في معاني قوله تعالى'' لقد جاءكم رسول من أنفسكم ...'' يقول الله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم". والخطاب في قول الجمهور وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه وشرفوا به في غابر الأيام، وقال الزجاج هي مخاطبة لجميع العالم والمعنى كما يقول القرطبي بعد إيراده لما سلف (لقد جاءكم رسول من البشر.. وقال ابن عباس: ما من قبيلة من العرب إلا ولدت النبي صلى الله عليه وسلام فكأنه قال: يا معشر العرب لقد جاءكم رسول من بني إسماعيل... أي هو بشر مثلكم لتفهموا عنه وتأتموا به. قوله تعالى (من أنفسكم) قال القرطبي مما يقتضي مدحا لنسب النبي صلى الله عليه وسلم انه من صميم العرب وخالصها عن وائلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال (إني من نكاح ولست من سفاح) وقرأ عبد الله بن قسيط المكي من (أنفسكم) بفتح الفاء، من النفاسة ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة رضي الله عنها أي جاءكم رسول من أشرفكم وأفضلكم وقيل من أنفسكم أي أكثركم طاعة انظر الصفحة 301 الجزء الثامن من جامع أحكام القرآن. قال تعالى (عزيز عليه ما عنتم) أي تعز عليهم مشقتكم والعنت:المشقة، قيل عزيز عليه أن تدخلوا النار حريص عليكم أن تدخلوا الجنة وقيل حريص عليكم أن تؤمنوا وقال الفراء شحيح عليكم بأن تدخلوا النار. (بالمؤمنين رؤوف رحيم) قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقال عبد العزيز بن بحي نظم هذه الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم عزيز عليه ما عنتم لا يهمه إلا شأنكم وهو القائم بالشفاعة لكم فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته فانه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة) انتهى مختصرا من تفسير القرطبي الصفحة 302 الجزء الثامن. قوله تعالى (فان تولوا فقل حسبي الله) قال القرطبي أي أن اعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعمة التي منّ الله بها عليهم فقل حسبي الله (وهو ربّ العرش العظيم) والعرش هو أعظم مخلوقات الله ليدخل ما دونه إذ ذكر. أورد أبو داود عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه صادقا كان أو كاذبا. وفي نوادر الأصول عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال عشر كلمات دبر كل صلاة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا خمس للدنيا وخمس للآخرة: حسبي الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى عليّ حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت، حسبي الله عند المساءلة في القبر، حسبي الله عند الميزان، حسبي الله عند الصراط، حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت واليه أنيب) انتهى كما جاء في الصفحة 303 من الجزء الثامن من الجامع لأحكام القرآن. وما هذه المعاني القليلة التي اختصرناها من تفسير القرطبي إلا فاتحة لما سننطلق منه بإذن الله من مثل هذه الآية وما يشبهها من الآيات مما يتعلق من قريب أو من بعيد بسيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام مواكبة لما يعيشه المسلمون حيثما كانوا في ديار الإسلام وخارجها من احتفالات بهيجة لمولد سيد الكائنات عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام تحية من المسلمين لهذا النبي الكريم وهذا الرسول العظيم وتقربا إلى الله بحبه وإشاعة بين الناس لسيرته وهديه عليه السلام.