    وزير التجارة يدعو الى استغلال الفرص المناحة لتحقيق عقود تجارية تعود بالنفع على الميزان التجاري    رئيس الغرفة الوطنية للدواجن: ''الإنتاج وفير والأسعار معقولة''    ثنائية ليوناردو تقود الهلال إلى فوز كبير على مانشستر سيتي في كأس العالم    فلاحة : متابعة المراقبة والتصديق على حصص بذور الحبوب الممتازة بعدد من الشركات المنتجة للبذور    أولا وأخيرا: «قرط» وتبن وقش    المنستير: فوز أسماء الصيد بالجائزة الأولى للمسة العصامية في اختتام الدورة 21 للملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي    نفاد تذاكر عرض الفنان الشامي في مهرجان الحمامات الدولي    إختتام فعاليات المهرجان الوطني الثقافي والرياضي لشباب التكوين المهني    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    ما هي الأشهر الهجريَّة؟...وهذا ترتيبها    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب لكم : كيف يمكن خلق توازنات تحمي أجيال المستقبل من مداهمات الثقافة المعولمة واختراقاتها..؟
نشر في الصريح يوم 22 - 10 - 2019

"المثقفون يأتون لحل المشاكل بعد وقوعها،والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ".(ألبرت أينشتاين)
كيف يمكن مواجهة الإختراق الثقافي الكوني في ظل راهن يتعولم إقتصاديا وسياسيا..؟
هل ندير ظهرنا لهذا الغزو العولمي في حركة إستعراضية مشفوعة-بإنتحار حضاري-أم نواجه ما بات يهددنا بإعتماد ثنائية المحافظة على الذات والتفتّح على الآخر ؟
كيف يمكن خلق توازنات تحمي أجيال المستقبل من مداهمات الثقافة المعولمة واختراقاتها في ظل هذه الثورة الإتصالية الوافدة من الغرب،وما يتخللها من تنميط سياسي متعدّد الوسائل والأشكال..؟
ألسنا مدعويين هنا..والآن إلى لحظة مكاشفة صادقة مع النفس لتجاوز مطباتنا وتفعيل واقعنا وعقلنة ملامح المستقبل..؟
إنّ الخوف من غزو ثقافي كوني لم يعد له مبرّر وهو ليس من قبيل الأوهام التي تعودنا عليها،بقدر ما هو حقيقة ثابتة ومؤكّدة أملتها ظروف وملابسات تاريخية لها عميق الأثر في واقعنا العربي خاصة والدولي عامة نورد منها ما يلي:
–انهيار القطب الإشتراكي وتفكّكه وما تلاه من انهيارات متلاحقة أصابت دول المنظومة الإشتراكية،مما أفضى إلى تحكّم الرأسمالية المعولمة في إقتصاد الدول النامية واخضاع هذه الأخيرة لتبعية إقتصادية موغلة في التسلط والإستغلال..
-في عالم الثقافة الكونية هذا،برزت شركات متعددة الجنسيات تستغل في صالح المصالح الإقتصادية الكونية،وهذه الشركات أقوى من الدولة حيث تفوق ميزانياتها الدخل القومي لكثير من الدول النامية،وقد ملأت الحيز الثقافي في إعلامنا واستطاعت تلوين العالم بأفكارها وثقافتها..
-اتفاقية–الجات-التي تحوّلت إلى منظمة عام 1995 وأصبحت تبعا لذلك ضلعا أساسيا في مثلث الهيمنة الغربية(صندوق النقد-البنك الدولي-الجات)وهذه الإتفاقية تفسح المجال للغزو الثقافي الأمريكي والغربي عامة الذي أساسه إنكار وإقصاء الثقافات القومية للشعوب الأخرى،وبالتالي أمست تشكّل تهديدا خطيرا لثقافة وتطوّر العالم النامي في كافة المجالات الأخرى.
-في ظل العولمة ومع توقيع إتفاقية-الجات-أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات ومنها-والت ديزني-أقوى من الدول بعد حدوث إنفصال بين المصالح الإقتصادية العملاقة والأنظمة السياسية المحلية،وأصبحت تبعا لذلك تمارس ضغوطا من أجل التأثير على القرارات السياسية الداخلية في الدول التي تمارس فيها أنشطتها..
-نجاح العولمة في خلق أجيال كونية منبهرة بالسلعة الثقافية الأمريكية الأكثر إبهارا،الشيء الذي يهدّد بتخلّف صناعة السينما لدينا وغيرها من الصناعات الثقافية..
إنّ لهذه المعطيات التي ذكرناها عميق الصلة بخلخلة الواقع العربي وجعله ينوس بين طرفي الإنغلاق والإنفتاح دون الإلتفاف حول هذا الواقع وعقلنته بما يؤسّس لإستحضار الذاكرة لدى الإنسان العربي،ولعل في قولة فلاديمير لينين خير دلالة لما نحن بصدد الإشارة إليه:”شعب بلا ذاكرة،هو شعب لا مناعة له”
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:كيف يمكن في ظل الراهن الثقافي الكوني تأكيد الذات وإثبات الهوية والمحافظة على الأصالة بما من شأنه أن يبلور الصورة الحقيقية لحضارتنا..؟
وبسؤال مغاير أقول:هل نحن مطالبون وأمام المد الكاسح للتكنولوجيا من جهة،والعولمة من جهة أخرى،بإعادة البناء الفكري للمجتمع عبر استحياء الماضي ومصالحة الراهن واستشراف المستقبل ؟
ألم نفرّط في مكاسب حضارية كانت ستضعنا في مرتبة الدول المتقدمة استهدفتها بواكير النهضة في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر:محمد عبده-جمال الدين الأفغاني والكواكبي..فكيف نسينا التاريخ وقد ولجنا قرنا جديدا وصافحنا ألفية ثالثة..!؟
إنّ إقصاء الأنا للآخر وانغلاقه على ذاته طمس للهوية الفاعلة والمؤسسة،كما أنّ الإنفتاح المحافظ على الأصالة والحضارة العربية تأسيس للذات،ولذا بات لزاما على المثقفين العرب خاصة وعلى الشعوب العربية عامة إعادة النبض إلى التاريخ والعكس صحيح،وذلك من خلال فعل المواطنة وتجذير قيم الهوية بإعتماد التنمية الثقافية للمجتمع كشرط أساسي لنجاح التنمية في كافة مجالات الحياة،ثم المساهمة بشكل فعّال في بناء بعد الذاكرة العربية والسعي لصياغة الواقع العربي الراهن وفقا لمقاييس التقدّم قصد الإنتقال من الوضع المتخلّف حضاريا،إلى الوضع المحقّق لإنسانية الإنسان..
على سبيل الخاتمة:
إذا كانت التنمية تعني جهدا واعيا ومخططا من أجل حياة أفضل لكل إنسان،فإن الثقافة بمعناها الواسع تعتبر عنصرا فاعلا ومؤثرا في إنجاح برامج التنمية،فالثقافة هي المعيار الذي تتحدّد به هوية كل مجتمع بشري،ولكل مرحلة من مراحل المجتمع سمات ثقافية تتأثر وتؤثر في عوامل نهوضه أو تفككه،فالتنمية بصفتها عملية مركبة وشاملة ومتعددة الأبعاد تتعدى مجرى النمو الاقتصادي والاجتماعي وتقوم على توظيف كافة الجهود،وتوسيع مجالات النشاط الإنساني، وتعزيز القدرات الإنسانية،والمشاركة الفعالة في السعي لتحقيق أهداف منشودة،وجني ثمار التقدم المتواصل.
وخلاصة القول:إن تضافر الثقافة مع التنمية يؤدى إلى تطوير طرائق الفكر والتفكير العلمي والإبداع الأدبي والفني لخلق حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة للارتقاء بمستوى الوعي البشري إلى أفاق تطورية كبرى .
في الحقبة المعاصرة أعاد أدغار موران1 تعريف المسألة الثقافية ضمن إطار ما سماه بالأنسنة الثقافية مبينا أن الثقافة هي أعظم انبثاق يتصل بالمجتمع البشري وبأنها التراث المنظم الذي يتصل بالذاكرة الجماعية والموروث الجيني وأنها تضم داخلها عنصرين هما: – رأسمال معرفي وتقني ويتعلق بالمعارف والقواعد والممارسات والمهارات، – رأسمال ميثولوجي وطقوسي يخص المعتقدات والممنوعات والقيم والمعايير2.
على هذا الأساس تحتوي كل ثقافة على شبكة رمزية ومادية مركبة ومتشابكة وتحوز على لغة خاصة بها تسمح بتسجيل الموروث واستذكاره ونقل المعارف والتواصل بين الذوات والمجموعات ولذلك فهي تبعث للحياة في كل زمن يتشكل فيه جيل جديد وتعمل على تغذية هويته. تبعا لذلك ” تفرض الثقافة نظامها المنظم على التكاثر البيولوجي وتنشئ قواعد الحياة المشتركة من خلال ذلك النظام”3
غير أن الثقافة تتميز بالطابع المزدوج فهي خصوصية ومغلقة من ناحية ولكنها كونية ومفتوحة من ناحية أخرى وتعمل على إنتاج عالم روحاني مليء بالأساطير والرمزيات ولكنها تساهم في تشكل الابتكارات التقنية وتمنح الشكل والمعيار إلى الأفراد لكي يندمجوا في وجود اجتماعي يتمتع بالتنظيم الذاتي والتجدد. لكن حينما يتم تأهيل المجتمع ثقافيا فإنه يكتسب هوية مميزة ويبدأ في التفتح والنماء والازدهار وتشتغل فيه آليات الحوارية بين أفراده والتكاملية بين اندفاعاته وآماله من جهة وقدراته وتصوراته ومنجزاته من جهة أخرى وتتشكل مقاومة تآزرية تعمل على درء المخاطر وصون تماسكه واستمراره والتأقلم مع العص.فماهي المحصنات التي يجب أن تتوفر حتى لا تفقد الثقافة هويتها عند كل انفتاح ولا تسقط في تمركز عند كل انغلاق؟ وهل من تعارض بين حركة الابداع عن طريق التوليد الذاتي والنواة السردية المنظمة؟

هوامش:

1-أدغار موران:مفكر وباحث وفيلسوف فرنسي، صاحب نظرية التعقيد، والفكر المركب، عايش الحرب العالمية الثانية، يعرف بتأييده للقضايا الإنسانية العادلة بينها القضية الفلسطينية.
2-موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، ترجمة هناء صبحي، كلمة ، أبو ظبي، طبعة أولى 2009،ص193.
3-موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، مرجع مذكور،ص200.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.